البرلمان يصادق على تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف والترفيه لتشمل خدماتها فئات جديدة من الأطفال ذوي الهشاشة    جراد: الخونة والعملاء الذين تٱمروا على أمن الدولة يريدون استغلال ملف الهجرة لإسقاط قيس سعيد    وزارة التربية تقرر تنظيم حركة استثنائية لتسديد شغورات إدارة المدارس الابتدائية بمقاييس تضمن الانصاف    وزير السياحة: اهتمام حكومي لدفع الاستثمار في قطاع الصناعات التقليدية وتذليل كل الصعوبات التي يواجهها العاملون به    البنك المركزي: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8 بالمائة موفى شهر افريل 2024    مدنين: الجهة قادرة على توفير حاجياتها من أضاحي العيد وتزويد جهات أخرى (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة)    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    الجزائري مصطفى غربال حكما لمباراة الترجي الرياضي والاهلي المصري    المرحلة التاهيلية لكاس الرابطة الافريقية لكرة السلة: الاتحاد المنستيري ينقاد الى خسارته الثالثة    دورتموند يفوزعلى باريس سان جيرمان ويصل لنهائي أبطال أوروبا    أمطار أحيانا غزيرة بالمناطق الغربية وتصل الى 60 مم خاصة بالكاف وسليانة والقصرين بداية من بعد ظهر الثلاثاء    لإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه وبحوزته مخدرات    سيدي حسين: القبض على منفذ عملية براكاج لمحل بيع الفواكه الجافة    فرقة "مالوف تونس في باريس" تقدم سهرة موسيقية مساء يوم 11 ماي في "سان جرمان"    وفاة المذيع والكاتب برنارد بيفو عن عمر يناهز 89 عاما    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    الخارجية المصرية.. لا يمكن أن تستمر الانتهاكات الإسرائيلية دون محاسبة    العدوان على غزة في عيون الصحف العربية والدولية ... المقاومة تتمتّع بذكاء دبلوماسي وبتكتيك ناجح    باجة .. سفيرة كندا تبحث امكانيات الاستثمار والشراكة    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    فظيع في القيروان .. يستعين به صاحبه لجمع القوارير البلاستيكية ..مجهولون يحرقون حصانا مقيدا وعربته المجرورة    يوميات المقاومة.. خاضت اشتباكات ضارية وأكّدت جاهزيتها لكل المفاجآت .. المقاومة تضرب في رفح    اتحاد تطاوين.. سامي القفصي يعلن انسحابه من تدريب الفريق    الليلة في أبطال أوروبا ... هل يكسر بايرن مونيخ شفرة ملعب ريال مدريد؟    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    عاجل/ طلب عروض لإيواء مهاجرين بنزل: بطاقة ايداع ضد رئيس جمعية ونائبه    بنزرت: تنفيذ 12 قرار هدم وإزالة لمظاهر التحوّز بالملك العمومي البحري    رئيس الحكومة يشرف على جلسة عمل وزارية حول الاستراتيجية الوطنية للشباب    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    عرض الكرة الذهبية لمارادونا في كأس العالم 1986 للبيع في مزاد    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل لطيفي (الأستاذ بجامعة السوربون) ل "التونسية": مستقبل "النهضة" مع تيار عبد الفتاح مورو وسمير ديلو
نشر في التونسية يوم 05 - 03 - 2013

"نداء تونس" يستمدّ إشعاعه من أخطاء "النهضة"
هؤلاء أتمنى رؤيتهم رؤساء لتونس
في تونس هناك تعارض بين الاسلام السياسي وإسلام عفوية الإيمان
التخوف اليوم هو الاّ يقبل الاسلاميون بغيرهم
كان بإمكان حمادي الجبالي القطع مع رداءة الأداء باسم الشرعية وفي كنف الشرعية
برز الدكتور عادل لطيفي المفكر اليساري وأستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر بجامعة باريس الثالثة بمواقفه من حركة «النهضة» و«الترويكا» الحاكمة. وعادل لطيفي أصيل فريانة من ولاية القصرين، درس بدار المعلمين العليا بسوسة وناضل صلب الإتحاد العام لطلبة تونس، وعمل مدرّسا بفريانة مسقط رأسه (1990-1995) .
