بقلم: عبد الوهاب الهاني (رئيس حزب المجد) مائة يوم انقضت اليوم بالتمام والكمال بعد استقالة الوزير السابق للمالية الأخ «حسين الديماسي» يوم 27 جوان 2012، وقضينا موسم الصيف، ثم العودة المدرسية والجامعية والاجتماعية والسياسية، ثم جاء الخريف واستقر به المقام، وقارب الشتاء على الدخول، وبدأ الإعداد للميزانية العامة للدولة لسنة 2013 ونحن بدون وزير للمالية (..)، بتعلة أن صاحب حصة « حقيبة المالية» (..) في الائتلاف الثلاثي الترويكي الحاكم لم يتوفق إلى تقديم مرشح (..) والبلاد تعج بالطاقات والكفاءات السياسية والتكنقراطية والأخلاقية القادرة على تحمل أعباء المسؤولية. ثم جاءت التبريرات غير المقنعة، ككل التبريرات، من قبيل المقارنة غير الموفقة مع النيابة الطويلة نسبيا التي تحمَّلها كاتب الدولة الفرنسي للداخلية «جون جاك كيران» (Jean-Jack Queyranne) الذي عوَّض مؤقتا «بالنيابة» وزيرهُ للداخلية «جون بيار شوفانمون» (Jean-Pierre Chevènement) بعد الأزمة الصحية التي ألزمت الأخير فراش المرض من 3 سبتمبر إلى 30 ديسمبر 1998 (غِيَاب إِجْمَالِي بِأَقَل من 4 أَشْهُر)، في ظل أطْوَلِ حكومة دامت مدَّتُها خمسة (5) سنوات وهي حكومة الوزير الأول الاشتراكي «ليونيل جوسبان» (Lionel Jospin) ورئاسة اليميني «جاك شيراك» (Jacques Chirac)، حفاظا على التوازنات وعلى الأمل في عودة أحد أقطاب الإئتلاف اليساري الحاكم آنذاك في فرنسا في شخص الزعيم الاشتراكي المنشق شوفانمون Chevènement رئيس «حركة المواطنين» (Mouvement des citoyens). فلا مجال للمُقَارَنَةِ أَصْلاً، حيث أنه في قضية الحال لا أمل في عودة وزيرنا المستقيل لأنه استقالَ وأكَّدَ مُشَدِّدًا أنَّهُ لَنْ يَعُود. وبالعودة إلى ضرورة أن يُعْلِمَ الوزيرُ بمَرَضِهِ وبأَيِّ عَجْزٍ أَوْ شُغُورٍ مُؤَقَّتٍ أو تَامٍّ، فقد اكتشف الرأي العام بكل ذهول تَغَيُّبَ وزير التجارة عن أهمّ مجلس وزراء في وَلايَتِهِ والمتعلق بزيادة 10ّ بالمائة في سعر الحليب والاعلان عن القرار ليلة عيد الإضحى المُبارك، وسَبَبُ الغِيَابِ خُلُودُ الوزير للراحة بسبب مَرَض أَلَمَّ به (..) شفاه الله، حسبَ ما صرَّحَ به الناطق الرسمي باسم وزارة التجارة. كما شَمِلَ غِيَابُ الوزير الفترةَ الحساسةَ التي تكفَّلَت فيها وزارتُه مع وزارات ومصالحَ أُخرى عمومية وخاصة (..) بِتَوْرِيدِ مِائَةِ أَلْفِ رَأْسِ ضَأْنٍ مِنَ الخِرْفَانِ الغَجَرِيَّةِ من دولة رُومَانِيَا للضَّغطِ على أسعار الخرفان وتعديل السُّوق المحلِّيَّة تَيْسِيرًا على التونسيين في أضاحيهم. كل ذلك جميل والأجمل منه حُضُور الوزير لطمأنة المُسْتَهْلِكِين وليس «الوَكَّالَة» (..) كما يَحْلُو لأحد الوزراء تسميتُهُم. ثمَّ كان من