بحثا عن الفردوس المفقود يرمي شبابنا نفسه في البحر.. يهرب من قرش البر إلى قرش البحر وفي جيبه دنانير وثروة من الأحلام.. شباب مل الجلوس في المقاهي.. مل من ذل طلب المصروف.. مل من طرق الأبواب الموصدة.. مل الخطب من اليمين إلى اليسار.. فراغ روحي يعمر قلبه.. في الليل يشاهد التلفاز.. في الليل يسهر افتراضيا في باريس أو في روما وفي الصباح يجد نفسه في «عشة» قصديرية.. تمر أيامه رتيبة.. حزينة.. يضيق العيش والأمل معا كلما تقدمت به السنوات.. وتجول بخاطره أخطر التخمينات.. لكي يهرب من الفقر والبطالة عليه أن يهرب من حضن أمه.. من حضن وطنه الذي ظلمه.. ولكن كيف؟.. عندما يقف على شاطئ قليبية ليلا ويرى تلألؤ أنوار لمبيدوزا يشعر أن الفردوس على مرمى حجر.. ولكن كيف؟.. بسيطة.. هناك متاجرون بأرواح الشبان.. قارب خرب يحمل اللحم الطري إلى الأسماك.. عصابات تتشكل بالليل وتذوب عند الصباح.. مثل الفراشة تغري أضواء الضفة الشمالية شبابنا.. ومثل الفراشة تحترق أجنحتهم.. فيهم من يقضي نحبه وفيهم من يمسك ويودع في مجمعات الخزي العاري.. حتى عندما تحولت هذه الظاهرة إلى مأساة يومية كان الإعلام مدعوا إلى تجاهلها.. غير أن عويل الأمهات الثكالى كان يخترق السماء عندما يأتي الخبر الحزين.. الشباب هم الحل هذا ما كان يتردد ولكن الواقع غير ذلك «الشباب هم المشكلة».. يا خيبة المسعى.. مجازون عاطلون تجاوزت أعمارهم الأربعين.. أيّ وضع هذا.. أي حياة هذه!.. الشغل ليس شهرية فقط الشغل هو إثبات الذات والإحساس بالوجود.. فكيف نلوم المعتصمين ونحن لا نرى النار التي تحرق الشاب من الداخل.. لهذا تستوي عنده الموت بالحياة.. ميت يتنفس.. ومازال الوضع على حاله.. بل زاد طابور العاطلين طولا.. إما يحرق أو يحترق.. وصدق من قال «تونس يا خضراء يا حارقة الأكباد»..