ناقش أطروحة دكتوراه سنة 2001 حول تاريخ الزاوية التليلية بفريانة والطرق الصوفية في العصر الحديث والمعاصر. صدرت له بفرنسا ثلاث دراسات علمية عن الإسلام في بلاد المغرب كما صدرت له مقالات بجريدتي «البيان» و«أخبار العرب» بالإمارات العربية المتحدة وهو كاتب بموقع «الجزيرة» نات منذ سنة 2004 .
«التونسية» التقته فكان معه الحوار التالي ....
تصنّف نفسك على انك يساري مستقل، هل ترى انه مازال هناك مجال للمستقلين في الساحة السياسية التونسية اليوم؟
أعتبر نفسي يساريا باعتبار إيماني بخط فكري يعتمد على العقلانية وعلى الإنسية (humanisme) وعلى العدالة الاجتماعية وعلى الحرية. وهي مبادئ لا تتعارض حسب رأيي مع الدين وخاصة مع الإسلام كما يريد أن يسوغ لذلك البعض لأغراض سياسية. ومن هذا المنطلق فأنا لست مستقلا فكريا وسياسيا. لكنني مستقل من حيث الانتماء الحزبي أو الخطي إلى حد الآن. وربما يبرر ذلك بعدم قدرة بعض الأحزاب اليسارية على أن تتخلص من البعد الإيديولوجي في خطابها ومن نوع من الشعبوية أحيانا. وهذا لا يعني عدم مساندة طرف أو أطراف سياسية ما خاصة في ظل الرهانات الحساسة التي يطرحها المسار الانتقالي في تونس.
هل تطمح للعب دور سياسي خاصة أن بورصة المستقلين(وأنت أحدهم) في صعود؟
في ظل انحراف مسار الثورة عن البناء الديمقراطي نحو إقصاء الخصوم ونحو التطويع الحزبي للدولة وفي ظل تهديد بعض مكتسبات الدولة الحديثة أرى أنه من واجبي أن أساهم في تصحيح هذا المسار مهما كان الموقع الذي أفعل من خلاله. أرى أن المسألة هي واجب وليست طموحا كما أن الاستقلالية ليست مطية.
ما هي حظوظ نجاح حكومة العريض؟
نجاح هذه الحكومة من عدمه يتوقف على ثلاثة عوامل. على مستوى الخلفية المبدئية لا أرى أن هذه الحكومة قد قطعت مع أهم سبب من أسباب فشل سابقتها وهو المحاصصة الحزبية. فحركة «النهضة» وحلفاؤها يتحدثون عن توسيع دائرة المشاركة في الحكم وليس عن حكومة جديدة. هي ربما مجرد إعادة ترتيب لتحالفات الحركة. ويتم ذلك على حساب التحضير للانتقال الديمقراطي. ثم هناك إطار بشري لهذه الحكومة قد يؤشر لبعض الصعوبات. فالسيد علي العريض لم ينجح، حسب رأيي، في دوره كوزير للداخلية. وما صعود مشكل الأمن إلى المرتبة الأولى من اهتمامات التونسيين إلا دليل على ذلك بالإضافة إلى انتشار العنف السياسي. ثم هناك أخيرا الإطار الزمني، وهو المدة القصيرة التي ستعمل خلالها هذه الحكومة وهو ما يجعلنا غير قادرين على تحميلها أكثر وزرها من مهمتها الأساسية تبقى إذن تحضير ظروف ملائمة للانتخابات وسنحكم على مردودها وعلى جديتها من خلال قدرتها على محاربة العنف السياسي.