الأجدى أن تُفَكِّرَ رِئَاسَةُ الحُكُومَةِ في تَكْلِيفِ أَحَدِ أعضاء الحكومة بنيابة زميلهم المريض والعاجز مؤقتا عن إدارة شؤون وزارته، وبالأخص إعلام الرَّأي العام في كَنَفِ الشفافية عن أسباب ومدة التعويض بالنيابة وشخص وهويَّة «الوزير بالنِّيَابة». تلكَ هي الشَّفَافِيَّةُ التي نَنْشُدُهَا وهي الكفيلة وحدها بالاسهام في بناء الثقة وتفادي تصريحات «نُطَّاقٍ رَسْمِيِّين» لا يُفَرِّقُونَ بيْن فَقْمَةٍ تعيشُ في بحْرِ الشمال والمحيط المتجمِّد الشَّمالي وبين خِرْفَانٍ رومانيَّة نَافِقَةٍ رَمَاهَا احتياطا رُبَّانُ السَّفينَةِ الَّتي أَجَّرَتْهَا مَصَالِحُ وَزَارَةِ النَّاطِق الرَّسمي إِيَّاه (..) ولفظها البَحْرُ على شَواطِئِنَا. وبالعودة لحديث الاستقالة، مَرَّت أربعة أشهُر بالتَّمام والكمال على استقالة الأخ محمد عَبُّو من منصبِ الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة المكلف بالاصلاح الإدري والوظيفة العمومية في 30 جوان المُنْصَرِم، وقضينا موسم الصيف ثم العودة المدرسية والجامعية والاجتماعية والسياسية، ثم جاء الخريف واستقر به المقام،والشتاء يتربَّصُ بنا، وتَمَّ تغييرُ التوقيت الإداري لمَنْظوري الوظيفة العمومية، وبدأ الإعدادُ للميزانية العامة للدَّولة لسنة 2013 ، ونحن بدون وزير للاصلاح الاداري والوظيفة العمومية (..)، من جديد بتعلَّة أنَّ صاحب حصة «حقيبة الاصلاح» (..) في الائتلاف الثلاثي الترويكي الحاكم لم يتوفق إلى تقديم مرشح (..) والبلاد تعج كذلك بالطاقات والكفاءات السياسية والتكنقراطية والأخلاقية القادرة على تحمل أعباء المسؤولية (..). ثُمَّ بِتِعِلَّةِ أَنَّ «الوزارة ليست وزارة» (..) دون حتى التفكير في إعادة هيكلة الحكومة حَسَبَ هذا التَّمَشِّي الذي أَثَارَتْهُ عدد منَ الوُجُوهِ الناطقة باسم الترويكا والمحسوبينَ عليها، القدماء وحديثي العَهْدِ منهم، غَيْرَ أَنَّ هذا التَّمَشِّي لم يُعَمِّر طويلا (..) ورَجَعَ الحُدِيثُ أو بالأَحْرَى رَجْعُ الحَدِيثِ عن احْتمال تعيين وزيرٍ للاصلاح اللإداري. ومن جَديدٍ لَمْ يُعَمِّر رَجْعُ الحَدِيثِ هَذَا طويلا (..). حَيْثُ طَالَعَنَا بَهِيُّ الطَّلْعَةِ رَائِدُنَا الرَّسْمِي، ولا بَهِيَّ الطَّلْعَةِ ولا مَصْدَرَ للأَخْبَارِ والإِخْبَارِ عن مُؤَسَّسَاتِ دَوْلَتِنَا سِوَاهُ، مَهْمَا كَثُرَ العَرَّابُونَ وتَنَاسَلُوا عَلى مَرِّ العُصُور، مُنْذُ أَنْ أَنْشَأَهُ المَلِكُ المُصْلِح مُحَمَّد الصَّادِق بَايْ وخَصَّهُ «بنَشْرِ الأُموُرِ الرَّسْمِيَّة» للبلاد التُّونسيَّة، على يَدِ المُصْلِح خَيْر الدِّين التُّونسي وإدارة الجِنِرَال حْسِين، حَيْثٌ تَرَأَّسَ تحريرَ «الرَّائِد التُّونُسِي» الشَّيخُ العَلاَّمَةُ الفَقِيهُ الأَدِيبُ مَحْمُود قَابَادُو وشَارَكَهُ التَّحْرِيرَ أَحْمَد فَارِس الشِّدْياَق أَشْهَرُ صِحَفَيِّي عَصْرِهٍ شَرْقٍا وغَرْبًا وألْمَعُ الرَّحاَّلَةِ العَرَبِ والكَاتِبُ واللُّغَوِيُّ والمُتَرْجِمُ والعربيُّ الأَصِيلُ الَّذِي جَاءَنَا من لُبْنَانَ الحَبِيبَ يَتَقَفَّى حَرَكَةَ الإِصْلاُح فَأَشْهَرَ إِسْلاَمَهُ في تُونِسَ الإصْلاَح. قُلْتُ طَالَعَنَا بَهِيُّ الطَّلْعَةِ رَائِدُنَا الرَّسْمِي في سَنَتِهِ المِائَةِ والخَمْسَةِ والخَمْسِينَ 155 بِالعَدَدِ السَّابِعِ والسَّبْعِين 077 المُؤَرَّخِ في 28 سبتمبر 2012 أَنَّهُ: «بمقتضى أمر عدد 1966 لسنة 2012 مؤرخ في 18 سبتمبر 2012، سمّي السيد محمد زهير حمدي، متصرف مستشار، مكلفا بمأمورية بديوان رئيس الحكومة. تلغى أحكام الأمر عدد 175 لسنة 2012 المؤرخ في 13 أفريل 2012 المتعلق بتسمية المعني بالأمر مكلفا بمأمورية ليشغل خطة رئيس ديوان الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالإصلاح الإداري ابتداء من تاريخ إمضاء هذا الأمر». أي أنَّ رئيسَ الحُكُومة، أو مَصَالِحَهُ التي تَحْكُمُ باسْمْهِ وبِخَتْمِهِ، قَرَّرَ الاستغناء عن الديوان الخاص بوزيره المعتمد وألْحَقَهُ بديوانه. ولا ضَيْرَ في ذَلِك، فالمهم هو الوضوح مع الداخل والخارج، كما تَنَاغُمُ المَوَاقِف وتَنَاسُقُهَا. فإمَّا تَعْوِيضٌ للوُزَرَاءِ المُسْتَقِيلِينَ وإِمَّا إِلْغَاءُ وَزَارَاتِهِم وإِلْحَاقُهَا بوَزَارَاتٍ أُخْرَى.. وإمَّا تَعْوِيضٌ مُؤَقَّتٌ بِالنِّيَابَةِ للوُزَرَاءِ المَرْضَى، والَّذِينَ هُم على سَفَرٍ، أَوْفي مَشْغَلٍ خَاصٍّ مُتَواتِرٍ وشِبْهِ دَائِمٍ، أَوْ أُولَئِكَ الَّذينَ هُمْ على عَجْزٍ شِبْهِ فِطْرِي عَن الخُرُوجِ من دَوَّامَةِ الصِّدامِ الأَزَلِي العنيف مع المُخالفين في الرَّأي، أَوْ إِعْفَاءٌ دَائِمٌ من مَهَامِّهِم و تَعْوِيضُهُم بصِفَةٍ نِهَائِيَّة.. أَوْ إِلْغَاءٌ لوَزَرَاتِهِم واسْتِشاريَّاتهم وإِلْحَاقِهَا بأُخْرَى بِمُوجِبِ أُمْرٍ يُنْشَرُ بِالرَّائِد الرَّسْمِي لِلْجُمْهُورِيَّةِ التُّونِسِيَّة. فإنَّ «المسؤوليَّةَ تكليفٌ وليست تشريفًا» وهذه القاعدةُ الذَّهبيَّة من صَمِيمِ «حُسْنِ التَّوَلِّي»الذي سَنَّهُ ابن خلدون.. و«الحُكْمُ الصَّالِحُ مُقَيَّدٌ بقَانُون» كما حَدَّثَ المُعَلِّمُ ابن أبي الضياف.. والعَجْزُ والارتباكُ والتَّرَدُّدُ في أَخْذِ القرارِ أَسْوَأُ وأَخْطَرُ مِن أَخْذِ القرار الخاطئ.. و«الأُموُرِ الرَّسْمِيَّة للبلاد التُّونسيَّة»، تُنْشَرُ بِالرَّائِد الرَّسْمِي لِلْجُمْهُورِيَّةِ التُّونِسِيَّة.. هكذا تَكَلَّمَ الآبَاءُ المُؤَسِّسُون لحَرَكَة الإِصْلَاحِ التُّونِسِيَّة..