اليوم يختار الناخبون الفرنسيون الرئيس السابع للجمهورية الخامسة ويحسمون بين مرشح اليسار «فرنسوا هولاند» ومرشّح اليمين «نيكولا ساركوزي» بعد حملة انتخابية اتسمت بالحدّة والشراسة بين رئيس متخلي يرنو إلى البقاء في منصبه لمدة 5 سنوات أخرى ويعد «بمفاجأة كبرى اليوم الأحد» وممثّل الحزب الاشتراكي الذي يطمح لتكرار سيناريو «فرنسوا ميتران» سنة 1981 والذي يؤكد أنّه يمثل» أصلا دائرة أوسع من اليسار أي كل الجمهوريين والمتمسّكين بالقيم والمبادئ». وتعرف فرنسا سابع انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر منذ قيام الجمهورية الخامسة على يد «شارل ديغول» سنة 1958الذي لم يتمكّن من إتمام مدّته الرئاسية الثانية حيث استقال سنة 1969 بعد فشله في الاستفتاء الشعبي حول «الإصلاحات الجامعية والاجتماعية والاقتصادية». وإذا كان «ديغول» أوّل رئيس ينسحب بمحض إرادته فإنّ خلفه «جورج بومبيدو» قد توفي سنة 1974 قبل انتهاء مدته الرئاسية ليخلفه «جيسكار ديستان» الذي ترك قصر الايليزي سنة 1981 بعد انهزامه أمام زعيم الحزب الاشتراكي آنذاك «فرنسوا ميتران» الذي قضى أطول فترة في الرئاسة(14 سنة) لما كانت المدة الرئاسية تدوم 7 سنوات قبل التقليص فيها إلى 5 سنوات بداية من 2002 وقد انتهت ولايته سنة 1995بعودة اليمين من خلال «جاك شيراك» الذي امتدت فترة رئاسته إلى سنة 2007 ليسلّم المشعل إلى الرئيس الحالي «نيكولا ساركوزي». وتشير استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز «فرنسوا هولاند» الذي يتمتّع بأسبقية على الرئيس المنتهية ولايته خاصّة بعد تلقي المرشّح الاشتراكي دعما واضحا من طرف كل القوى اليسارية والنقابية وحزب الخضر ومن طرف زعيم الوسط»فرنسوا بايرو» الذي ولئن لم يعط تعليمات لأنصاره فقد أعلنها صراحة بأنه سيصوّت للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند. ومن جهته لم يتمكّن الرئيس المتخلّي من احتواء أقصى اليمين وكسب ودّ زعيمته «مارين لوبان» التي أعلنت أنها «ستصوت بورقة بيضاء فيما دعت مناصريها إلى الاختيار وفق ما تمليه ضمائرهم ومسؤولياتهم». فهل يعني هذا أن الأمر قد حسم لفائدة «هولاند» وأن عودة الاشتراكيين إلى الايليزي باتت من تحصيل الحاصل ? لم يسبق في تاريخ الجمهورية الخامسة أن واجه رئيس تحالف عديد القوى السياسية والنقابية ضدّه والذين يتّهمونه بتقسيم الفرنسيين وبعدم الالتزام بتعهّداته التي قطعها على نفسه خلال حملته الأولى سنة 2007 وقد اتسمت ولايته بتدني نسب النمو والانكماش الاقتصادي وتراجع التنافسية وارتفاع نسب البطالة وتدهور المقدرة الشرائية ويتّهمه خصومه بتقرّبه من الأغنياء الذين قدّم لهم «مجموعة من الهدايا الضريبية» على حساب عامة الشعب. في المقابل يرفع «فرنسوا هولاند» شعار «تجميع الفرنسيين وتوحيدهم» ويطرح برنامجا لتحقيق «العدالة والمساواة» بهدف «منح الشباب مستقبلاً أفضل». فهو يريد أن يكون «رئيس التجمّع. لقد كان الفرنسيون منقسمين ويريد أن يوحّدهم. إنّه معنى التغيير الذي يطرحه». كلّ هذه العوامل وغيرها تقلّل من حظوظ فوز «نيكولا ساركوزي» بولاية ثانية وتفتح أبواب الأمل أمام الاشتراكيين للعودة إلى الرئاسة بعد 17 سنة من الغياب. وبالرغم من أنّ استطلاعات الرأي لم يسبق لها أن أخطأت في التكهّن بالنتيجة النهائية للدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية رغم خطأها الفادح في الدورة الأولى لسنة 2002 لمّا وضعت «جان ماري لوبان» في المرتبة الثالثة بعد مرّشح اليسار «ليونال جوسبان» الذي أزيح من السباق، فإنّ المفاجأة ليست مستبعدة وهو العنصر الذي يلعب عليه «ساركوزي» الذي لم يفقد الأمل في استنهاض «الأغلبية الصامتة» من الممتنعين عن التصويت وناخبي اليمين المتطرف، لان «أمورا بسيطة يمكن أن تحسم الأمور الأحد» كما ردّده في آخر اجتماع عام أمام مناصريه. «فرنسوا الثاني» أو «نيكولا مكرّر» ? هذا ما سيتعرف عليه الفرنسيون في حدود الثامنة مساء بتوقيتهم المحلي. وتعود الذاكرة إلى يوم 10 ماي 1981 على الساعة الثامنة مساء لما ربطت القناة الوطنية التونسية مباشرة مع القناة الفرنسية الثانية ليتعرّف التونسيون تماما مثل الفرنسيين على اسم الفائز بين «جيسكار ديستان» و«فرنسوا ميتران» الذي تقدم على منافسه ب51 بالمائة مقابل 49 بالمائة. الشيء الذي لم يرق للقائمين على التلفزة الوطنية آنذاك فتمّت «معاقبة» مقدّم النشرة الرئيسية آنذاك محمد الحبيب حريز وتعويضه. أردت التذكير بهذا لأنّ إعلامنا الوطني لم يعر الانتخابات الفرنسية قدرا من الاهتمام، تماما مثل طبقتنا السياسية. والحال أن نتيجتها ستكون لها حتما انعكاسات على مستقبل العلاقات الثنائية ومع أوروبا أيضا..