هناك من يرى أن حمادي الجبالي كان صادقا في مواقفه التي بلغت حد الاستقالة حتى لا يرضخ لضغوط حزبه وهناك من يعتبر ما جرى مسرحية لتلميع صورة الجبالي وإعداده للانتخابات الرئاسية القادمة، أي القراءتين ترجّح؟
ما هو مؤكد أن السيد حمادي الجبالي حمّل مسؤولية الفشل لكل الأطراف وتحاشى تحميل حزبه وحلفائه المسؤولية الأولى عن ذلك الفشل. ثم من ناحية ثانية كان على الجبالي وبمساعدة الرئيس المرزوقي أن يذهب بعيدا في مبادرته من خلال تكوين حكومة كما يراها رغم معارضة الأحزاب ويقدمها أمام المجلس التأسيسي كي يتحمل كل طرف مسؤوليته. وفي حالة سحب الثقة من هذه الحكومة بإمكان الرئيس تكليف شخصية قادرة على قيادة الحكومة وليس بالضرورة من بين الحزب الفائز. هكذا نقطع مع رداءة الأداء باسم الشرعية في كنف نفس هذه الشرعية. قد تسحب الثقة من جديد من هذه الحكومة، عندها سيصبح المجلس نفسه والتحالف المهيمن فيه في نظر الرأي العام حجرة عثرة أمام الاستقرار السياسي. من جهة ثانية صرح الجبالي نفسه أن المبادرة تفادت الاحتقان بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد وكأن ذلك كان من ضمن أهدافها.
لكن في نفس الوقت لا يمكن أن ننكر وجود تنافس داخل حركة «النهضة» بين منهج سياسي واقعي ربما من ضمنه حمادي الجبالي وشق مازال غارقا في الفكر الدعوي وفي مشروع إعادة أسلمة الدولة والمجتمع.
مازال عبد الفتاح مورو يثير الضجيج بتصريحاته فهو متلوّن عند «العلمانيين» (حديثه إلى وجدي غنيم) وهو عند آخرين جناح مدني متفتح في «النهضة»، ماذا ترى أنت؟
أريد أولا أن أستغل فرصة سؤالكم هذا كي أرفع لبسا حول مفهوم العلمانية. فالعلمانية ليست منهجا فكريا أو فلسفة أو موقفا سياسيا. هي ما يعبر عنه ب sécularisation حركة تاريخية كونية انخرطت بموجبها أغلب المجتمعات في مختلف الثقافات في انتظام جديد للأنشطة الاجتماعية وفي العلاقة بينها. وتميزت هذه الحركة باتجاه ما يسمى بالتمايز الوظيفي وبالعقلنة وبالأنسنة. فتمايزت بذلك مجالات السياسة والدين والتعليم والثقافة بعضها عن بعض بشكل تلقائي. وهي تختلف بذلك عن اللائكية التي هي في عمقها موقف سياسي يعتمد الفصل القانوني بين الدولة والدين وهي تقليد فرنسي بامتياز. لهذا لا نجد في القاموس الإنقليزي كلمة علماني (secularist) أو علمانية (secularism).
في ما يتعلق بشخصية عبد الفتاح مورو بالفعل تبقى تصريحاته متميزة بالمقارنة مع الخطاب الخشبي والمحافظ لرئيس حزب حركة «النهضة». ومن هذا المنطلق ربما هو ينتمي إلى تيار الواقعية السياسية الذي أشرت إليه والذي يضم كذلك سمير ديلو. لكن بالفعل هناك أحيانا بعض التضارب سواء في التصريحات أو بين التصريح والفعل. ما قاله عبد الفتاح مورو للشيخ وجدي غنيم يلخص مشكل المنهج الفكري لحركة «النهضة» وهو أن الحركة لم تتخلص بعد من أصوليتها الفكرية. أي النظر إلى الإسلام نظرة تعتمد على استعادة الماضي السلفي دون مجهود نقدي للنصوص المؤسسة. وأرى أن تصريحات راشد الغنوشي بأنه يعد امتدادا للمنهج المقاصدي في فهم الشريعة هي من باب المزايدة لا غير. فلا أرى إسلاميي «النهضة»، أو غالبيتهم، قادرين مثلا على تبني موقف الطاهر بن عاشور من السنّة مثلا أو تفسيره لبعض الآيات القرآنية. وأحسن تجسيد لذلك هو عدم اتخاذ موقف واضح من تعدد الزوجات رغم أن محمد عبده مثلا كان قد شجّع على تفاديه. عدم حصول هذه المراجعة الفكرية هو الذي يفسر تضارب المواقف السياسية ومن بينها مواقف مورو. لكنني أعتقد أن ما يميزه عن الآخرين هو نوع من الواقعية السياسية.
