الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    أغلبهم متطفّلون وموجّهون .. «الكرونيكور» قنبلة موقوتة تهدّد إعلامنا    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    غوغل تكشف عن محرك بحث معزز بالذكاء الاصطناعي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    الترجي يستعدّ للأهلي ..دخلة «عالمية» ومنحة «ملكية»    رالي تانيت للدراجات .. نجاح تنظيمي باهر    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    ذبح المواشي خارج المسالخ البلدية ممنوع منعًا باتًا بهذه الولاية    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    عاجل/ السيطرة على حريق بمصنع طماطم في هذه الجهة    الإعداد لتركيز نقاط بيع نموذجية للمواد الاستهلاكية المدعمة بكافة معتمديات ولاية تونس    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    منطقة سدّ نبهانة تلقت 17 ملميترا من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    منحة استثنائية ب ''ثلاثة ملاين'' للنواب مجلس الشعب ...ما القصة ؟    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    مشادة كلامية تنتهي بجريمة قتل في باجة..#خبر_عاجل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    معهد الاستهلاك: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويا في تونس    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    عشرات القتلى والجرحى جراء سقوط لوحة إعلانية ضخمة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. "الهاشمي الحامدي" (رئيس «العريضة الشعبية»و «حزب المحافظين التقدميين») ل "التونسية": هذه قصة القطيعة مع "النهضة" و صحيفة رسمية وصفتني ب "أخطر رجل في العالم"
نشر في التونسية يوم 13 - 04 - 2012

- - تقرّبي من عائلة الرئيس المخلوع كذبة من الأكاذيب الأخرى في حياتي السياسية
- هكذا أنهى راشد الغنوشي مسعاي لتسوية سياسية بين النظام السابق والاسلاميين
- المنشور 108 أنهى الهدنة بيني وبين نظام بن علي
هو سياسي مثير للجدل، لكنّ خصومه كما أنصاره يقرّون له بالدهاء السياسي و القدرة على المناورة والبلاغة في الخطابة. بدأ قياديا طلابيا معروفا كناطق باسم طلبة الاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) و توزعت بعد ذلك مساراته على فترات سجنية قصيرة فأحكام قضائية طويلة غيابية ثم الهروب إلى دول مختلفة ليستقر بلندن منذ ثلاثة عقود. وفي كل هذه الرحلة، خرج من «النهضة» وأسس قناة «المستقلة» التي أثار بها ضجة كبرى ، إذ كانت مفتوحة لمعارضي النظام السابق ثم استغرب الجميع شكره لبن علي و خاصة ثناءه على ليلى الطرابلسي. اختفت أخباره حتى فاجأت عريضته الشعبية الجميع في انتخابات التأسيسي. ذلك هو الدكتور محمد الهاشمي الحامدي الذي حملت إجاباته «تداعيات» تفصيلية مما «أجبرنا» على مزيد «استفزازه» وكانت النتيجة أننا ومع أسئلة الآني السياسي، وجدنا أنفسنا أمام جرد كامل لتفاصيل تاريخه داخل الاتجاه الإسلامي لم نشأ أن نحرم القارئ منها خاصة أنه لأول مرة يفصح عن هذه التفاصيل التي يعتبرها حقائق (طبعا حسب كلامه) ، لذلك ننشرها بكل حيادية في هذا الجزء الأول من الحوار معه.
أنتم شخصية معروفة في تونس، ولكن الجيل الشاب لا يعرف منكم إلا قائمات «العريضة» التي ترشحت لانتخابات المجلس التأسيسي وحصدت المرتبة الثالثة، ماذا تقولون لهم؟
أقول للجيل الشاب الذي لا يعرفني إنني من مواليد 1964 في سيدي بوزيد. أقيم في لندن منذ 1987 وأعمل في الصحافة والسياسة. أحمل شهادة الإجازة في اللغة العربية من جامعة تونس، ودرجتي الماجستير والدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط والفلسفة من جامعة لندن. أقود تيار «العريضة الشعبية» و«حزب المحافظين التقدميين». نشأت في ربوع قريتي الصغيرة «الحوامد» وهي تبعد عن سيدي بوزيد حوالي 18 كلم. وفي عام 1978 عرض فيلم «الرسالة» عن مبادئ الإسلام وقصة بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فتأثرت به وبدأت أصلي. بعد ذلك بعام، أصبحت عضوا في تنظيم الاتجاه الإسلامي، الاسم السابق لحركة «النهضة». من هنا بدأت رحلتي في السياسة ثم في عالم الإعلام.
