لا اختلاف في أن من أبرز مقومات المجتمعات الديمقراطية قاعدة التداول على السلطة ، وهو ما يقتضي بصورة حتمية وجود معارضة سياسية تقابل من في السلطة حزبا أو ائتلافا ، وكلما كانت المعارضة قوية وجدية اكتسبت فاعليتها في ضبط السياسة بوجه عام في إطار يبعدها عن الانحراف عن المشتركات الوطنية من الثوابت والأهداف . والمعارضة الفاعلة بهذا المعنى هي صمام الأمان الحقيقي لسيادة القانون ولبلوغ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية . ويحق لنا التساؤل في هذا الظرف وبالخصوص بعد ما يزيد عن ستة اشهر من مسك الترويكا في تونس زمام الحكم ، عن أداء المعارضة ، أكان إيجابيا أم سلبيا ، واعيا أم اعتباطيا ، ممنهجًا أم انفعاليا ، انتهاءً لمحاولة تلمس الدور الذي كان من المفترض أن تؤديه في مرحلة تمركزها في ملعب المعارضة حتى يسود الإطمئنان على أدائها إن صارت في الحكم ، وحتى نصل الى إتقان قواعد اللعبة الديمقراطية . يكشف الطيف السياسي للمعارضة عن توزعها بين اليمين واليسار ، إذ يمكن حصر مكوناتها في العائلة الليبرالية وتشمل خصوصا بقايا النظام البائد ومن يسمون أنفسهم « الدستوريون « ، وفي العائلة القومية وتشمل الناصريين والبعثيين خصوصا ، وفي العائلة اليسارية وتشمل مختلف المدارس الايديولوجية المنبثقة عن الماركسية ، كاللينيين والتروتسكيين والماويين الخ ...يضاف اليهم كلهم طائفة معتبرة من المستقلين ممن يرفضون فكرة الالتزام الحزبي أو يعتبرون التوقيت غير مناسب للانتماء الحزبي . ولا يمكن ترتيب الاتحاد العام التونسي للشغل في خانة المعارضة لأنه لم يكن حزبا بل هو منظمة شعبية ، وبهذا يتمسك قادته ، ولأنه من جهة أخرى كالدولة تَتسابق على احتلال المواقع فيه جميع الأطياف والأحزاب السياسية . ويؤدي تقييمنا لأداء المعارضة قبل انتخابات المجلس التأسيسي وبعده الى تقرير رسوبها الى حد الآن في الاختبار ، ويعود هذا الفشل الى عدم إدراكها لدورها الحقيقي في اللحظة الراهنة وفي المستقبل ، وهو ما يوسِّع دائرة الخوف لدى العالمين بالشأن السياسي ، من انحصار ميدان الفعل السياسي الديمقراطي الى أضيق مدى له ، ما يؤثر بالضرورة في واقع الحريات والحقوق ، فظنّ الكثير من الساسة أن المعارضة تكمن في أن نقول دوما « لا « للحاكم ظن خائب دون أدنى شكّ ، والحقيقة بعيدة عن ذلك كلّ البعد ، فإن كانت «لا « تنفع في زمن الأنظمة المستبدّة والفاسدة ، فإنها ليست كذلك دائما في الأنظمة الديمقراطية أو التي تعيش انتقالا ديمقراطيا كحال الوضع الراهن في تونس . إن أية معارضة ، ولتتمكن من احتلال مكانتها في ملعب السلطة ، عليها أن تتخلى في الوقت الراهن عن شعار «لا « و« ضدّ « وعن أسلوب تحقير عمل من في السلطة وانتقاده من باب اعتقاد أن في ذلك تكمن المنافع وتُجنى الفوائد والثمار ، لأن عملها تحت هاتين اليافطتين يقوّي أحزاب الترويكا وخصوصا حركة النهضة، ويضعفها هي إلى درجة تفقد معها القدرة حتى على البقاء في خانة المعارضة ، فيحصل ما يهدد مسار الانتقال الديمقراطي ألا وهو تغوّل من في السلطة واستبدادهم بها وبمعنى آخر فشل الوصول إلى تحقيق أهداف الثورة حتى رغم أنف من في السلطة إن كانوا في ذلك يرغبون ، لأن نواياهم لا تكفي ، إذ يتطلب الأمر شروطا موضوعية تصاحب النوايا والإرادات إن المعارضة ولا يشمل ندائي أنا التونسي الغيور على تونس إلاّ الوطنيين منهم مدعوة أولاً لمشاركة الترويكا الحاكمة في امتطاء المركب الذي يحملنا سويا إلى شاطئ العمل الديمقراطي الحقيقي ، والتخلي عن فكرة خرق هذا المركب أو إعطاب محرّكه لأن ذلك يعني الغرق بالنسبة للجميع ، دون أن يُفهم من ذلك الدعوة الى التخلي عن رقابة عمل أجهزة الدولة ونقدها نقدا بناءً لا هدّامًا يمكّن على الأقل من الاستفادة مما سيتحقق من مكاسب في الواقع ، وهي مدعوة ثانيا إلى التفكير في إكمال تكوين الشخصية الذاتية لكل مكون من مكوناتها . على كلّ حزب أوحركة معارضة أن تبدأ من اليوم بترتيب بيتها الداخلي وبناء أسوار له وجعل حراس عليه وتسطير البرامج والمخططات وبث رسائل طمأنة للشعب عبر الاقتراب منه وتفهُّمِ قضاياه بدل اختلاق قضايا وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولا تحفظ كرامة ، ولا تقضي على فساد لم يترك شاردة ولا واردة إلا ونخرها . ألم يحن الوقت لكل عائلة من عائلات المعارضة أن تهتم أكثر بما يصبوإليه الشعب والاقتراب من قضاياه ومن فئاته ومن جهاته؟؟ التشبث بتلابيب النهضة لا ينفع ، والتقاط فتات زلات الترويكا لا يسدّ الرمق ، فذلك للمعارضة وللمصلحة العامة كالزّبد يذهب جفاءً ، وأمّا ما ينفع المعارضة والشعب ومن في السلطة فيكمن فيما يُفتَرض