يبدو أن الرياح لم تعد تهب بما تشتهي سفن الترويكا.. وأن الارتباك السياسي في الأداء الحكومي أو الرئاسي بات أمرا واقعا لا يمكن أن تحجبه ابتسامات «البروتوكول» أو ادعاءات بعض مسؤولي الدولة أن قضية الأزمة مفتعلة، ومجانبة للصواب، غايتها التشكيك وإرباك المشهد السياسي. وأن الائتلاف الحاكم أقوى من كل الأنواء ومحصّن ضدّ كل الهزات وأن ما حصل سحابة صيف عابرة لن تعكّر المزاج السياسي المتناغم.. هذه عينة من التصريحات تطالعنا يوميا من هنا وهناك «لتشدّ أزرنا وتطمئننا على المسار الانتقالي وعلى «مصيرنا» الديمقراطي..» لكن الدواء المسكّن لا يكون دائما مضمون النتائج ولا يبعد عنا نهائيا ألم الصداع وذاك ما نعيشه للأسف رغم «مسكّنات» الترويكا!! فلنهب جدلا أن أمورنا «عال العال»، وأن ما يقال عن صراعات خفية ?كشفت نفسها أكثر من مرّة- مجرّد افتراء وصيد في المياه العكرة.. فكيف نفسّر إذن التطورات الأخيرة.. وتداعيات قضية البغدادي المحمودي التي أقامت البلاد ولم تقعدها رغم إدراكنا العميق بأنها قضية مفتعلة لصرف الأنظار عن خفايا أعمق وأخطر.. هل بلغنا من السذاجة هذه الدرجة حتى تنخرط كل نخبنا في «حرب» مزايدات سياسية مفتوحة لكل النهايات لكن دون نتائج واضحة؟.. لماذا نهمل قضايانا الجوهرية والمصيرية والتي تضع بلادنا على المحك وتكاد تعصف بمسار كامل وننخرط بطريقة سمجة في «عنتريات» حقوقية ونتباهي بخطبنا التي لا تصلح إلا لمزاد علني في «عكاظيات» الشعر السياسي؟ ماذا استفادت البلاد والعباد من نخبنا السياسية ترويكا ومعارضة في هذا الأسبوع؟ لماذا تبدي الرئاسة كل هذا الاستياء من الحكومة وتثور وتتمرّد على اتفاقيات «التدجين» التي سبقت تشكيل حكومة الترويكا بنواتها الأصلية والقوية حركة النهضة..؟ لماذا يحتج الدكتور المرزوقي و»يرفس الأرض بأقدامه» ويهدّد شريكه السياسي «بالويل والثبور» ويتهمه بالاستحواذ على صلاحياته ويذهب إلى حدّ طلب تحكيم المجلس التأسيسي الذي قد يحتاج عمّا قريب لتحكيم الشعب في صلاحياته..؟ هل تفطّن الآن المرزوقي أنه ما كان ليعبر بوابة قصر قرطاج لو كانت له صلاحيات.. فقد قبل اللعبة منذ البداية ويجب أن يتحمّل أوزارها ؟ في نفس الأسبوع يقيل رئيس الجمهورية المؤقت، محافظ البنك المركزي، إقالة بدت متشنجة ولم تخرج عن سياق إثبات الوجود السياسي.. لكن ورغم تحفظاتنا على محافظ البنك المركزي هل فكّرنا في تداعيات الإقالة على السوق المالية التونسية خاصّة وأن أوضاعنا الاقتصادية بدأت «تعرج» بخطوات تتجه نحو الشلل؟ استقالة الوزير المكلف بالإصلاح الإداري بدورها تفتح أبواب التأويلات «المغرضة» على مصراعيها، فالرجل الذي دافع بشراسة على الانسجام والتناغم «الترويكي» وتخلى عن رفاق النضال لصالح الشركاء ها هو ينسحب اليوم بعد أن تدحرجت «صخرة سيزيف» إلى أسفل الجبل وبات من الصعب دفعها للقمة من جديد !!.. «ابتسامة» رئيس الحكومة.. و»صمت» الرئيس المؤقت على الكلام المباح.. و»ديبلوماسية» رئيس المجلس التأسيسي لا تكفي لجعلنا على يقين بأن بوصلتنا سليمة وأننا لم نته بعد عن الطريق الصحيح..