عرفكم المشهد الطلابي كخطيب مقتدر وكناطق رسمي باسم حركة «الاتجاه الإسلامي» ( النهضة حاليا)، ثم كان السجن، فالخروج والمغادرة إلى خارج تونس ما الذي حصل بالضبط؟
في خريف 1981 حصلت على الباكالوريا وانتقلت للدراسة في كلية الآداب بالعاصمة. وفي نهاية العام الدراسي الأول أصبحت عضوا في المكتب السياسي لتنظيم الاتجاه الإسلامي في الجامعة.
في العام الثاني من دراستي الجامعية، اعتقلت مع قيادة التنظيم الطلابي يوم 8 جانفي 1983. دخلت السجن لأول مرة وعمري 19 سنة بقيت ما يقرب من سبعة أشهر ثم حكم علي بستة أشهر سجنا فاستعدت حريتي. وبعد شهرين دخلت عالم الصحافة، بمقالات مشهورة في جريدة «الرأي» الأسبوعية المستقلة عن تجربة الاعتقال كان عنوانها «اعترافات لم يسجلها قلم التحقيق» وبعد خروجي من السجن بأشهر قليلة تم انتخابي رئيسا ، أو أميرا، لتنظيم الاتجاه الإسلامي في الجامعة.
في 3 جانفي 1984 حدثت ثورة الخبز. شاركت فيها واعتقلت يوم 6 جانفي لأيام قليلة، ثم أفرج عني بلا محاكمة. وفي عام 1985 أشرفت بمعية قيادة الاتجاه الإسلامي على تأسيس الإتحاد العام التونسي للطلبة.
خلال دراستي الجامعية كنت أخطب في الاجتماعات العامة وأحث الطلبة على أن تكون لهم مشاركة في الشأن الوطني العام للبلاد.
في صيف 1985 حصلت على الإجازة في علوم اللغة العربية وآدابها، وبعد ذلك بأشهر قليلة، في مارس 1986، رأت قيادة الاتجاه الإسلامي أنه من الأفضل أن أغادر البلاد بعد أن بدأت السلطة في شن حملة اعتقالات جديدة ضد قيادات الحركة. غادرت البلاد إلى منفى طويل. عامي الأول كان في السودان، ثم غادرت إلى لندن في صيف 1987، وبقيت مقيما فيها منذ ذلك التاريخ.
في الأشهر الأخيرة من حكم بورقيبة، حوكمت غيابيا بالسجن عشرين عاما مع الأشغال الشاقة بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم والانتماء لجمعية غير مرخص فيها. وحوكمت في نفس القضية حضوريا في عهد بن علي وصدر علي حكم بخمس سنوات سجنا.
أعيش في المنفى منذ 26 عاما... ماتت أمي قبل أربع سنوات ولم أستطع زيارتها في مرض وفاتها ولا حضور جنازتها. وفي منفاي الطويل، استكملت دراساتي العليا في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. عملت بالصحافة في لندن في جريدة «الشرق الأوسط» اليومية أولا، ثم أسست جريدة «المستقلة» التي صدرت شهرية أولا ثم أسبوعية، وفي جانفي 1999 أطلقت بث قناة «المستقلة» الفضائية، ثم قناة «الديمقراطية» في 2005.
عملت في المكتب السياسي المركزي لحركة «النهضة» خلال إقامتي في لندن لغاية سبتمبر 1990. استقلت من حركة «النهضة» عام 1992 بعد تجميد عضويتي في المكتب السياسي لنحو عامين. ورغم الاستقالة، فقد استخدمت كل سلطة معنوية لي للضغط من أجل إطلاق سراح مئات المساجين السياسيين ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن الآلاف منهم. وكلهم تقريبا كانوا من الإسلاميين.
يقال إنكم استطعتم بقدرتكم البلاغية والتحليلية أن تكونوا ، حسب تسريبات المقربين، الابن الروحي للشيخ راشد الغنوشي فلماذا اليوم هذا الجفاء منه شخصيا ومن حركة «النهضة» تجاهكم؟
انتخبت رئيسا لتنظيم الاتجاه الإسلامي في الجامعة وكان ذراعا سياسية وشعبية قوية ومؤثرة للحركة، وربما زاد من تأثيره انخراطي في العمل الإعلامي واحتكاكي المباشر بقطاع معتبر من وجوه النخبة السياسية التونسية.
فقد اقتحمت عالم الصحافة والإعلام بعد خروجي من السجن، في جريدة «الرأي» أولا ثم في مجلة «المغرب العربي» ثم في جريدة «الصباح». وفي هذه المؤسسات تعرفت على كثير من رموز وأعلام الصحافة التونسية.
في 1984 اختارتني مجلة إفريقيا التي تصدر باللغة الفرنسية «جون أفريك» أصغر عضو في قائمة 500 شخصية سمتها قائمة النخب التونسية. كان الزعيم الحبيب بورقيبة من أكبر أفرادها سنا، وكنت أصغرهم.
حضرت قليلا من دورات مجلس الشورى ليس كعضو وإنما بصفتي كرئيس لتنظيم الاتجاه الإسلامي في الجامعة. وبعد أن هاجر الشيخ راشد الغنوشي من تونس في عام 1989، تشكل مكتب سياسي للحركة برئاسته، وكنت عضوا في هذا المكتب لغاية سبتمبر 1990.
كانت علاقتي بالشيخ راشد طيبة. ساندته بقوة في مؤتمر الحركة الذي عقد سريا عام 1984 وكان بينه وبين الأخ صالح كركر، شفاه الله وعافاه ورد غربته على خير، خلاف حاد حول الرؤية وأساليب العمل. وبعد مغادرتي للبلاد، ألفت كتاب «أشواق الحرية: قصة الحركة الإسلامية في تونس»، وتجدون فيه أيضا أدلة على ما كان في نفسي من تقدير واحترام للرجل.
بعد ذلك، في المهجر، بدأت الخلافات تظهر بيني وبين الشيخ راشد الغنوشي، وبدأت العلاقة تفتر تدريجيا، وأظن أن من أسبابها أن راشد الغنوشي بطبعه وتكوينه لا يرتاح للذين يخالفونه الرأي علنا.
بالنسبة للجفاء الحاصل اليوم، أنا شخصيا غير قادر على حمل الغل والكره لأحد. ، أي أنني حتى لو حاولت أن أكره وأحقد لما استطعت. عندما وصلني نبأ وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة تذكرت مآثره وأعماله الجيدة ونسيت أنني سجنت ونفيت في عهده. قلت ذلك في قناة «الجزيرة» وترحمت عليه. كان للشيخ راشد موقف معاكس تماما ومشهور.
ثم إن الجفاء اليوم له أسبابه السياسية. قال لي أحد قادة الحركة الإسلامية في سوريا قبل شهرين: إخوانك (يقصد قيادة النهضة) مصدومون لانتصار «العريضة الشعبية» في الانتخابات ويجب أن تعذرهم!!
أنا لا أرى هذا السلوك موافقا للمصلحة الوطنية العليا وقبل ذلك لِهدي من بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، عليه الصلاة والسلام.
نرجو توضيح ما حدث في لقاءات المهجر، إذ بقيت التسريبات في مستويين فحسب: هناك من يقول إنكم طلبتم زعامة الحركة وهناك من أكد انكم طالبتم بخطة الناطق الرسمي للحركة، ما الحقيقة في ذلك؟
في عام 1990 بدأ التصعيد بين نظام بن علي وحركة «النهضة». وفي 2 أوت 1990 غزا النظام العراقي الكويت. كنت ضد التصعيد في تونس، وضد الغزو العراقي للكويت. وكان رأيي مخالفا للشيخ راشد وعدد معتبر من قياديي الحركة. كنت أيامها صحفيا بجريدة «الشرق الأوسط» اليومية التي تصدر في لندن، وكتبت آرائي الشخصية المخالفة لرأي الحركة. وفي سبتمبر من ذلك الصيف، قيل لي إنه تم تجميدي من عضوية المكتب. تم ذلك من دون حوار أو مناقشة.
صبرت نحو عامين على التجميد ولم يُرفع. كانت وضعيتي عجيبة: معارض للنظام الحاكم، ومجمد في حزبي المعارض. أحسست بالضيق والظلم وبدأت أفكر في الاستقالة. الحدث الذي جعلني أستقيل نهائيا هو أنني عرضت على الشيخ راشد وأعضاء القيادة إعادة إصدار جريدة «الفجر» من لندن، فرحبوا بالفكرة. وبعد أن قمت بإصدار عددين منها، وإحيائها من جديد، قال لي الشيخ راشد، في ماي 1992 على ما أذكر، في اجتماع خاص، إن الإخوة، يقصد أعضاء القيادة الآخرين، لا يوافقون أن أكون رئيسا لتحرير الجريدة، وأن الحل هو أن يكون هو شخصيا رئيسا للتحرير وأن أكون أنا سكريتيرا للتحرير هذا منطق لم أقبله لأنه غير مبرر.
ورفضت العرض لأنني وصلت إلى قناعة بأن هؤلاء الإخوة الذين جمدوني لمدة عامين، لا يرتاحون للعمل معي، ولو جئتهم بأي شيء آخر، وبفكرة أفضل ألف مرة من إحياء جريدة «الفجر»، لوجدوا مبررا للاعتراض والانتقاد.
