مرافعة وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بصفاقس العقيد قاضي احمد الجبال في الجلسة الاخيرة من المحاكمة المتعلقة بشهداء وجرحى دقاش الاثنين4 فيفري 2013 كانت مهمة واستعرض فيها ملابسات قضية الحال والادلة والاثباتات ليخلص الى طلب تطبيق القانون كيفما جاء بقرار دائرة الإتهام العسكرية وتسليط العقاب المناسب على المتهم والحكم بالتعويض العادل والشامل لعائلات الشهداء والمتضررين تعويضا يليق ويتناسب وجسامة ما لحق بهم من ضرر ' التونسية ' كانت حاضرة واستنعت الى كامل تفاصيل هذه المرافعة التي ننفرد بنشرها بحذافيرها : ' بسم الله الرحمان الرحيم سيدي الرئيس جناب المجلس المحترم هذه إذا قضية أخرى من قضايا شهداء الثورة وجرحاها قضية شهداء دقاش التي ذهب ضحيتها ثلاثة شهداء وأصيب شخصان من شباب الثورة مدينة الدقاش هذه الواحة الحالمة والقلعة الهادئة المسالمة التي ناضل رجالاتها وأبناؤها ضدّ الإستعمار الفرنسي واستبسلوا لإخراج المستعمر من أرض الوطن . هاهي اليوم تساهم مساهمة فعالة في ثورة الحريّة والكرامة . وانهيار نظام فاسد مستبدّ جثم على صدور التونسيين جميعا مدّة ربع قرن وقدّمت في سبيل ذلك الغالي والنفيس من الشهداء والمصابين والجرحى . هؤلاء الشهداء والمصابين الذين رووا بدمائهم الزكية الطاهرة تراب الوطن لايمكن مطلقا وأبدا أن يعوضهم لأهلهم وذويهم أي حكم مهما كانت مدّته أو قيمته المالية لأنّ الشهداء لايعوضون بثمن مادي أو معنوي لأنّهم أكرم منّا جميعا نعم فالشهداء أكرم منّا جميعا . وهم كالبركان الذي فجّر ثورة الشعب والشموع التي أضاءت دربها . فيكفيهم فخرا أنّ التّاريخ سيسجّل أسماءهم بأحرف من ذهب ويكفيهم فخرا أنّهم كانوا وقودا لثورة لا تبقي ولا تذر زعزعت أركان نظام فاسق فاسد مستبد ظالم عدو الشعب عدو الحياة حكم الوطن والشعب بالحديد والنّار فأسقطته وأطاحت به . ويكفيهم فخرا أنّهم أعادوا للشعب حريّته وللوطن كرامته وعزّته . وكلّ هذا لايمكنه أن يحجب المساءلة والمحاسبة والمحاكمة محاكمة من تورطوا في قتل أبناء الشعب وإصابتهم بالرّصاص لإعطاء كلّ ذي حقّ حقه لأنّ الحق يعلو ولا يعلى عليه رغم صعوبة هذه المعادلة في مثل هذه القضايا ضرورة أنّ عبأ الإثبات في قضايا الجمهور أو الجماهير يكون بالصعوبة بما كان . لهذا سيدي الرئيس حضرات المستشارين فإنّ مسؤوليتكم جسيمة وكبيرة وتاريخية ووطنية وأمام الله سبحانه وتعالى . إذا فماهي أدلّة الإثبات في واقعة قضية الحال ؟ والحجج والقرائن المثبتة لإرتكاب المتهم للجريمتين المنسوبتين إليه ؟ وفي أي إطار قانوني يمكن تنزيلها ؟ . النيابة العمومية العسكرية بإعتبارها تمثل الهيئة الإجتماعية والحقّ العام ستتولى في مرحلة أولى بإقتضاب استعراض الأدلة والحجج والقرائن التي تقيم الدليل على تورط المتهم في اقتراف الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه ثمّ وفي مرحلة ثانية إضفاء التكييف القانوني على الأفعال وتقديم الطلبات في الأصل . سيّدي الرئيس جناب المجلس . قضية الحال اتهم فيها المتهم الماثل أمامكم بحالة ايقاف من أجل القتل العمد ومحاولة القتل العمد طبق الفصلين 59 و205 من المجلة الجزائة . وقائع القضية بإختصار شديد : تفيد أنّه في مساء يوم 11 جانفي 2011 وبمدينة الدقاش خرجت مظاهرة سلمية حوالي التّاسعة ليلا منددة بالحالة الإجتماعية ومطالبة بالحقّ في حياة كريمة وبالحرية والكرامة . وبالوصول إلى مركز الحرس الوطني رماه المتظاهرون بالحجارة فردّ الأعوان بالقنابل المسيلة للدموع . وأمام تأزم الوضع قام المتهم الملازم أول الطيب العميمي المكلف بالإشراف الأمني على القطاع بإستعمال الرصاص المطاطي ثمّ تسلّح ببندقية حربية نوع فال ووجهها نحو المتظاهرين وعمد إلى إطلاق الرصاص منها تجاههم دون سابق إنذار ففي مرّة أولى نحو المتواجدين أمام مقر المعتمدية المقابل للمركز ثمّ وفي مناسبة ثانية نحو مجموعة من المتظاهرين بالطريق العام يسار المركز ممّا تسبب في إصابة كلّ من عبد القادر المكي برصاصة على مستوى فخذ ساقه اليمنى وماهر العبيدي برصاصة أصابت كتفه واخترقت صدره وأمجد الحامي برصاصة على مستوى صدره كما أصيب عادل أولاد عمر برصاصة بفخذه الأيسر ومحمد أشرف بنخليل برصاصة بفخذه الأيسر أيضا وبنقلهم إلى المستشفى توفي الثلاثة الأول في الذكر فيما نجا كلّ من عادل وأشرف من الموت . الأدلّة والحجج والقرائن : 1 علي وعاطف المكي : شقيقا الشهيد عبد القادر أكدا أنّهما علما من عديد الأشخاص الذين كانوا بالموطن أن المتهم هو الوحيد الذي كان يطلق النّار على المتظاهرين من أمام مركز الحرس . 2 علجية الحامية : والدة الشهيد ماهر العبيدي أكدت أنّه عند غسله تبين وجود آثار رصاصة أصابت كتفه الأيمن واخترقت صدره وخرجت من تحت إبطه الأيسر وأكدت أنّها علمت أنّ المتهم هو الذي أصابه وقتله لأنّه هو من كان يطلق النّار على المتظاهرين . 3 أحمد حامي : والد الشهيد أمجد الحامي أكد أنّ كلا من الشهود ميلاد مستوري ومحمد حمادي وجبران دمي وربيع بالريش أكدوا له أنّ المتهم هو من تعمّد اطلاق النّار على المتظاهرين مباشرة وأصاب ابنه بطلقتين على مستوى صدره فأرداه قتيلا . 4 المتضرر عادل أولاد عمر : أكد أنّه أصيب بعيار ناري بفخذه الأيسر وحقق أنّ مصدر الأعيرة النّارية كان من أمام بناية مركز حرس دقاش . 5 المتضرر محمد أشرف بن خليل : أكد أنّه شاهد المتهم الذي يعرفه تمام المعرفة يحمل بيده سلاحا ناريا كبيرا أسود اللون ويطلق منه النّار تجاه المتظاهرين وعاين في الأثناء الشهيد عبد القادر المكي الذي لا يبعد عليه إلا حوالي مترا واحدا يسقط أرضا والدماء تنزف من فخذه الأيسر بغزارة وأضاف بعد لحظات قصيرة أصيب هو على مستوى فخذه الأيسر . وحقق أنّ المتهم هو الوحيد الذي أطلق النّار نحو المتظاهرين . 