من منطلق إيماني الراسخ بأن الفلاحة المواكبة للعصر هي سبيلنا الآمن والأقرب إلى ازدهار البلاد وقطع حبل التبعية لما وراء البحار وتحقيق أمننا الغذائي، أستطيع بحكم تجارب الحياة ومعرفة أركان المشهد العام في البلاد وثراء خبرة العمر بعقوده الثمانية أن أشدد على أن تونس كبلد فلاحي بالأساس قاد رة بفضل الله رغم مناخها الصعب على تحقيق اكتفائها الغذائي إذ لها الكثير من مقومات الإنتاج النباتي والحيواني والكفاءات المتخصصة والموارد وغيرها من ضرورات إعطاء الفلاحة شتى أوجه الدفع على مختلف الواجهات. وأبرزها في اعتقادي الحط من وطأة معضلة البطالة وزحف مئات الآلاف من طالبي الشغل في حين أن الهكتار المرويّ الواحد يوفر كامل دورة استغلاله لإنتاج محاصيله من الزرع إلى شتى أنواع التحويل والتسويق نحو 6 فرص عمل مباشر وغير مباشر وعلى أساس أن المناطق السقوية المستغلة بصورة فعلية تمسح حاليا حوالي 250 ألف هكتار من جملة 350 ألف هكتار مهيأة في البلاد فإن القطاع السقوي يمكن أن يشغّل زهاء مليون و500 ألف نفر دون اعتبار ما توفره بقية القطاعات الفلاحية ولذا يمكن القول أن القطاع السقوي إذا ما حذقنا صونه من الاخلالات له دور على غاية من الأهمية وبالتالي فعلينا حسن التعامل مع ملف المياه ذات الصلة المباشرة بتقلبات المناخ وإحكام مراوغتها بالوسائل والسبل المطلوبة ومنها بالخصوص على وجه المثال الوسائل التالية وهي في جملتها من أهم موجبات إقلاع الفلاحة وازدهار البلاد: - حماية المناطق السقوية من ظاهرة التبخر المائي وذلك بواسطة إحداث مصدات الرياح بأسيحة من شجر «السرول» الأسترالي للتقليل من حاجة المزروعات إلى الماء بنسبة 30 في المائة. - استغلال مياه رشح السدود المنسابة في الأودية نحو البحر وحجمها يعادل 15 بالمائة من كمية مخزون السدود وحجمه المعلن عنه رسميا ربع مليار م3 أي نكون بذلك قد وظفنا فقدان الماء بنحو 550 مليون م3 سنويا وإقحامه في دورة إنتاج البلاد. - تنشيط عمليات تغذية المائدة وترويتها بمعدات وأساليب مستنبطة حديثة لاستغلال مياه الأودية والسيول المناسبة والمتسببة في انجراف تربة الأرض واتلاف 10 آلاف هكتار سنويا من الأراضي الخصبة. - إثراء قائمة محاصيلنا بزراعات جديدة مثل زرع «الكلزاء» العلفية وشجرة «اللافوكاتي». - حاجة قطيع الماشية في تونس تقدر ب4 الاف و500 مليون وحدة علفية سنويا وللتخفيف من وزر هذا الضغط على اقتصادنا بسبب توريد الأعلاف، وجب التذكير للمرة المائة بمشروع إحداث غابة «خروب» تضم 10 ملايين شجرة تثمر في سنتها السابعة لمنافعها الجمة الأخرى. لا أمل عندي في جدوى هذه المشاريع دون اهتمام جدي وفاعل بتحسين وضع الحياة في فضائنا الريفي من حيث المسكن اللائق والنقل الآمن وماء الشرب والتعليم والصحة بالخصوص.