سألت نفسي: ما الذي يجبرني أن أكون معارضا للنظام ومضطهدا في حزبي؟ ما الذي يجبرني على أن أعيش في هذه الأجواء المزعجة والمرعبة من الغيرة والحسد والبغضاء؟ هكذا نظرت إليها آنذاك، وهكذا عشتها. حتى في حالة الزواج، الله تعالى يقول: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». لذلك، وبعد عامين من الصبر، قررت أن أستقيل من الحركة، وأبدأ حياتي من جديد.
وبعد ذلك فقط عرفت أن التدين ليس سياسة فقط، وإنما هو أوسع من ذلك وأشمل، وبدل أن أكتب في الأحزاب وأعتبرها أعظم أمور الدنيا كتبت في التوحيد والسيرة النبوية. باختصار: وجدت الحياة خارج تنظيم «النهضة» أرحب وأجمل.
لم تكن استقالتي ضيقا بأعباء معارضة النظام. كان السبب هو أنني ضقت ذرعا بالحياة الكئيبة والمشاحنات والأحقاد التي وصفتها لك داخل تنظيم حركة "النهضة".
العديد من قياديي «النهضة» يعتبرون موضوع الدكتوراه الذي قمتم به حول الحركة الإسلامية في تونس سببا في تأبيد عذاباتهم وعملا استخباراتيا بامتياز استعمله النظام السابق لتبرير قمعه ؟ كيف ترد على هذه الاتهامات؟
رسالتي لدرجة الدكتوراه نشرت عام 1998، بعد عدة سنوات من محاكمات 1992 و1993. هذا المعطى لوحده ينفي كل الاتهامات ،بالإضافة إلى أن الأطروحة صدرت في كتاب باللغة الانقليزية ولم تترجم للعربية ولم توزع في تونس أو العالم العربي.
الحقيقة أنه لا أحد في تونس أو خارجها وقف قولا وعملا مع المعتقلين الإسلاميين مثلما فعل محمد الهاشمي الحامدي. لدي أرشيف كبير من رسائل الإسلاميين الذين طلبوا مساعدتي، ومن التسجيلات المنشورة في وسائل الإعلام تؤكد كلامي هذا، وكثير منهم لا ينازعون في هذا الأمر أصلا. من غامر بطرح موضوع المعتقلين على بن علي وهو في عز قوته عام 1998؟ من أطلق برنامج «المغرب الكبير» وأسمع الملايين معاناة المعتقلين الإسلاميين وغير الإسلاميين وتدخل لإطلاق سراح المئات منهم وإلغاء قيود المراقبة الإدارية عن الآلاف؟
هذه معطيات حصلت. هذا تاريخ لا يمكن تزويره.
ثم إن ما كتبته في رسالتي لدرجة الدكتوراه لم يُذكر أبدا، ولم يستخدم أبدا في أية معركة قانونية أو إعلامية أو سياسية بين النظام السابق وحركة «النهضة». لماذا؟ ليس فقط لأن كتابي صدر بعد عدة سنوات من محاكمات قادة «النهضة»، وإنما أيضا لأن النظام السابق لم يكن مرتاحا لمضمون الكتاب ولنتائج بحثي. لقد فصلت القول في الأساليب القمعية التي واجهت حركة الاتجاه الإسلامي منذ تأسيسها، ولخصت رأيي في آخر فقرة في رسالتي وقلت إن النخب العلمانية الراديكالية في المجتمع التونسي قد تظن أنها قضت ظاهريا على الحركة الإسلامية، ولكن هذا الانتصار الظاهري قد يكون هو الأساس لظهور حركات إسلامية أخرى في المستقبل، وليس فقط حركة «النهضة»، لتصفّي الحساب مع العلمانيين في النظام. وبينت أيضا أنه لا غنى عن التوصل إلى نهج سلمي يحتضن الاختلافات السياسية والاجتماعية، ويمكّن من تغيير نظام الحكم من دون اللجوء لاحتكار الدين أو تنظيم انقلابات عسكرية.
هذه أفكار منشورة في الفصل الأخير من الكتاب. فهل تصدر دفاعا عن المعتقلين، هل يمكن أن تصدر عن شخص يرتكب أعمالا كالتي تحدثتم عنها في سؤالكم؟ سامح الذين نقلتم أقوالهم واتهاماتهم الباطلة.
أنا أقول لك بصراحة شديدة: قياديون في «النهضة» جروا آلاف الإسلاميين بتسرع ورعونة الى محرقة القمع في العهد السابق. ولم أكن منهم. أما دوري فكان تخفيف آثار تلك الأخطاء الاستراتيجية المكلفة، والدفاع عن مبدأ الصلح والوفاق بين النظام والعلمانيين والإسلاميين.