6 الشاهد جبران دمي : أكد أنّ أحد الأعوان سلّم المتهم سلاحا ناريا يشبه الشتاير فبادر بإستعماله مباشرة ودون أي انذار وصوبه نحو المتظاهرين مباشرة وقد أصابت أولى الطلقات سور المعتمدية الخارجي المقابل لمركز الحرس وسقط من جرائها الشهيد المكي والمتضررين عادل أولاد عمر وأشرف ... ثمّ وفي مرحلة ثانية أصاب الشهيد ماهر العبيدي الذي كان تحت سور الجامع ... ثمّ وفي مرحلة ثالثة أصاب الشهيد أمجد الحامي الذي كان متخفيا تحت شجرة . وجزم أنّه متأكد أنّ المتهم الطيب العميمي هو وحده من استعمل الذخيرة الحيّة ووجهها نحو المتظاهرين . 7 الشاهد حسين الخياري : أكد أنّ المتهم كان يطلق النّار في اتجاه السور الخارجي للمعتمدية وقد أصابت إحدى الرصاصات الشهيد عبدالقادر بفخذه وأصابت في نفس الوقت المتضرر محمد أشرف بنخليل ، وحقق أنّ المتهم أصاب إثر ذلك الشهيد أمجد الحامي . 8 الشاهد مبروك دمى : أكد أنّه شاهد المتهم الذي يعرفه حقّ المعرفة يطلق النّار في اتجاه السور الخارجي للمعتمدية والمتظاهرين مباشرة دون تحذير من أمام باب المركز فأصيب الشهيد عبدالقادر كما أصيب المتضرر محمد أشرف بنخليل كما أصيب الشهيد أمجد الحامي إثر ذلك ، وحقق أنّ الوحيد الذي كان يطلق النّار زمن الواقعة وبموطنها مباشرة ودون انذار هو المتهم الطيب . 9 الشاهد مشري العجيمي : أكد أنّه شاهد المتهم الذي يعرفه معرفة جيّدة يطلق القنابل المسيلة للدموع ثمّ الرصاص تجاه المتظاهرين مباشرة دون تحذير فأصاب حائط المعتمدية وبعض المتظاهرين . 10 الشاهد ربيع بالريش : أكد أنّه شاهد المتهم الذي يعرفه معرفة جيّدة يطلق القنابل المسيلة للدموع مع عون آخر ثمّ شاهده يخرج منفردا من المركز ويطلق أعيرة نارية بالرصاص صوب سور المعتمدية أين يوجد العديد من المتظاهرين فأصاب تباعا الشهداء عبد القادر المكي وماهر العبيدي ثمّ أمجد الحامي . 11 الشاهد المولدي النفزاوي : أكد أنّه متيقن تماما أنّ المتهم العميمي هو من أطلق النّار مباشرة على الشهيد ماهر العبيدي فأرداه قتيلا ولم يكن غيره يحمل سلاحا ناريا . وقد كان يطلق منه النّار مباشرة نحو المتظاهرين ودون أن يطلق أي تحذير في الهواء . 12 الشاهد رائد عثماني : أكد أنّه شاهد المتهم الذي يعرفه من قبل تمام المعرفة يطلق النّار تجاه المتظاهرين فيسقط الشهيد عبدالقادر الذي كان يبعد عليه مترا تقريبا وكان ينزف من فخذه بغزارة ثمّ يصاب المتضرر أشرف بن خليل ... وحقق أنّ المتهم هو الوحيد الذي كان يطلق الرصاص في اتجاه المتظاهرين .13العريف أول بالحرس شوقي الذويبي : أكد أنّ المتهم أطلق طلقات في الهواء لتخويف المتظاهرين وأيده في ذلك الوكيل أول لطفي دريهمي رئيس المركز مؤكدا أنّ إطلاق النّار من قبل المتهم كان في اتجاه المعتمدية وحقق أنّ أيا من بقية الأعوان لم يحمل أي سلاح أو يستعمله . 