نشرت جريدة "الأهرام" المصرية في عدد السبت الماضي حوارا مستفيضا أجراه الصحفي المصري "محمد مطر" مع رئيس حزب حركة "النهضة" راشد الغنوشي في جلسة طالت بطول المواضيع والمحاور والهواجس الدفينة التي طرحت على مائدة الحوار . ولعل من أهمها ما جاء على لسان رئيس حركة "النهضة" من نظرته لما يعرف بالإسلام السياسي وعلاقته بالسلفية ورؤيته للمرأة والاقتصاد والسياحة بالإضافة إلى تعريفه بالدور الذي يضطلع به الجيش التونسي خاصة خلال الثورة التي فتحت منافذ جديدة للإصلاح والديمقراطية والحرية . إنطلق "راشد الغنوشي" في بداية حواره بسرد المحطات التي مرت بها الثورة التونسية معتبرا إياها "صحوة شعبية عارمة وواعية بضرورة القطع مع نظام الحكم البائد القائم على الإستبداد والقمع والفساد "مستدلا ب "تنظيم أول انتخابات حرة تعددية نزيهة وشفافة في تاريخ البلاد تشكل على إثرها المجلس الوطني التأسيسي الذي سينكب على إعداد دستور "كحجة على نجاح الثورة وإرساء أهم المطالب التي جاءت من أجلها ." وبخصوص تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكد رئيس حركة "النهضة" أن تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لا يتم في "وقت وجيز" وإنما يتطلب الكثير من الوقت ، منبها إلى خطورة الوضع الحالي الذي "يستدعي منا جميعا وحدة الصف، وعلى الجميع أن يعي أن الأسس السياسية المتينة يمكن أن تنهار إذا لم تعزز بحد أدنى من الدعامات الإقتصادية والإجتماعية " . كما أشار راشد الغنوشي إلى الخطورة التي تكمن وراء عمليات قطع الطرق وعمليات الحرق والتخريب والتدمير في مواقع حساسة كالمصانع والسكك الحديدية ... معتبرا إياها أشد خطورة من الإعتصامات والإحتجاجات "وهو أمر لا يقبله الشعب الذي أثق في أنه سيتحرك وسيوقف الإعتصامات الفوضوية والإضطرابات العشوائية حماية لمصلحته وثرواته وثورته مؤكدا أن قطع الطرقات والإعتداءات على حقوق الغير مرفوضة قانونيا وشرعيا وأخلاقيا" . وجدد المتحدث خلال هذا الحوار تأكيده على رفضه لسياسة "شل البلاد وجرها إلى العنف وإثارة نعرات جهوية وفئوية وطائفية " رغم تأكيده على تفهم كل المطالب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية المشروعة ... كما أكد على إلزامية الإستجابة لمطلب الشعب وتوفير مواطن الشغل تراعي مبدأ التوزيع العادل للثروات بين الجهات ، معتبرا أن الحل يكمن في معالجة الملف الأمني بإعتباره "المفتاح الذي يمكنه إيجاد الحلول لبقية الملفات" . وندد "راشد الغنوشي خلال هذا الحوار بالسياسة التي يعمد إليها البعض ممن وصفهم ب "الأطراف الضائعة" ألا وهي سياسة إستخدام "فزاعة الإسلام" بغية التخويف والتهويل ليلا نهارا والحال أن "النهضة" مشروع إجتماعي إقتصادي يطلق طاقات الإبداع ويحقق روابط الأخوة الوطنية ويصون البيئة وإستقلال البلاد ويوفر الضرورات الحيوية لكل مواطن وحقوقه وحرياته الأساسية . وعن تهمة إزدواجية خطاب حركة "النهضة" أكد الغنوشي أنها إتهام "يحتاج إلى إثباتات تدين صاحبه، والأصل أن الإنسان بريء حتى يثبت العكس ولا وجود لمخاوف مشروعة من "النهضة" وكتب وأدبيات "النهضة" موجودة وبإمكان الجميع الإطلاع عليها دون صعوبة" . كما أشار رئيس "حزب الحكومة" إلى أنه شغل من الدورات القيادية بما فيه الكفاية مؤكدا عدم ترشحه لأي منصب قادم فاسحا المجال ل "جيل جديد من القياديين مؤهل للقيادة" ، مشيرا إلى ان ذلك لا يعني تخليه عن حركة "النهضة" . وبخصوص نظرته للمرأة أكد الشيخ قائلا "للمرأة مكانة خاصة في المشروع الحضاري لحركة "النهضة" لن نمس حقوق المرأة والدليل التصويت الواسع لصالح الحركة رجالا ونساء ووجود 24 امرأة من "النهضة" في المجلس التأسيسي من مجموع 94 بما يدل على أن المرأة التونسية رأت أن ضمان حريتها هو مع "النهضة" وليس خصومها ولن نفرض الحجاب على المرأة التونسية لأن كل محاولات الدول العربية لفعل ذلك باءت بالفشل ". وختم المتحدث حواره بتحديد الدور الذي إضطلعت به القوات المسلحة إبان الثورة حيث "كان لها شرف حماية الثورة عند هروب بن علي كما أمنت البلاد من الإنفلات الأمني عند إنهيار الأمن ، كما كان لها شرف حماية صناديق الإقتراع " . وعن إمكانية أن تكون للقوات المسلحة التونسية مطامع في الحكم جزم "راشد الغنوشي" قائلا "ليست لها أطماع في الحكم وهي على مسافة واحدة من كل التيارات وتركيا إستطاعت أن ترسي تجربة تنموية وديمقراطية رائدة عبر حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي إستطاع أن يعيد للبلاد مكانتها التاريخية في المنطقة ، نحن نرتبط مع التجربة الإسلامية في تركيا بعلاقات وطيدة منذ السبعيانت ، وهناك تبادل للتأثير بين التجربتين التونسية والتركية وتبقى لكل منهما خصوصياتها" .