«ليست لي أي أغراض سياسية ولا أريد تعويضات.. فقط أريد إماطة اللثام عن حقيقة ظلت غائبة أو مغيبة منذ 1963 ودفعنا ثمنها باهظا جدا هكذا استهل السيد زهير السميري حديثه ل« للتونسية. وزهير السميري أو العيادي هو نجل المناضل حسن العيادي الذي كان من الشخصيات الوطنية التي ناضلت ضدّ الاستعمار الفرنسي في صفوف «الفلاقة» قبل أن يلتحق في مرحلة لاحقة بالحزب الحر الدستوري الجديد ويصبح من المقربين للرئيس الحبيب بورقيبة وهو ما جعله عرضة لمؤامرات سياسية انتهت به في السجن والتعذيب والاغتيال بعد أن وجهت له تهمة التآمر على أمن الدولة وحمّل مسؤولية تعذيب اليوسفيين في «صباط الظلام» ليتحول هذا الصباط إلى لعنة جعلت من حيثيات محاكمته وإعدامه لغزا إلى حد الساعة باعتبار أن العائلة لم تتمكن إلى اليوم من استعادة رفاته ولا حتى التعرف على مكان دفنه.. نجل الشيخ العيادي الذي ينطق بلسان أخواته الستة يدعو عبر «التونسية» السلطات المعنية والرئاسات الثلاث إلى مساعدته على الكشف عن مكان رفاة والده، وتبيان حقيقة ما تعرض له من تعذيب وتنكيل، ورد اعتباره متوجها بهذه الرسالة بالخصوص إلى السيد الباجي قائد السبسي الذي كان خلال تلك الفترة مديرا للأمن حتى يستطيع رفع المظلمة التي تعرض إليها والده وعائلته مشددا على أنه لا يريد إلا معرفة الحقيقة والإنصاف ثم المصالحة حتى وإن كان والده مخطئا ( رغم أن كل الدلائل وتقاطع الشهادات التاريخية وبعض الوثائق المستخرجة من الأرشيف الفرنسي حسب محدثنا تؤكد وجود مؤامرة مدبرة ضد الشيخ العيادي). زهير السميري الذي أكد أنه لا يرغب في القيام بأي تتبع عدلي ضدّ أيّ طرف قد يكون مورطا في تعذيب أو إعدام والده قال إن اللجنة العسكرية بوزارة الدفاع التي أخذت على عاتقها مهمة الكشف عن مكان رفاة والده، على غرار ما حصل لعائلات الذين أعدموا في قضية مؤامرة الانقلاب سنة 1962، أبلغته مؤخرا بعدم توصلها لمعلومات تدل عن مكان رفاة والده. نجل العيادي أشار أيضا إلى أن كل ما عثر عليه هو ملف يتضمن فقط وثيقة الحكم بالإعدام، بتاريخ 16 ماي 1963 وشهادة طبية تفيد بوفاة المعني بالأمر، وشهادة رفض العفو من قبل رئيس الجمهورية آنذاك الحبيب بورقيبة وهو ما يؤكد أن الكثير من الشكوك تحوم حول هذا الإعدام خاصة أن والده لم تقع محاكمته على غرار الذين أعدموا في قضية انقلاب 1962 أو ما يسمى بمجموعة الأزهر الشرايطي الذين كانت ملفات إعدامهم تتضمن شهادات تنفيذ حكم الإعدام ومكان وساعة الدفن. رحلة طويلة مع العذاب زهير السميري الذي روى تفاصيل طفولته المؤلمة بعد أن عجزت والدته عن اعالة إخوته الستة وتحولوا إلى ملجإ الأيتام «آس أو آس» قمرت، وتم تغيير لقبهم العائلي من العيادي إلى السميري (نسبة إلى بوسمير الموطن الأصلي للعائلة) طمسا لكل أثر للشيخ العيادي ، سرد أيضا تفاصيل حياة والده الذي بدأ رحلة نضاله ضدّ الاستعمار الفرنسي من منطقة بوسمير ليقوم باغتيال «الكولونال لابايون»، مدير الجيش الفرنسي بتونس ومدير فرقة اليد الحمراء في الجيش الفرنسي، لينزل سنة 1952 إلى العاصمة أين طرق باب الديوان السّياسي للحزب الحر الدستوري طالبا الالتحاق بالعمل في صفوف المقاومة . غير أن رفض الديوان مساعدة العيادي في تلك الفترة بحجة أن الحزب لا يمكن أن يساعده في التّشويش على الاستعمار، جعل حسن العيادي يقرر الالتحاق ب«الفلاقة» بجبل برقو أين قابل «السرجان» عبد الرّحيم الذي كان يعمل كجندي في قصر الباي والذي وفّر له مأوى وعرّفه على حمّادي المستيري طبّاخ الباي والذي عرّفه بدوره فيما بعد على سعيدة ساسي ابنة أخت بورقيبة التي ساعدته في تشكيل حركة لمقاومة الاستعمار، حينها بدأ حسن العيادي القيام بمجموعة من العمليات ضدّ الجيش الفرنسي، من ذلك