هل هذا الجناح الواقعي في «النهضة» قادر على التحليق؟
أعتقد أن حركة «النهضة» باعتبارها قوة سياسية تعبر عن الجانب المحافظ في المجتمع ستبقى موجودة في المشهد السياسي وفي ذلك إثراء للتجربة الديمقراطية التونسية. فلا أحد يطرح اليوم إقصاء الإسلاميين بل أصبحت الصورة معاكسة والتخوف هو ألّا يقبل الإسلاميون بغيرهم. وهذا يعني تبني خطاب سياسي واقعي يقطع مع منطق التفرقة المؤسس على فكرة احتكار تمثيلية الإسلام. وربما هنا يكمن دور تيار الواقعية السياسية الذي يمثله مورو والذي أعتقد أنه يمثل مستقبل حزب حركة «النهضة». لكن كما قلت على هذا التيار الواقعي أن يحسم كذلك مسألة الأصولية الفكرية كي يكون متناغما مع نفسه.
أي دور للمؤسسة العسكرية للخروج من هذه الأزمة السياسية؟
يجب أن نقر أنه من بين نجاحات دولة الاستقلال هو إنشاء مؤسسة عسكرية جمهورية لا تتدخل في المنافسة السياسية وترسخت لديها فكرة الحفاظ على الأمن الخارجي للبلاد أولا. وهذا يحسب على إنجازات الرئيس بورقيبة بلا شك. بالإضافة إلى أن تاريخ البلاد ككل تميز دائما بنوع من التطور السلمي خاصة في العصر الحديث ومن بين أسباب ذلك قدم ظاهرة الدولة المركزية. أعتقد في هذا الإطار ومن خلال قراءتي الشخصية أن فشل صالح بن يوسف أمام بورقيبة، بالرغم من عنف الدولة الذي سلط على اليوسفيين، كان قد جنب البلاد خطر السقوط في نماذج حكم عسكرية مثل النموذج البعثي. أما اليوم وبالنظر إلى الرضا الشعبي عن المؤسسة العسكرية وبالنظر خاصة لتهديد الأمن القومي الداخلي والخارجي والذي يؤكده الانتشار الممنهج للسلاح، سيبقى الجيش الضامن الأساسي للأمن وللسلم وهو الشرط الأول للانتقال الديمقراطي. أي أن هذا الدور يجب أن يبقى متعلقا بالمسألة الأمنية أساسا وبالحفاظ على الدولة دون التدخل في المنافسة السياسية.
في تقديرك لماذا لا يتجرأ أحد على تغيير أو الدعوة إلى تغيير وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي رغم أنه عمل سابقا في حكومة بن علي؟
هذا يعود إلى الثقة التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية عموما والرضا عن أدائها فلا داعي إذن للمطالبة بتغييره خاصة أن هذه المؤسسة في حاجة إلى الاستقرار. كما نعلم من جهة ثانية أن المسألة الأمنية زمن بن علي كانت في يد الداخلية وليس الجيش.
