يعتبر دربي العاصمة من أهم المواعيد الرياضية، فمهما كان الاطار ومهما كانت وضعيات الجارين الترجي الرياضي والنادي الافريقي، فإن للموعد العاصمي نكهته الخاصة. فعلى امتداد المواسم الرياضية بقي الدربي علامة مميزة في روزنامة النشاط الكروي التي من شأنها أن تطغى على كل أضواء المدينة وتحتكر اهتمام الكبير والصغير... ولأنه كذلك، لم يكن الاحباء يبخلون بالحضور بحثا عن فرحة مضاعفة يصنعها الانتصار على الجار.. وكثيرا ما ارتبطت الدربيات بحكايات وطرائف تروى بين الأجيال.. فحكاية حسن بعيو مع شباك الترجي وكذلك عبد الجبار مشوش مع العملاق عتوقة لا يمكن ان تمحى من ذاكرة الرياضيين. ولئن شهدت دربيات المواسم الأخيرة نوعا من البرود او الفتور فإنها حولت حرارتها الى الكواليس.. والحديث عن الكواليس يوصلنا الى ملف الانتدابات التي أصبحت تشكل «دربي» ساخنا ومن نوع آخر. لقد أصبحت الصفقات المبرمة من هذا الطرف أو ذاك تحرك السواكن هنا وهناك وتنشط عوامل الشدّ والجذب عبر المزايدات والصراعات والاستعراضات المالية. ولعل ما يحدث هذه الأيام بخصوص اللاعب الجزائري جابو يشكل مثالا حيا عما بلغه التنافس بين الناديين العريقين. ففي الوقت الذي راجت فيه أخبار أولية عن حصول شبه اتفاق بين الترجي وهذا اللاعب فوجئ الرأي العام بخبر يؤكد امضاء جابو لعقد مبدئي مع الافريقي، وفي الأثناء لم يستسلم الجار وعاد باللاعب الى الديار.. (كتبت هذا قبل أن يعرف مصير هذه الصفقة)... ومهما تكن نهاية هذا المسلسل، فإن للدربي وجها آخر لا يقل حرارة وإثارة وهو المتعلق بالقيمة المالية للصفقة.. فما يروج حول هذه النقطة يشبه الخيال بعد ان دخل الملياردير سليم الرياحي على الخط ووضع ثقله في الميزان.. ولئن لا نعرف حدّ الساعة ردّ فعل رئيس الترجي حمدي المدب أو قيمة العرض المضاد، فإن المباراة تبدو ساخنة ولا ندري هل تحسم بالأورو أم بالدولار ولفائدة أي جار. ولكن الأهم من فوز هذا النادي أو ذاك بخدمات جابو يكمن في السؤال الأكبر والأخطر: الى أين سيذهب مبلغ الصفقة وبأي عملة؟ طبعا سيذهب الى خارج الخزائن المحلية وبالعملة الصعبة، وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد في هذه المرحلة الانتقالية.. هل يعقل أن نهدر العملة الصعبة بهذه السهولة للاستثمار في مجال غير مجد ولا يعتبر من أوليات خياراتنا التي تتطلب حسن التصرف في مخزوننا من العملات الصعبة وتخصيصها لتلبية الحاجات الملحة والحيوية لمختلف القطاعات وإذا ما أصرّ أي طرف على موقفه فليدفع ذلك من رصيده من العملة في الخارج.. ولا أعتقد أن جلب اللاعبين بآلاف المليارات يدخل في باب الخيارات الاستراتيجية للبلاد.. دربي ساخن فعلا.. إدارته موكولة الى الحكم محافظ البنك المركزي وذلك خلافا لكل الدربيات السابقة.. ..وغدا ألاقيكم وأشدّ على أياديكم..