اغتيال الصّافي وهو جاسوس جزائري كان يعمل مع الجيش الفرنسي،كما كوّن مجموعة «الفلّاقة» وقام بعمليات في قعفور سنة 1954 وتفجير سيارات للجيش الفرنسي بالسبيخة في 19 أكتوبر 1954 وخاض عدّة معارك مثل معركة الوسلاتية، ومعركة جبل برقو التي تواصلت فيها المواجهات ثمانية أيّام دون توقّف والتي أطلق عليها بورقيبة اسم المعركة الأخيرة قبل الحصول على الاستقلال. المؤامرة المؤامرة التي حكيت ضد الشيخ حسن العيادي حسب ما رواه ابنه والتي أدت إلى إعدامه بعد 4 أشهر من إيقافه في ظروف غامضة بدأت بعد أن حاز هذا الأخير ثقة بورقيبة وهو ما لم يرق لبعض أعضاء الديوان السياسي للحزب وتحديدا المنجي سليم والهادي نويرة وأحمد المستيري الّذين كانوا جميعا ضدّ انضمامه للحزب (حسب أقواله) مما جعل المختار عطية يقطع التمويل عن «الفلاقة» الذين يقاتلون مع حسن العيادي في جبل برقو. وأكّد ابن حسن العيادي أنّ مختار عطيّة حاول قتل العيادي مرّتين وكان وراء الوشاية للجيش الفرنسي به وبمحمد اليعقوبي اللذين نفّذا عمليّة اغتيال الكولونيل «لابايون»، فقامت القوّات الفرنسية بمحاصرة المنزل الذي كانا يختبئان فيه ونشبت بينهم مواجهة طويلة ظلّت دائرة لخمس ساعات حتى قُتل اليعقوبي واُعتقل حسن العيادي، حسب وثائق السلطات الفرنسية في الأرشيف الوطني الفرنسي،وفي مارس 1955 تدخّل بورقيبة لطلب العفو عنه وإطلاق سراحه في أكتوبر55 مع بداية انطلاق الفتنة اليوسفية. وحول تورط الشيخ حسن العيادي في تعذيب اليوسفيين في «صباط الظلام» أوضح صاحب الشهادة أنّه في الفترة اليوسفيّة كانت هناك الأمانة العامة، وهي تابعة لصالح بن يوسف، ورجال الرّعاية التي كوّنها بورقيبة وترأّسها أحمد التليلي والطّيّب المهيري وعبد الله فرحات والطّيّب السحباني الذين كوّنوا شعبة الدّويرات، والّتي وثّقها الأرشيف الوطني الفرنسي، والّتي أكّد فيها أنّ الأسماء المذكورة سابقا هي التي أشرفت على تعذيب اليوسفيين في تلك الفترة مشيرا في هذا الصدد إلى أن صباط الظلام وهو المكان الذي خصص للتحقيق مع اليوسيفيين قرب قبر الزعيم فرحات حشاد لم يدم سوى أربعة أشهر قبل أن يتمّ إغلاقه، ولكنّ كلّ الجرائم التي ارتكبت في شعبة الدويرات نسبت إلى «صباط الظلام» وحسن العيادي رغم أن المؤرخين لم يذكروا شخصا واحدا مات تحت التعذيب في «الصباط». أما عن علاقة حسن العيادي بمحاولة انقلاب 1962 فيقول نجله مستشهدا بكل الوثائق اللّازمة أنه قُبض على العيادي بعد أن أخبر «بوطبّة» والده أن هناك تحضيرا للانقلاب وأنّ عليه تحذير بورقيبة من ذلك، وأضاف أن قدّور بن شريّط نفسه قال في حوار صحفي أن الطيب المهيري كان شريكا في مؤامرة الانقلاب وأن هذا الأخير كان يخشى أن يدلي والدي بما يعرفه عن حقيقة مشاركته في انقلاب 1962، لذلك أرسل إليه محجوب بن علي طالبا لقاءه وهي حيلة لاستدراجه حيث قُبض عليه وسُجن في القرجاني وتعرّض هناك إلى التعذيب،وحمّلوه تهمة قتل كل من عُذّب في «الدويرات «وطلبوا من القروي الشابي وأحمد التلّيسي الإمضاء على أنّه عذّبهم في «صبّاط الظلام»،غير أنّهم رفضوا شهادة الزّور فمات حسين العيادي ودفنت معه أسرار المورطين في هذا الانقلاب (في إشارة إلى الطيب المهيري). العيادي ختم قائلا إن شخصين فقط يمتلكان حقيقة ما حصل في «صباط الظلام» وملابسات موت والده هما إدريس قيقة الذي كان مدير أمن من 1956 إلى 1962 والباجي قائد السبسي الذي تولى تلك المهام من جانفي 1963 إلى 1965 داعيا إلى إعادة فتح هذه الملفات وكتابة تاريخ الحركة الوطنية بعيدا عن كل الحسابات السياسية والمغالطات التاريخية. هذا وينتظر أن يعرض قريبا في المجلس التأسيسي شريط وثائقي حول شخصية حسن العيادي من إخراج منجي الفرحاني وإنجاز قناة الزيتونة.