وقياديون آخرون في «النهضة» تفاوضوا مع سفارات النظام السابق وعادوا إلى البلاد في عهد بن علي بأمان. أما أنا فبقيت في المنفى ولم أعد. فهل يحق لأحد أن يزايد عليّ بعد كل هذه المعطيات؟
أعود لموضوع أطروحتي لدرجة الدكتوراه. من يقول إن رسالتي كانت سببا في تعذيب الإسلاميين فإنه يكذب بفجور واستهتار. هذا هو التوصيف الحقيقي لهذه الأقوال. لقد قال بعض قادة حركة «النهضة» عن جماهير «العريضة الشعبية» أنهم قوى الثورة المضادة، وجماعة التجمع. هؤلاء الناس، ولا أعمم، كذبوا على الناس عمدا. ثم قالوا في بعض منابرهم إنني أملك حسابات سرية في سويسرا ثم «لحسوا» الكذبة بلا حياء أو خجل؟
إذا جاء شخص كاذب ليشهد في قضية ما، فإن كذبة واحدة تسقط شهادته. فما بالكم بأكثر من كذبة؟ هذا هو السائد في علم الحديث الشريف، وفي القضاء الغربي الحديث. للأسف الشديد، هناك أناس في حركة «النهضة» متخصصون في الكذب على المخالفين أفرادا وجماعات. هذه مدرسة غريبة في الدين والسياسة. بعض المتحزبين يظنون أنهم يتقربون إلى الله بالكذب على المخالفين. وللأسف هذا هو الحال بالضبط في شأن هذه التهمة الباطلة.
قبل عشر سنوات، حاول واحد من المرجفين الأفاكين، ترويج هذه الفرية، وحاورته لعدة أسابيع في جريدة «تونس نيوز» الالكترونية إلى أن صمت وانسحب مهزوما.
كما تعلمون، إذا قمتم ببحث أكاديمي حول «العريضة الشعبية» مثلا فستنقلون أقوال أنصارها وخصومها. وهذا ما فعلته في بحثي. نقلت أقوال قادة «النهضة»، من مصادرهم أو من مصادر تعتبر صديقة لهم، ونقلت ما قاله النظام بشأنهم في معاركه السياسية معهم. لم أستخدم معلومة من عندي أبدا للاحتياط. وعندما تطرقت للمحاولة الانقلابية التي لم تنفذ، والتي كانت مبرمجة يوم 8 نوفمبر 1987 ، فإنني نقلت أخبارها مما قالها قادة الحركة للكاتب الفرنسي فرانسوا بورجا في كتابه "صوت الجنوب".
وكنت قلت في نشرة «تونس نيوز» سابقا، ولأصدقاء آخرين: لو وجدتم جملة واحدة في كتابي فيها إساءة، أو كشف لمعلومة يجب ألا تقال، فأنا جاهز للاعتذار والتصحيح.
وقد كتب الغنوشي مقالات انتقادية كثيرة للحركة الإسلامية المعاصرة بلا ملام أو عتاب. وكتب النهضويون أنفسهم في تقييماتهم الداخلية عن أخطاء الحركة ما لا أقبل بنشره حتى في المنام. اطلبوا منهم تلك التقييمات وانشروها لفائدة الرأي العام، سيعلم أبناء حركة «النهضة»، أنني واحد من أول وأشهر المظلومين في تاريخ هذه الحركة.
بالنسبة لي، وبالرغم من الاستقالة، كانت «النهضة» مرحلة مهمة من حياتي، ولم أنظر لها أو أكتب بروح العداوة. وكنت دائما أعتبر أنصارها أهلي. نعم، قد أنتقد قيادات أراها تسيء لهؤلاء الأنصار وللمبادئ الأساسية الأصلية للحركة. إنما يبقى أنصار «النهضة» أهلي وإخوتي في كل حين. وإنني أرجو أن تساهم أصوات الكثير منهم في الانتخابات المقبلة في تمكين الشعب من تحقيق تطلعاته عبر قيام حكومة «العريضة الشعبية".
