يبدو أن الحكومة الحالية قررت الخروج عن صمتها واعلان المواجهة المباشرة مع أنصار المد السلفي أمام تزايد تذمر المواطنين من تجاوزات بعض السلفيين على تصعيد العنف في الآونة الأخيرة وصل حد التحريض على القتل. ويرى العديد من المراقبين أن هذا التيار يسعى بوضوح الى دفع البلاد للفتنة من خلال التحكم في حياة التونسيين وعاداتهم اليومية واجبارهم على التخلي عن أفكارهم ولباسهم وال «سطو» على المؤسسات التعليمية ومحاولة تنميط المجتمع التونسي وهو الامر الذي أعتبره ملاحظون ناقوس إنذار يهدد الحريات الفكرية والأكاديمية. فهل باتت المواجهة بين الحكومة الحالية والسلفيين وشيكة ؟ خاصة بعد تحذيرات الجنرال رشيد عمار قائد أركان الجيوش الثلاثة لهم من مغبة استعمال العنف قائلا بالحرف الواحد:bientôt je vais siffler la fin de la récréation. وهو ما يمكن ترجمته ب «قريبا سأعلن عن نهاية فترة الاستراحة!». وذلك إثر لقاء جمعه بوزير الداخلية علي لعريض ووزيرة المرأة سهام بادي دار الحديث حول العنف السلفي وتهديداته المستمرة للحريات وللأشخاص. وتواجه حكومة حمادي الجبالي بعد مرور حوالي 100 يوم على تنصيبها اتهامات ب «الصمت» عن فرض الأمن في البلاد وإعادة هيبة الدولة أمام إفلات هذه العناصر والمجموعات السلفية من العقاب. ويشتكي التونسيون من تردي الوضع الأمني خاصة أمام تمادي عنف السلفيين على غرار انزال العلم الوطني والتعدي على المسرحيين واطلاق التهديدات بالقتل لشخصيات عامة ويهود تونس. والواضح أن وزارة الداخلية هي الاخرى قد حزمت أمرها أيضا لإنهاء حالة التردد التي اربكت عملها وعرّضتها في المدة الأخيرة لسيل من الاتهامات نظرا لغياب موقف حازم وواضح من التيار السلفي والانتهاكات الصادرة عن المنتمين له. وقد أكد علي العريض أمس الاول في المجلس التأسيسي على أنهم ضد الفكر المسمى بفكر «القاعدة» أو الفكر القريب منه مشيراً إلى أنهم لا يتبنون شيئا من هذا الفكر ولا من منهج القاعدة أو الأسلوب الذي تعتمده. وكان العريض أكد في حديث سابق لصحيفة «لوموند» الفرنسية أن المواجهة مع السلفية الجهادية باتت شبه حتمية مؤكدا أنه « يعلم جيدا أنه سوف يخوض معركة كبرى مع السلفيين الجهاديين الذين يلجؤون للعنف، ويمثلون خطرا على المجتمع التونسي». وتأتي تحذيرات العريض لتؤكد خطورة المد السلفي في البلاد حيث أكد استعداد الداخلية للجوء إلى كل الطرق التي تبررها الوضعية الحالية للتصدي للخطر الحالي، بما فيها، العمل الإستخباري، والإيقافات، لغاية قطع الطريق بين المجموعات في الداخل وتلك التي تنشط في الدول المجاورة أو الأبعد من ذلك. وقال العريض: «منذ شهر قمت بدعوة كل من استولى على أسلحة من الثكنات أيام الثورة، للقيام بتسليمها مقابل ضمانات بعدم التتبع العدلي، لكن نعلم جيدا أن السلفيين الجهاديين لن يلتزموا بذلك، لذلك سنتجه الآن إلى المواجهة التي تبدو شبه حتمية» . العريض لم يكتف بذلك بل ذكر أيضا أنه لا بد أن تعود المساجد تحت مراقبة الدولة، وأن هذا الفعل يعتبر جبهة أخرى في هذه المعركة. وكانت منطقة «بئر علي بن خليفة» بولاية صفاقس قد شهدت مطلع فيفري الماضي مواجهة مسلحة بين قوات من الجيش والأمن من جهة، ومجموعة مسلحة من جهة أخرى، أدت إلى سقوط قتيلين في صفوف المسلحين، وعدد من الجرحى. غير أن القيادي في تيار السلفية الجهادية في تونس سيف الله بن حسين المعروف باسم «أبو عياض» الذي اعترف صراحة بأنه يحمل فكر تنظيم «القاعدة» ومنهجه لم يتوان عن توجيه اتهامات لوزير الداخلية بأنه يرهب الشعب بفزاعة السلفية لإرساء دكتاتورية جديدة. و مع كل هذا «التخوف» الشعبي من ممارسة العنف مهما كان مصدره، ينتظر الجميع من العريض تفعيل كلامه على الأرض بما قد يعني ذلك من حتمية المواجهة مع التيارات الجهادية وقد تكون صافرة رشيد عمار بداية «نهاية لعب العيال» والمرور إلى الجديات مع ما تفرضه من تحديات و لم لا من تضحيات من أجل فرض الأمن في قلوب العباد وإعادة هيبة الدولة في ربوع البلاد؟