إني رغم مهنة الطب التي أتعاطاها منذ أربعين سنة، لا أدّعي القدرة على إثبات كل الأخطاء الطبية، كما أني لا أجرأ على التطفل على مهنة المحاماة، ولكن باستطاعتي وهو من أوكد واجباتي أن أتدخل للإدلاء برأي متواضع بصفتي طبيب وبحكم نشاطي السابق كرئيس لمجلس عمادة الأطباء بسوسة. من المعروف أولا أنه لا يمكن مقاضاة متّهم بجناية بلا تواجد لسان دفاع. وأنه في حال عدم قدرة المتهم على تحمّل تكاليف المحاماة فإن السلطة القضائية تسخر له من يتولى الدفاع عنه. مع الأسف الشديد وفي موضوع الأخطاء الطبية لقد لاحظت أن منشطة برنامج «الحقيقة» أهملت هذا الاجراء ومضت قدما بتعنّت بغيض في إعداد البرنامج وبثه منقوصا من حضور طرف أساسي في القضية وهو وزارة الصحة العمومية التي هي متّهمة وفي نفس الوقت موكول إليها مهمة الدفاع عن نفسها وعن موظفيها الأطباء في موضوع الأخطاء الطبية. وبتعنّتك سيدتي، وبتعمّدك تجاهل هذا الطلب الأساسي، أفرغت برنامجك من محتواه وأفقدته الجدوى المنتظرة والمتمثلة في إظهار الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه. كان عليك سيدتي، بعد أن تلقيت ردّ وزارة الصحة العمومية بإرجاء مشاركتي في البرنامج لأسباب فنية تجهلينها أنت، كان عليك أن تبذلي قليلا من الاجتهاد بتوجيه الدعوة إلى أهل الاختصاص وهم الأطباء وبصفة عامة والمختصين في الطب الشرعي بصفة خاصة أو من ينوبهم في عمادة الأطباء، لتوضيح الرؤى في موضوع شائك جدا. وكان من اللائق أيضا أن تتلطّفي في كلامك وأن لا تسيئي إلى مؤسساتنا الاستشفائية التي ما فتئ أطباؤها وممرضوها وأعوانها يقومون بواجباتهم المهنية في ظروف صعبة بحكم ثورتنا المجيدة متعرضين في بعض الأحيان إلى خطر الموت ومتحملين بصبر كبير جميع أنواع الاستفزاز والشتم وحتى الاعتداء الجسدي. وإن ما ادّعيته من أن المرضى يدخلون مستشفياتنا أحياء فيخرجون منها أمواتا، ادعاء خطير يضرّ بسمعة مؤسساتنا وسمعة تونس كقطب صحي أصبح يؤمه الكثير من المرضى الأجانب في السنوات القليلة الماضية. وهو ادّعاء باطل إلى أن يثبت ما يخالف ذلك وادّعاء غريب ممن يفترض انتماؤه لأهل العلم والثقافة. وكأني وأنا أستمع إلى أطروحاتك، أنصت إلى خطاب أحد الأحزاب السياسية تتعاطفين معه أو قد تنتمين إليه، أو إلى خطاب أمينة عامة لحزب جديد يسعى لاقتلاع مكان ما ضمن قائمة المائة حزب وما فوق المتواجدة حاليا على الساحة السياسية. إن كان حقيقة فهو شأن مشروع يهمّك، ولكن اعلمي سيدتي أن الثورة التونسية ليست صراخا وشتما وتعنتا إنما هي ثورة كرامة وتسامح ولين، إنها ثورة ياسمين، ترمي من بين ما ترمي إليه تهذيب الأخلاق وتدعيم مكونات السلوك الحضاري والدفاع عن القيم الانسانية النبيلة. سيدتي، لا أخفي عليك أني لم أتابع إلا جزءا صغيرا من برنامجك الأخير وقد خيّرت حينها الانتقال إلى قناة تونس 1 وتمتعت فيها بمشاهدة المطربة نجاة عطية وهي تتغنى: آش درت لك، خليني! ولسان حالي الآن يقول: آش درت لك، لزيتني،، باش نتكلّم الدكتور عبد الحميد الجربي (رئيس مجلس عمادة الأطباء بسوسة سابقا)