ما هي أسباب ما قيل إنّه طرد غير معلن لصالح كركر خاصة أن تسريبات غير مؤكدة تشير إلى طلبه المراجعة الشاملة لأساليب وتوجهات الحركة وضرورة الدفع بالشباب إلى دفة القيادة؟ وهو ما يتوافق حسب نفس التسريبات مع ما طالبتم به، ما الحقيقة في ذلك؟
ليس لدي تفاصيل كثيرة عن هذا الموضوع، فقد جرت أحداثه الحاسمة بعد استقالتي من الحركة. لم تكن علاقتي قوية أو جيدة بالأخ صالح كركر لأنه كان يراني منحازا للشيخ راشد، ولم تكن سياستي المعتدلة والوفاقية تعجبه دائما. في كل الأحوال، أعرف أنه عزل من الحركة قبل مرضه، وقال لي بعض أنصاره إن ذلك ساهم في ما حدث له لاحقا من الناحية الصحية. غير أنني لم أسمع من الطرف الآخر. قد يقول البعض إنه من الناحية الأخلاقية البحتة، من ناحية المروءة، يجب على قيادة النهضة أن تعتني بالرجل مهما كانت ظروفه الصحية وتذكر سابقته في تاريخ الحركة. ابحثوا معي عن أهل المروءة.
لامك إخوة الأمس على تقربك في فترة ما من عائلة الرئيس المخلوع وكانت إجابتك أنك استطعت بذلك إخراج العديد من الإسلاميين من السجن أو عودتهم من المنفى؟ فما صحة ما يقال من كون بعض القيادات الحالية في «النهضة» وافقتك ضمنيا على هذا التمشي ثم انقلبت على موقفها الأول ؟
هل تعرفون ماذا جرى بالضبط؟ في نوفمبر 1997، بعثت رسالة بالفاكس للرئيس السابق. خلاصتها: بعد عشر سنوات من توليكم السلطة، لدي انتقادات حول الوضع الراهن أريد أن أبلغها لكم، وإن لم يتيسر ذلك فسأبلغها عبر وسائل الإعلام. في أفريل 1998، طلب الملحق الإعلامي في السفارة التونسية في لندن زيارتي فاستقبلته في مكتبي. قال لي إنه جاء ليسمع مني ما أريد أن أقوله لرئيس الدولة. رفضت أن أحدثه وقلت له إنني أكره النفخة والحقرة، وسأنشر رأيي في الصحافة. سألته: هل الرئيس اله؟ لماذا لا يستمع لنصائح مواطنيه مباشرة ومن دون وسيط؟
بعد فترة قليلة، أبلغني السفير التونسي أن رسالة وصلت لي من الرئيس بن علي. قابلت السفير فسلمني رسالة مختصرة فيها عبارات تقدير واحترام، ثم أبلغني شفويا أن الرئيس مستعد لاستقبالي في قصر قرطاج بتونس.
قلت له إنني لا أثق في الدعوة الشفوية وأريد دعوة رسمية كتابية للإطمئنان، فاعتذر وقال إنه لا يمكن أن يقول للرئيس إنني لا أثق به. عندئذ أرسلت رسالة مباشرة بهذا المعنى للرئيس السابق عبر الفاكس، فجاءتني رسالة جديدة منه يقول لي فيها إنه يرحب بي في بلدي بلد القانون والمؤسسات.
استشرت كثيرا من الناس من الأصدقاء والحقوقيين. في نهاية المطاف أوصيت عددا منهم بعائلتي خيرا وسافرت إلى تونس. غامرت بحياتي. كان يمكن أن أختفي تماما كما حصل مع بعض الناس. وكان يمكن أن أسجن مع أصدقائي السابقين، لكن الله سلم. وحتى بعد وصولي إلى تونس، قال لي زعيم سياسي كبير موجود في المجلس التأسيسي اليوم، تعشيت معه قبل مقابلة بن علي بيوم، وحدثته عن نواياي. قال لي: «إذا أردت أن تخرج حيا وسالما من قصر قرطاج، فإياك، إياك أن تفاتحه في أمر الإسلاميين». غير أنني لم أعمل بنصيحته، وقررت أن أحدثه في موضوع الإسلاميين.
قابلت بن علي يوم 12 سبتمبر 1998 وتحدثت معه عن منفى الوزير الأول الراحل محمد مزالي، وبعض أنصاره، وعن عدد من الساسة الآخرين، وعن وضع الإعلام، وحرية التدين، ودار أكثر النقاش حول إمكانية الصلح بينه وبين حركة «النهضة». وفي 11 نوفمبر من نفس العام، زرته مرة ثانية و أخيرة و قابلته وفاوضته نحو ساعة كاملة لحثه على اتخاذ مبادرة شجاعة تفتح بابا للصلح والتفاهم مع الإسلاميين، وعدم الانصياع لآراء بعض مستشاريه الذين حذروه من الأفكار التي اقترحتها عليه. قالوا ذلك أمامي في الاجتماع الثاني مع الرئيس السابق.