كيف تفسر أن يدافع «العلمانيون» عن الزوايا ومقامات الأولياء الصالحين؟ ألا يجدر بأن تكون هذه مهمة «الإسلاميين»؟
كانت زواية سيدي أحمد التليلي بفريانة موضوع بحثي في شهادة الدكتوراه. وأنا كغيري من الباحثين نرى هذه الزوايا جزءا من تاريخ البلاد ومن الذاكرة الاجتماعية للتونسيين. وأرى أن الدفاع عنها يدخل ضمن الدفاع عن التنوع وعن الحرية ومنها حرية المعتقد كما أنه دفاع عن التاريخ. وبالنسبة للبعض هو دفاع عن مكون من مكونات الموروث الشعبي والشخصية التونسية. لا اعتقد أن «العلمانيين» يدافعون عن الزوايا كمعتقد بل هو موقف ضد الغلو الديني لبعض المجموعات التي وللأسف تستفيد من تغاضي وتراخي الحكومة ورموز حركة «النهضة» نظرا للتقارب الفكري بينها. إن الدفاع عن تمثال بوذا في باميان لا يعني الدفاع عن البوذية.
سنة 2009 قمت بالرد على لطفي زيتون بمناسبة مقال له عن زيارة القرضاوي لتونس بعنوان «هل تتصالح الجمهورية التونسية مع الإسلام»، كيف هي علاقتك بزيتون اليوم؟
كان مقالي ردا على ما اعتبرته مغالطة تاريخية وسياسية من طرف لطفي زيتون. مغالطة تاريخية في حق دولة الاستقلال لأنه ليس لتونس كمجتمع مشكل مع هويتها العربية الإسلامية. ثم مغالطة سياسية من خلال اعتبار استقبال الشيخ القرضاوي في تونس سنة 2008 وإحداث قناة الزيتونة يطرح إمكانية تصالح تونس مع الإسلام. في حين اعتبرتها أنا مجرد محاولة من بن علي للعب ورقة الإسلام بعد أن تهرأت شرعية الحكم وفقد كل أوراقه. لكن في الحقيقة لم تكن لي علاقة مباشرة بلطفي زيتون ولا أعرفه عن قرب وانتقدته فيما بعد باعتبار المسؤولية التي كان يتولاها في حكومة الجبالي.
هل تصالحت تونس تحت حكم «النهضة» مع الإسلام؟
أعتقد أن هذه التجربة القصيرة ل «النهضة» في الحكم بدأت تكشف لهم أن إسلام التونسيين العفوي والمنغرس في الخصوصية التونسية لا يتماشى أحيانا مع الإسلام السياسي الإيديولوجي الذي تدافع عنه الحركة والمجموعات السلفية. وخير دليل على ذلك هو خسارة الإسلاميين لورقة الحجاب بعد أن تبين أن أحزابا تصنف بكونها علمانية ويسارية تعج بالمحجبات. من جهة ثانية كان لانتشار العنف المادي واللفظي داخل المساجد دور في طرح السؤال حول حقيقة تمثيلية الإسلاميين للإسلام. هناك نوع من التعارض بين الإسلام الكلي الذي يقترحه الإسلاميون والإسلام المحلي وخاصة الشعبي منه الذي يعتمد على عفوية الإيمان وعلى نوع من الواقعية والبراغماتية الاجتماعية في التعامل مع العصر. هناك تصالح مع خصوصية الإسلام المحلي وليس مع النموذج السياسي الإسلامي الذي بدأ ينفره التونسيون بشهادة عبد الفتاح مورو نفسه.
ما موقفك من عودة الإتحاد العام التونسي للطلبة –الجناح الطلابي ل «النهضة»- للنشاط داخل الجامعة التونسية؟
من حق هذه المنظمة أن تنشط في إطار التعددية النقابية وبعيدا عن العنف وليس في إطار امتداد حزبي داخل الجامعة مهمته تعنيف الخصوم.
