تدعى «رفيقة المبروك» وهي طبيبة في الصحة العمومية، درست وسهرت الليالي لتحقق حلمها وتعوّض عائلتها تعب وشقاء السنوات. رفيقة لم تكن تعرف ان مع مباشرتها لمهنة الطب ستنطلق رحلة المتاعب وشد الأعصاب والأرق والمرض خصوصا إن كان السبب في كل ذلك عدم تفعيل قرار يقضي بنقلتها من تالة إلى المنستير أين يقيم زوجها وعائلتها. تقول الدكتورة رفيقة والتي قدمت إلى مقرّ «التونسية» محملة بالوثائق والشهائد الطبية ان عدم تطبيق قرار»النقلة» كلفها غاليا وكان وراء تشتيت أسرتها ومرضها، مشيرة إلى أن البلاد في الوقت الذي نعاني فيه من نقص فادح في الأطباء يجبر البعض على البطالة ويضطرون إلى الحصول على أجر دون مباشرة المهنة والسبب في ذلك عدم إحترام القانون بل عدم تفعيل النقلة التي تحصلت عليها منذ 2008. وأضافت رفيقة قائلة: «بدأت العمل في تالة من ولاية القصرين، في البداية حملت معي والدتي ووالدي المسنين لأنهما في كفالتي، ولكن الظروف المناخية القاسية جعلتهما يخيّران العودة إلى مسقط رأسنا في جهة «خنيس» من ولاية المنستير. بعد سنة تمت خطبتي لشاب أصيل المنستير وبدأت التحضير للزواج على أمل ان تقع نقلتي إلى مسقط رأسي. هناك جهزت بيتي رفقة زوجي وبالقرب من عائلتي». وأضافت: «تحصلت في 10 نوفمبر 2008 على قرار يقضي بنقلتي إلى المنستير، وكانت سعادتي لا توصف إذ سأعيش كأي إمرأة تونسية في بيتي وبالقرب من زوجي وبالتالي لن أضطر إلى قطع مئات الكيلومترات للعمل بعيدا عن اسرتي، لكن فوجئت برفض مدير المستشفى تطبيق القانون بتعلة ضرورة إيجاد من يعوّضني، فإنتظرت وتحملت الظروف القاسية ولكن المدة طالت أكثر من اللازم». وقالت: «رغم الحمل وصعوبة التنقل فقد إضطررت بعد الوضع إلى حمل إبني وهو لا زال في شهره الثاني إلى تالة، هناك عانيت الأمرين ووصل الحقد ببعض العاملين معي إلى إدراجي في العمل ليلا وفي المناسبات والأعياد مثل عيد الإضحى بالرغم من ان الكثير منهم يقطن في القصرين. كنت اتسلح بالصبر على أمل ان تتحقق النقلة الموعودة وإضطررت إلى وضع إبني الرضيع في حضانة بالمنستير والإبتعاد عنه لأني لم أتمكن من رعايته بمفردي رغم انه لم يتعدّ الثمانية أشهر، لكن بسبب البعد وظروف العمل تركته». وتواصل د. رفيقة قائلة: «في اللحظات التي بدأت أفقد فيها الأمل هاتفتني الدكتورة «ل» وهي صديقة أصيلةالقصرين لتخبرني أنها ستلتحق بالعمل في مستشفى تالة، فشعرت ان حلمي سيتحقق وأني سأعود إلى مسقط رأسي وإلى بيتي وسأحتضن إبني الرضيع الذي ودعته على أمل العودة». قرارات تطبق وأخرى لا؟ «لكن مرة أخرى تعنّت مدير المستشفى آنذاك ورفض قرار التعويض بتعلة ان الدكتورة الجديدة جاءت في إطار تربص الإعداد للحياة المهنية وشعرت ساعتها ان مسألة النقلة لا تخلو من مصالح وحسابات ضيقة وتجاوزات وتعقيدات كبيرة، ثم تحولت شكوكي إلى يقين عندما نقل زميل معي يدعى «م» من نفس المستشفى إلى قفصة وقد تم قبول تعويضه بنفس الدكتورة المتربصة في حين رفض مطلبي. «رفضت حمل أي اثاث إلى البيت الذي إستأجرته في تالة على أمل ان النقلة آتية لا محالة، كنت أفترش الأرض وأكتفي بالقليل من الأدباش وبعد عدة محاولات يائسة ونظرا لصعوبة ظروف إقامتي بعيدا عن أسرتي، بدأت أفقد الأمل فوعود المسؤولين كثيرة ولكن التسويفات التي واجهتها من المديرين والإطارات في وزارة الصحة كانت أكبر والغريب انه حصلت نقلتان لزميلتين من القصرين إلى تونس الكبرى وتضمن ملف إحداهما أن والدتها مريضة فهل أن الشهائد الطبية التي قدمتها لا تفي بالغرض ام ان وضعي الإنساني لا يستحق الشفقة وهل ان القانون يطبق في حالات ولا يطبق في أخرى؟». رغم النقص فالنقلة لم تفعّل؟ وتواصل د. رفيقة سرد قصتها قائلة: «إضطررت إلى تقديم شكوى إلى المحكمة الإدارية على أمل إنصافي رغم أني لازلت في إنتظار الحكم ولكن من المضحكات المبكيات ان التعلات المقدمة من قبل وزارة الصحة هي ان المنطقة الصحية المراد النقلة منها تعد من المناطق الصحية ذات الأولوية والتي يجب تدعيمها بمزيد الإطارات رغم أنه تم مؤخرا إلحاق 52 طبيبا إلى الجهة أفلا يعد هذا كافيا؟... بل أكثر من ذلك ومن خلال زياراتي المتكررة إلى الإدارة الجهوية للصحة بالمنستير فقد وجدت ترحيبا بقدومي واكتشفت أن لديهم نقصا بنحو 12 طبيبا بسبب إحالة بعض الأطباء على التقاعد وأنا متأكدة من أن قرارا أوكلمة واحدة من وزارة الصحة تكفي لإلحاقي بالعمل بالمنستير وإنهاء معاناتي مع العلم اني دخلت منذ سنتين في إجازات مرضية لأن وضعي النفسي تأزم كثيرا. فقد تعرضت إبان الثورة إلى إعتداءات بالعنف من قبل بعض الوافدين على مستشفى تالة وتقدمت بشكوى ولم تتوفر لنا الحماية وساءت ظروفي الصحية واليوم بالرغم من أني أتقاضى راتبي كاملا وأتحصل على جميع مستحقاتي من منح وإمتيازات فإنني أريد أن أنفع بلادي واقدم خبرتي المتواضعة فأنا درست الطب لأمارس مهنتي لا أن أبقى عاطلة عن العمل سجينة 4 جدران». وتضيف محدثتنا: «لدي امل في تونس ما بعد الثورة وأطلب من السيد عبد اللطيف المكي وزير الصحة الإطلاع على ملفي وتطبيق القانون لتفعيل القرار الصادر منذ 2008 وان يتم حسم المسألة لأنها طالت بما فيه الكفاية وقد مللت وعود المسؤولين التي لا تطبق وأريد تغليب المصلحة الوطنية فأنا لا أباشر المهنة في تالة وحاليا انا عاطلة عن العمل في المنستير رغم أنني اتقاضى مرتبا لكني أقول للسيد الوزير أنني أريد أن «أحلّل فلوسي».