يكتبها: منير بو رمضان هناك مؤشرات على أن الفاعلين الرئيسيين، في المشهد السياسي الوطني، يريدون استباق حصول مقدمات «أزمة سياسية»، على خلفية تمسك البعض في المعارضة بمقولة انتهاء «الشرعية الانتخابية» في 23 أكتوبر القادم. وذلك من خلال الإعلان عن مبادرة سياسية، يقودها كل من «الحزب الجمهوري» و«المسار الاجتماعي»، وتتمثل في تحديد نهائي وملزم لكل الأطراف في السلطة والمعارضة لخارطة طريق انتخابية. تبدأ بالشروع في تهيئة البيئة الانتخابية، والمتمثلة بالخصوص في تفعيل اللجنة المستقلة التي ستشرف على الانتخابات، وإعداد القانون الانتخابي الذي في إطاره ستنجز العملية الانتخابية. إضافة طبعا إلى تسريع نسق انجاز الدستور، وحصول توافقات وتنازلات حول المسائل الخلافية وخاصة شكل النظام السياسي. ورغم أن المبادرة من حيث المضمون جاءت لتؤكد على مطالب قديمة /جديدة، فإنها من حيث الشكل ترتقي إلى مرتبة «الحدث السياسي»، وتعبر عن بداية «عودة الرشد» للساحة السياسية. التي تميزت بتصاعد التجاذب السياسي والإيديولوجي، والترويج لثنائية قطبية تعيد إنتاج وضع سياسي سابق أدى بالبلاد إلى «الهاوية»، من خلال الحديث عن قوتين أساسيتين، هما التيار الإسلامي ممثلا أساسا في حركة «النهضة»، والتيار الدستوري ممثلا أو بزعامة «حزب نداء تونس». بما يعني ذلك من تهميش مقصود لبقية مكونات الخارطة الحزبية، وإحياء لصراع لا يستجيب لاستحقاقات الثورة، ولا إلى استحقاقات الانتقال الديمقراطي، من خلال افتعال «معركة وهمية» على قاعدة «الإيمان»، وبالتالي تحويل المقدس/المشترك إلى مجال للتنازع والتصارع، وخلق بيئة للصراع بين «إسلام حركي/إخواني» و»إسلام حداثي/بورقيبي». وتمثل مطالب المبادرة، إحياء لأسس الانتقال الديمقراطي التي تعاقد عليها التونسيون بعد الثورة، والتي سمحت بوجود انتقال سياسي سلس في السلطة، جنب البلاد مخاطر الهزات والفتنة، التي عادة ما تميز فترات الانتقال التي تأتي بعد الثورات والانتفاضات. وتعني –المبادرة- عودة لتحريك الحقل السياسي، على أساس خارطة طريق سياسية وواقعية بعيدا عن «عنتريات» و «أوهام» من يحكم ومن يعارض. كما أن ما يحسب لدعاة هذه «المبادرة» كونها تتمثل في تفعيل «الحوار» الذي افتقدته الحياة السياسية خلال الفترة الأخيرة، من أجل الوصول إلى كلمة سواء بين كل القوى الوطنية. ويعد الحضور والمشاركة في هذه المبادرة بمثابة «فرض كفاية» على حد تعبير الفقهاء، أي لا يمكن لأي طرف أن يتملص من المشاركة وإبداء الرأي. وتكمن أهمية المبادرة في طبيعة الظرف أو الإطار العام الذي تتنزل فيه، والذي وصفه القيادي في «الحزب الجمهوري» عصام الشابي بأنه يستدعي «الوفاق»، عندما قال ان : «عدم التوصل الى توافق بين جميع الأطراف السياسية سيدفع بالبلاد الى المجهول ويعتبر تملصا من المسؤولية أمام واجب حماية البلاد من أزمة هي في غني عنها». وبهذا الخطاب الذي نجد فيه «إحياء» للتراث النضالي والسياسي ل «الحزب الديمقراطي التقدمي» الذي قاد تحركات المعارضة في زمن بن علي، وخاصة حركة 18 أكتوبر التي مثلت أبرز حركة احتجاجية في العهد البائد، وخاصة من حيث كونها مثلت التقاء جبهويا ضم كل الحساسيات السياسية والإيديولوجية – بما فيها الإسلاميين- لمواجهة الدكتاتورية. ودون استباق الأحداث والتنبؤ بآفاق هذه المبادرة، فإنه وكما وصفها عصام الشابي من شأنها أن تبعث ب«رسالة أمل قوية للشعب التونسي»، الذي بدأنا نلاحظ أنه بدأ يفقد الثقة والأمل في الأحزاب، ممّا جعل العديد من الباحثين، يلمحون إلى إمكانية حصول مقاطعة واسعة للانتخابات القادمة. ولعل نجاح المبادرة يبقى رهين تعالي الجميع عن الحسابات الحزبية والفئوية، والانطلاق من قراءة واقعية لما يجري في رحم المجتمع من حراك، فيه عناصر تبعث على الخوف والمتمثلة في تصاعد بعض مظاهر العنف، وتهديد بتكوين «أمن مواز» لحماية التظاهرات والأنشطة السياسية والثقافية. ولعل الحوار الحقيقي لا يقوم إلا على مبدإ المصارحة، خاصة بين الحكومة والمعارضة، وتجاوز آليات العمل التي طبعت الممارسة السياسية وخاصة العلاقة بين الطرفين. فلا يمكن الاستمرار اليوم وفق منطق ثنائية «المعارضة» و»السلطة»، ويجب أن يحل «الوفاق» محل «الشرعية» القائمة على «الأغلبية» و«الأقلية». فالمشهد السياسي بعد 23 أكتوبر، لا يمكن أن يعيد إنتاج الممارسات والخطابات التي كانت سائدة قبله. وتبقي الحلول والسيناريوهات القادمة كلها ممكنة. خاصة أن «السياسة هي فن الممكن» بامتياز.