ما سر هجومك المستمر على «النهضة»، ألا ترى في هذه الحركة التي زكّاها الشعب التونسي إيجابية وحيدة؟ هل أنت أذكى من التونسيين الذين اختاروها في انتخابات شفافة ونزيهة ؟
أنا لا أهاجم أحدا بل أمارس حريتي في الرأي وواجبي النقدي. قمت بذلك زمن بن علي ولا أرى مانعا للتوقف عن ذلك اليوم. أواصل نقد السلطة القائمة طالما تواصل تهديد الحريات وطالما تواصل تهديد البناء الديمقراطي. لقد تعودت على المرور مباشرة إلى جوهر الموضوع وهو السلطة القائمة.
هل تخشى من عودة الدكتاتورية في تونس؟
هناك تخوف فعلي على مسار الانتقال الديمقراطي من خلال محاولات إعادة النموذج السابق حيث تتلخص التعددية في هيمنة حزب تحيط به مجموعة من الأحزاب الكرتونية يمثل دورها في تهميش المعارضة. كما أن رهان حركة «النهضة» على وزارة الداخلية يؤشر إلى إمكانية إعادة إنتاج دولة بوليسية. لكن ثقتي في شعب أطاح ببن علي تبقى قوية رغم المخاطر كما لي ثقة كبيرة في المجتمع المدني وفي نخبة البلاد.
هل نزاهة الانتخابات القادمة مشروطة ببقاء كمال الجندوبي على رأس الهيئة المستقلة للانتخابات؟
لا يتوقف نجاح الانتخابات المقبلة على شخص ما بل على مدى استقلالية الهيكل الذي سيعمل ضمنه وهذا ما صرح به كمال الجندوبي نفسه. فهذه النزاهة مرتبطة أولا بإنهاء مسلسل العنف السياسي ثم بتحييد الإدارة وأخيرا باستقلالية فعلية لهيئة الانتخابات.
من تراه رئيسا لتونس للخمس سنوات القادمة؟
ما لا أتمناه هو أن أرى رئيسا شرفيا يتخبط في أفكاره الشعبوية. هناك عديد الوجوه الجديرة بهذا المنصب وأتمنى أن تكون نسائية مثل مية الجريبي كما هناك شخصيات أخرى مثل حمة الهمامي أو الطيب البكوش أو نجيب الشابي.
هل «نداء تونس» هو المنافس الأول ل «النهضة»؟
حسب استطلاعات الرأي هو المنافس الأول لحركة «النهضة» وهذا ما يفسر توتر مسؤوليها. ويستفيد هذا الحزب أيما استفادة من أخطاء حركة «النهضة». فعلى النهضويين أن يقتنعوا أن «نداء تونس» يستمد إشعاعه من فشلهم ومن أخطائهم.
ما موقفك من رواية الداخلية عن اغتيال رفيقك شكري بلعيد؟
هناك نقاط تدعو إلى الريبة حول مسار التحقيق بصفة عامة في هذه القضية وهذا ما أكدته هيئة الدفاع. مثل ذلك سرعة التحقيق مع الموقوفين والمرور مباشرة إلى التشخيص دون المتهم الرئيس. ثم عدم توفير حماية لشكري بلعيد رغم تقدمه بالطلب. أضف إلى ذلك تواتر المعلومات عن جهاز أمني مواز.
دعوت إلى مقاومة مواطنية؟ هل رقصة الهارلم شايك تعبير عن هذه المقاومة؟
نعم دعوت إلى مقاومة مواطنية من أجل الحريات وهي مقاومة سلمية مجتمعية ورمزية. رقصة «هارلام شيك» يجب أن نفهمها كصرخة شباب منشغل على مصير حريته ودليل ذلك أن من يواجه هذه الرقصة اليوم هم السلفيون مما يؤكد هذا الخطر. ثم هي ردة فعل على جو الاحتقان السياسي الذي لم يترك للفرح وللمتعة مكانا.
ما تقييمك لمواقف النخب الفرنسية من الوضع التونسي؟
لا توجد موقف متجانسة وهناك انتظار بصفة عامة لما ستؤول إليه تطورات الأوضاع خلال المرحلة الانتقالية. لكن في نفس الوقت هناك انشغال ببعض مظاهر العنف خاصة بعد اغتيال شكري بلعيد. ربما يوجد انطباع عام بتميز التجربة التونسية وبقدرة المجتمع على إنجاح الثورة.