بعد ذلك، عدت إلى لندن، ولم أزر تونس بعدها قط. ولم أقابله بعد ذلك قط. وكما ترون فليس هناك ما يبرر حديثكم عن التقرب من عائلة الرئيس السابق. هذه كذبة من الأكاذيب الأخرى التي واجهتها في حياتي السياسية.
عندما قلت لبن علي إن الناس يخافون من الذهاب للمساجد لأداء الصلاة، وإن معركته مع حركة «النهضة» لا يجوز أن تكون معركة مع الإسلام، دافع عن نفسه، وقال إنه ليس ضد الصلاة، بدليل أن زوجته تهتم بتعليم بناتها الصلاة مثلما تهتم بواجباتهن الدراسية.
تذكرت هذا الخبر عندما شاركت في برنامج «الاتجاه المعاكس» في مواجهة الشيخ راشد الغنوشي يوم 26 أكتوبر 1999.
كانت علاقتي طيبة بالمديرالأسبق لقناة «الجزيرة» الأخ محمد جاسم العلي. ولما وجدت أن حماسة بن علي للصلح وإطلاق سراح المساجين الإسلاميين تراجعت وخفتت تماما تقريبا، عرضت عليه مناقشة الأمر في حلقة من حلقات «الاتجاه المعاكس» لفرض الأمر على السلطة والرأي العام، فرحب بلا تردد.
علمت الحكومة التونسية بالأمر، فبذلت كل ما في وسعها لوقف بث البرنامج. وقبل الحلقة بيوم جاءني في مكتبي واحد من مستشاري الرئيس السابق، جاء من تونس خصيصا ليطلب مني الانسحاب من البرنامج، وقال إن لديه تأكيدات من حكومة قطر أن البرنامج سيلغى إذا انسحبت منه، وأضاف أن انسحابي خدمة للوطن.
قلت له: إنني أعرف مصلحة الوطن جيدا، وليس هناك ضرر على تونس من البرنامج. وقلت إنه إذا مضى الرئيس في خيار الصلح والإفراج عن المساجين الإسلاميين فسيكون وضعه قويا وليس هناك مبرر للخوف من أي شيء. ومضيت في ما عزمت عليه وشاركت في البرنامج.
قولوا لي وجميع من يقرأ هذا الحوار: لو كان غرضي التقرب من بن علي أو من عائلته، ألم يكن الأولى والأفضل أن أستجيب لطلبه بعدم المشاركة في برنامج «الاتجاه المعاكس»؟ فكروا في الموضوع بالمنطق وبعيدا عن كل عاطفة. إذا قلتم أنتم: نعم ذلك هو الأولى، فعندئذ ستصلون إلى الحقيقة الواضحة، وهي أنني كنت أخوض معركة إعلامية وسياسية جديدة ضد السلطة آنذاك، موظفا ومستفيدا من علاقاتي بمدير قناة الجزيرة، وشهرة برنامج «الاتجاه المعاكس». هذه هي حقيقة الأمر. ونظام بن علي كان يفهم خطتي، وحاول إثنائي عنها بكل وسيلة، ولم ينجح.
عند وصولي إلى مكتب قناة «الجزيرة» في لندن، وصلت رسالة من الرئيس السابق يؤكد فيها أنه ملتزم بوعده بالاهتمام بملف المساجين الإسلاميين. على هذا الأساس، تحدثت في البرنامج، وروجت لخيار الحوار بين حركة «النهضة» والسلطة. وفي محاولة مني لتشجيع التونسيين على التمسك بالصلاة رغم المخاوف الأمنية التي تواجههم، رويت القصة التي حدثني بها الرئيس السابق عن اهتمام زوجته بتعليم بناتها الصلاة. وكان لدي هدف آخر من رواية القصة: كنت أريد أن أحيدها بكلمة طيبة، حتى لا تعترض على المسعى الذي أعمل من أجله والخاص بالإفراج عن المساجين الإسلاميين.
تستطيعون القول إنني ضحيت بعرضي وسمعتي من أجل مساجين مظلومين ومن أجل عائلاتهم. فعلت هذا عن وعي وتصميم، وأنا فخور بما فعلت. ولست نادما عليه أبدا. ربما يكون من أسباب نجاح «العريضة الشعبية» في انتخابات المجلس التأسيسي دعاء أمهات الإسلاميين الذين توسطت للإفراج عنهم. الله تعالى أعلم.