14 المتهم : أنكر ما نسب إليه زاعما أنّه تمّ الإعتداء عليه من قبل المتظاهرين فإنهار وسقط أرضا على ركبتيه وفي الأثناء خرجت صلية من سلاحه دون إرادة منه نحو الفضاء لا يتجاوز عدد إطلاقاتها الأربعة وطعن في شهادة الشهود ضدّه . 15 حجز ظرف رصاصة وجد أمام مركز حرس دقاش إثر إصابة الشهيد عبدالقادر المكي . 16 تسخير إدارة الذخيرة والأسلحة للإفادة حول السّلاح المستعمل في إطلاق ظرف الخرطوشة المحجوز يبيّن أنّ المحجوز هو ظرف خرطوشة عيار 7،62 مم ذات رصاصة حربية وتستعمل في كلّ الأسلحة عيار 7،62 مم وأنّ البندقية فال ذات عيار 7،62 مم . 17 بيّنت الوثائق الطبية المضافة أنّ الشهداء والمتضررين أصيبوا بطلق ناري . في القانون سيدي الرئيس جناب المستشارين لقد تأكد ممّا له أصل ثابت في الملف أنّ المتهم وجه سلاحه النّاري القاتل نحو الضحايا وأطلق منه أعيرة نارية أصابتهم في أماكن مختلفة من أجسادهم بالقفص الصدري والكتف والفخذ وهي أماكن قاتلة فتسبب في إزهاق أرواح الشهداء عبدالقادر المكي وماهر العبيدي وأمجد الحامي ولولا التدخل الطبي والعناية الإلهية لألحق بهم المصابين عادل أولاد عمر ومحمد أشرف بنخليل وهو أمر خارج عن إرادته وإنّ ما يؤكد اتجاه نيته للقتل هو الآدات المستعملة وتعدد الإطلاقات والإصابات ومكانها وقد ثبت ذلك ضدّه بتواتر تصريحات الشهود السالف ذكرها والتي جاءت متظافرة والوثائق الطبية والظرف المحجوز الذي عثر عليه بموطن الواقعة والذي تأكد من الإختبار الفني أنّ رصاصته من نوع السلاح الذي كان بحوزة المتهم الذي أقر لدى التحقيق وبجلسة القضاء جزئيا بأن أربعة رصاصات تقريبا خرجت من سلاحه دون إرادة منه عند مهاجمته من قبل المتظاهرين . سيدي الرئيس إن كانت كلّ هذه الأدلة والحجج والقرائن غير مقنعة وشهادة الشهود التي جاءت متظافرة ودقيقة ومتواترة غير صحيحة ومجانبة للحقيقة والصواب فإنّنا نقول أنكم تحكمون بالظاهر والله يتولى السرائر . إذا الجريمتين المنسوبتين للمتهم قتل نفس بشرية عمدا ومحاولة قتل نفس بشرية عمدا قائمة الأركان القانونية في حقّة وثابتتين ضدّه ومسندتين إليه كيفما سلف بيانه . وإنّ القول بأنّه كان في حالة دفاع شرعي لايستقيم واقعا وقانونا ضرورة أن ردّة فعل المتهم غير متوازنة مع الأفعال الصّادرة عن المتظاهرين ولا تتناسب معها . كما أنّه من جانب آخر فإنّ المتهم لم يتدرج في التعامل مع المتظاهرين وفق ما يتطلبه القانون عدد 4 لسنة 1969 لتشتيت المتظاهرين . وفي جميع الحالات فإن الإباحة بإستعمال السلاح لا يعني القتل والجرح . وعلى هذا الأساس فإنّ النيابة العسكرية تطلب تطبيق القانون كيفما جاء بقرار دائرة الإتهام العسكرية اعتمادا على ما هو ثابت بأوراق الملف وما تحصحص من مداولات ومرافعات خلال تواتر الجلسات تحقيقا لمبدأ الإنصاف والعدالة وتسليط العقاب المناسب على المتهم والحكم بالتعويض العادل والشامل لعائلات الشهداء والمتضررين تعويضا يليق ويتناسب وجسامة ما لحق بهم من ضرر .'