ما الذي يمكن لفرنسا أن تقدمه لتونس؟
هناك المستوى الرسمي والمستوى الشعبي. أول ما يمكن أن تقوم به الجهات الرسمية هو مساعدة تونس على إلغاء ديونها مثلما فعلت مؤخرا الولايات المتحدة مع حكومة ميانمار. أما على المستوى الشعبي وخاصة على مستوى المجتمع المدني فلا بد من تواصل جسور الحوار والمساعدة في اتجاه البناء الديمقراطي.
هناك من يشكك في دور الإعلام الفرنسي بدءا ب «فرنسا 24» ويراه محرضا على «النهضة»؟ هل تشاطر هذا الرأي؟
لا أتحدث باسم «فرنسا 24» باعتباري مجرد ضيف عندهم. لكن هذه القناة هي عمومية وهيئة تحريرها مستقلة تماما كما يؤكد لي عديد صحفييها. هي تستدعي ممثلين عن «النهضة» في برامجها لكن الصحفيين لا يتحملون مسؤولية عدم قدرة هؤلاء على الإقناع. أنا انتقدت ساركوزي واليمين المتطرف والعنصرية ضد المسلمين كما انتقدت استقبال نتنياهو من طرف فرانسوا هولند وطالبت بمحاكمته عوض استقباله ولم يطلب مني يوما تعديل مداخلاتي. لقد وجهت نفس التهم إلى الصحفي مكي هلال على «البي بي سي». أراها نوعا من البرانويا من طرف «النهضة» التي ترى كل من ينتقدها عدوا لها.
هل أنت مع من يصف الإعلام التونسي ب «إعلام العار»؟
هو إعلام عار بالنسبة لحركة «النهضة» وأنصارها والمتحالفين معها. ما يسمونه «إعلام العار» لا يفوتون فرصة للظهور فيه في تناقض تام مع موقفهم. كما أن «إعلام العار» هذا هو الذي يحظى حسب استطلاعات الرأي بثقة التونسيين وخاصة منه القناة الوطنية ونشرة الأنباء ثم قناة التونسية وبرامجها السياسية. من جهة أخرى هم يمتلكون صحفا ولهم قنوات مقربة منهم. على هؤلاء أن يسائلوا أنفسهم لماذا يفضل القارئ صحف العار و«إذاعات العار» و«تلفزات العار» عليهم؟ عليهم أن يقتنعوا أن مشكلتهم مع المشاهد ومع القارئ وليست مع الإعلام. بلغة أخرى مشكلتهم مع الحرية ومع الاختلاف. لقد أصبح هذا المشاهد يرصد البرامج التلفزية لتسجيل نوادرهم أكثر من البحث عن جدية مواقفهم.
أليس غريبا أن تظل المؤسسات الإعلامية المحسوبة على النظام السابق هي نفسها اليوم قاطرة إعلام ما بعد الثورة؟
هذا هو المشهد الإعلامي الذي ورثناه ولا أرى في ذلك مشكلا. هل نتخلص من مؤسستي الإذاعة والتلفزة؟ ما حصل هو تصحيح وضع لا أكثر. بعض الفوضى الإعلامية تتحمل مسؤوليتها الحكومة التي لم تطبق المراسيم الصادرة في هذا الشأن وعطلت ولادة الهيئة التعديلية للإعلام. لكن ما يثير الاهتمام هو استنجاد حكومة الثورة بوجوه إعلامية عرفت بتخصصها في الدعاية للنظام السابق وتشويه الصحفيين الأحرار لتسيير مؤسسات إعلامية أو للمساهمة في إصلاح الإعلام. وهذا يفسر بالرغبة في وضع اليد على الإعلام أكثر من الرغبة في إصلاحه وهي مهمة الإعلاميين أولا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.