هل صحيح أنّ السلطة الحالية لا تقبل رأي المعارضة ونقدها؟ وأيّ دور مطلوب من المعارضة اليوم؟ وهل يمكن بناء ديمقراطية دون الإستماع إلى المعارضة؟ ما هي تحفظات المعارضة على الأداء الحكومي وهل تعارض توجها سياسيا أم نموذجا مجتمعيّا؟. نظريّا، في الوضع السياسي الحالي والّذي هو وضع ثوري قامت فيه الثورة على نظام يتفق الجميع على أنّه كان دكتاتوريا وكان أحاديا مستبدا، من المفروض أن يشهد هذا الوضع بوادر لتجسيد لبنات المسار الديمقراطي حيث يكون التعايش والمشاركة والقبول بالرأي والرأي المخالف وقبول مختلف أطراف العملية السياسيّة في السلطة والمعارضة النقد، كما أنّه وضع يفترض وجود الرأي الحر وأن يكون التعبير عنه متاحا للجميع دون استثناء أو إقصاء وأن يُمارس هذا الحق بصفة حضاريّة وأن يكون له موجودا على الساحة العامة وفي الإعلام في إطار القانون. لكن يبدو أنّ بعض المظاهر التي يعيشها الوضع السياسي والتي تحكم اليوم العلاقة بين السلطة والمعارضة تقول بعكس ذلك ، من حيث الحديث المتواتر عن الحد من حريّة التعبير ووضعها في خانة قراءة النوايا ومحاكمتها أو الأحكام المسبقة ومن حيث كذلك الاتهامات والاتهامات المتبادلة. تعكس الوقائع إذن أنّ هناك فرقا شاسعا بين الاقتناع أو المناداة بهذه الحرية والتطبيق وليس أدلّ على ذلك من العنف الّذي أصبحنا نشاهده حتى في وسائل إعلامنا العموميّة فضلا عما نسمعه ونراه من تصريحات لأعضاء في السلطة أو في المعارضة، أصبحت هذه السلوكات أو تكاد مظهرا عاديا وهذا أمر خطير. تساؤلات كثيرة عن أداء المعارضة وأهدافها وقدرتها على تصويب الوضع وتصحيح ما تراه خاطئا، والتساؤلات تُطرح أيضا حول أداء الفريق الحاكم وعلاقته بالمعارضة ومدى سعة صدره لتقبّل النقد وملاحظات مكوّن أساسي من مكونات المشهد السياسي الديمقراطي، أي المعارضة. ومن الطبيعي أن يلتفت المتابع للحكومة إلى إئتلاف أحزاب (الترويكا): فهل هذه «الترويكا» يضيق صدرها فعلا بالنقد والانتقاد الّذي هو حق لمن لا ينافسها نفوذ الحكم والسلطة ؟. تونس التي تعيش في مرحلة انتقالية ثانية ، وعلى الرغم من أنّه ليس غريبا أن تشهد بعض التوتّر والتشنّج وأن تظهر كذلك بعض المخاوف والتحذيرات نتيجة ضغط الوقت وكثافة التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ولكن واقع الحال يطرح كمّا هائلا من الأسئلة: هل أنّ «ضيق الصدر» هل هو ثقافة أم هو نتيجة لاستبداد سياسي عرفته البلاد لأكثر من 50 سنة ؟ أم أنّ «ضيق الصدر» منطقي نتيجة الضغط فالكل يُجري حساباته وتكتيكاته مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستؤدّي إلى مرحلة الحكم الدائم وتنفيذ البرامج قصيرة وطويلة المدى؟ من المؤكد أنّ تونس تحتاج اليوم إلى الكثير من التعقّل، ولكن هناك شعور بأنّ القاعدة التي اتّفق عليها الجميع والتي مفادها أن تعيش البلاد ديمقراطية حقيقيّة: لماذا هذه الفسحة «الديمقراطيّة» وكأنّها بدأت تضيق مع اتجاه الفعل السياسي الحاكم والمعارض إلى الانتقادات المشخصة بل وحتّى إلى التهديد ؟ فهل يحدث «التعقّل» وهل يمتلك الجانبان «حكمة» سعة الصدر والقبول بالآخر المخالف والأخذ بالنقد؟...الشروق فتحت الملف.