في اليوم التالي، الأربعاء 27 أكتوبر 1999، تحدثت هاتفيا مع الرئيس السابق لمدة 35 دقيقة. تلك كانت آخر مكالمة لي معه لغاية الأسبوع الأخير من حكمه. في تلك المكالمة طالبته بخطوات ملموسة تعزز موقفي أمام الناس. لم أطلب لنفسي مالا ولا منصبا. إنما كنت أطلب الحرية والأمان لإخوتي أنصار وأبناء حركة «النهضة». وبالفعل، وعدني أنه سيفرج عن عدد معتبر من المساجين خلال أيام. قلت له: وأحكام المراقبة الإدارية؟ إنها مثل السجن. قال: سأفعل شيئا بخصوص هذا الموضوع أيضا. قلت: والملف السياسي: قال لي: لا مجال للخلط بين الدين والسياسة. أنا مستعد لأعطي جماعة «النهضة» رخصة حزب وجريدة، أو رخصة جمعية دينية وجريدة.
أبلغت الخبر لإثنين من زملائي في تنظيم الاتجاه الإسلامي بالجامعة سابقا. وطلبت منهم عرضه على قيادة الحركة بأسرع وقت ممكن. لكنهما لم يعودا بأي جواب.
في 5 نوفمبر 1999 أبلغني مستشار للرئيس السابق أن الرئيس قرر الإفراج عمّا يقرب من 700 سجين إسلامي، ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن 4000 سجين سابق. أعطاني إذنا بالإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام. كنت قد وصلت للتو الى الدوحة، فاتصلت بالأخ محمد جاسم العلي، وأخبرته بما جرى، ففرح وتحمس، ورتب لي المشاركة في نشرة «حصاد اليوم»، واستضافني فيها الأخ الزميل جمال ريان. ومن ذلك المنبر نقلت الخبر للناس في تونس وخارجها، وكشفت العرض بوجود فرصة لتسوية سياسية شاملة.
في اليوم التالي، استضافت قناة «الجزيرة» الشيخ راشد الغنوشي فأكد الخبر، لكنه لم يرحب به، وإنما قال إن المساجين خرجوا من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر. وكان ذلك نهاية مسعى التسوية السياسية.
هذه هي قصة زيارتي لبن علي، وهذا سياق ذكري لزوجته. فأين تقربي من عائلة بن علي الذي تحدثت عنه في سؤالك كأنه أمر ثابت لا يقبل الشك؟ إنها أكذوبة روجها الخصوم الكذابون لأسباب سياسية.
وبالمناسبة: منذ يوم 27 أكتوبر 1999 لم أتحدث مع الرئيس السابق أبدا لغاية أسبوع واحد قبل هروبه من البلاد.
وبالمناسبة أيضا، يجب أن تعلموا أنه بعد نحو عامين من تلك المكالمة في 27 أكتوبر 1999 ، طلبت من الرئيس السابق بإلحاح، عبر مستشاريه، إلغاء المنشور 108 الذي يضيق على الحريات الدينية للمرأة التونسية. فلما قيل لي يومها بشكل قاطع، إن سياسة تونس على مدى 13 عاما لن يغيرها محمد الهاشمي الحامدي في ثلاثة أعوام، وأن المنشور لن يلغى، أنهيت علاقة الحوار والهدنة مع النظام السابق، وأطلقت برنامج «المغرب الكبير» الأسبوعي الشهير في قناة المستقلة.
وقد قلت في مناظرات سابقة مع بعض الخصوم إنني زلزلت بهذا البرنامج الجريء أركان النظام. شهدت بذلك كل تيارات المعارضة التونسية وجريدة «لوموند» الفرنسية التي قالت إنني «هزمت بن علي»، وهو أمر معروف ومسلم به في تونس.
أول مرة ظهر فيها منصف المرزوقي في التلفزيون كان في هذا البرنامج، في قناة "المستقلة".
قالت جريدة «ليبراسيون» ذلك العام عن قناة المستقلة إنها «شاشة الحرية». وهاجمني إعلام النظام السابق بعنف وشراسة، واتهمتني صحيفة «لابريس» الرسمية ب «الأصولية»، وقالت في معرض تحريض العالم عليّ إنني «أخطر رجل في العالم». ورفعت الحكومة التونسية عدة قضايا ضدي هنا في لندن.
فانظروا لمن يحاول الكذب بالحديث عن تقرب وهمي من عائلة بن علي مستندا إلى جملة عابرة في برنامج عام 1999 قصدت بها نصرة مظلوم والإصلاح بين الناس. من الضروري أن يعرف الصديق والمبغض السياق الذي ذكرت فيه زوجة الرئيس السابق، وأن برنامج «المغرب الكبير» تلا برنامج الاتجاه المعاكس وأعقبه، ودشن الثورة السياسية والإعلامية على النظام السابق، وأن النظام السابق حاربني عام 2001 حربا شعواء شرسة واعتبرني أخطر رجل في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.