تزايدت في الآونة الأخيرة عمليات الغش في بعض مواد الاستهلاك وصلت الى حد تهديد المواطن في حياته , فقد اثارت قضية العثور على لحوم الحمير في احد مسالخ الجمهورية واكتشاف مياه مخالفة للمواصفات الصحية وسجائر مسمومة لغطا وجدلا واسعين في الاوساط الاجتماعية وخلقت جوا مشحونا بين البائع والزبون وحالة من عدم الثقة , فسارع البعض الى كيل التهم الى الحكومة والتساؤل عن دور المراقبة وتعالت الاصوات المنادية بتوجيه ضربات الى اباطرة الغش التجاري وتشديد الخناق عليهم لتامين حياة التونسي والمساهمة في تحريك عجلة اقتصادنا السائر على عكاز مكسور. «التونسية» نزلت الى الشارع وتحسست آراء المواطنين في الموضوع واتصلت بكل الاطراف المعنية بالموضوع وخرجت بالتحقيق التالي: اشتكى «علي المروكي» من الارتفاع الصاروخي لاسعار المواد الغذائية، مبديا تخوفه الشديد على صحة ابنائه وعائلته بعد ما أسماه غزو المواد المغشوشة للاسواق والمحلات التجارية على غرار «الصلامي» والمياه المعلبة والسجائر المسمومة قائلا : «الغلاء والكوا وزيد سلعة مضروبة ...» من جانبها اوضحت غفران ان المواطن لم يعد يهتم بصحته ويقبل على اقتناء بعض المواد الغذائية مجهولة المصدر مضيفة ان التونسي اصبح يبحث عن المواد الاقل سعرا نظرا للظروف المادية الصعبة التي يعيشها خاصة «الزوالي» و«بوالعايلة» . وألقت غفران باللائمة على الحكومة الحالية المتساهلة مع المارقين عن القانون والمتاجرين بصحة التونسي على حد قولها , داعية اياها الى اتخاذ اجراءات صارمة ضد كل من تخول له نفسه الحاق الضرر بغيره, كما طلبت من الحكومة مراعاة المقدرة الشرائية للمواطن المثقل بالديون والمحاصر بطلبات ابنائه وزوجته, بالعمل على التخفيض في اسعار المواد الغذائية حتى يتسنى للجميع اقتناءها وحتى تكون تونس بلدا يطيب فيه العيش . تقصير حكومي من جهته دعا «محمد» (موظف) الحكومة الى وضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار , قائلا : «يجب ان تضع الحكومة نصب اعينها صحة المواطن ... ما ذنب المواطن ؟...» , كما وجه انتقادات الى بعض المسؤولين متهما اياهم بالتنكر لوعودهم ابان الحملة الانتخابية , مضيفا : « يبدو ان سحر الكرسي جعل البعض منهم يتناسى ان هناك نفوسا تتألم ولا تتكلم ... رفقا بنا فان الكراسي لا تدوم». اما «احمد» ( متقاعد ) فقد ابدى استياءه الكبير من انتشار ظاهرة الغش في المواد الغذائية مرجعا سبب ذلك الى فقدان الدولة لهيبتها , والتساهل الحكومي مع بعض من وصفهم بالمجرمين . واوضحت «نورهان» ان صحة المواطن باتت في الميزان وتستدعي التحرك السريع لتطويق ظاهرة الغش، واصفة اياها بالجريمة النكراء بحق التونسي ودعت الحكومة الى اخذ مخاطر هذه الظاهرة على محمل الجد, منتقدة ما قالت انها سياسة لامبالاة وتقصير حكومي تجاه هذه الجريمة , مضيفة : «الحكم ليس مجرد كرسي واقوال فقط, بل هو افعال وانجازات ...» أين الرقابة , اين الدولة ؟ وأعرب عدد من المواطنين الذين التقتهم «التونسية» عن استيائهم من غياب الدور الرقابي الجدّي على الأغذية والمواد الاستهلاكية التي يتعامل معها المواطن بشكل يومي , متهمين القائمين على الرقابة الصحية بالتقصير في أداء المهام الموكلة إليهم وعدم الاكتراث بصحة المستهلك , على غرار «شيماء» التي تحدثت عن تقاعس رجال المراقبة الاقتصادية متهمة بعضهم بالارتشاء مقابل ترك «الغشاشين» وشأنهم , موضحة انها من بين ضحايا المياه المغشوشة , واستطردت: «لقد تكبدت عناء عملية غسيل معدة بسبب وعكة صحية سببها مياه غير صالحة للاستهلاك , يجب عليهم مراعاة مصلحة المواطن ... وتحكيم ضمائرهم...» ومن جانبها قالت «هادية» إن المطلوب تشديد الرقابة الصحية على الأغذية والقيام بحملات ميدانية دورية على المخازن التابعة للشركات والمراكز والمجمعات التجارية للوقوف على طرق التصنيع والتخزين ومنع عمليات التلاعب بتواريخ صلوحية المنتجات والمتاجرة بصحة المواطنين. أما «سامي» فقد انتقد تحول بعض المنازل والغرف في عدد من الاحياء الى مخازن للمواد الغذائية لافتا إلى أن ذلك يتسبب في تلفها بسبب سوء ظروف وطول مدة التخزين وغياب الرقابة عن تلك المخازن غير المعتمدة أو المطابقة للمعايير الصحية. اما «خولة» فقد اشارت الى أن ما يجري الآن مخالف لأعراف أسواقنا وتقاليدها، وانه يثير العديد من الأسئلة حول الأسباب التي تقف وراء ذلك وعن دور الدولة في هذا الصدد متسائلة : «اين الدولة ؟ ...» هل نحن حقا مواطنون ؟ انتشر نبأ العثور على لحم الحمير في مسلخ باحد الولايات واعتماده لصنع «الصلامي» كالنار في الهشيم , مما اثار حفيظة وسخط فئة كبيرة من المواطنين الذين عبروا عن تخوفهم من اقتناء بعض المواد , على غرار «صفاء» التي صبت جام غضبها على فرق المراقبة الاقتصادية , مضيفة ان انتشار بعض السلع المشبوهة دليل على استهتار الحكومة وفرق المراقبة بصحة التونسي , فيما تساءل «عادل : «هل نحن حقا مواطنون أم مجرد أفراد يشعرون بالانتماء لهذا الوطن؟ ...» كما استنكر شق آخر من المستجوبين تجاهل الحكومة وحالة التردي التي يعيشها التونسي نتيجة لتخاذل المسؤولين، مشيرين الى ان حياة المواطنين اصبحت رخيصة بعد انشغال المسؤولين والسياسيين بالمهاترات والمصالح الشخصية معربين عن أسفهم لحالة المعاناة والخطر المحدق بصحة التونسي وفي هذا الصدد تساءلت «ليليا» «ألهذا الحد اصبحت حياة التونسي رخيصة ؟ انه امر مؤسف حقا , لقد اصبحت اخشى على حياة اخي باعتباره يستهلك الكثير من «الصلامي» يوميا ... ما الحل ؟ ...» تفنن في الغش أوضح «محمد الرابحي» مدير ادارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بوزارة الصحة انه يجب التفريق بين التجارة المنظمة والتجارة العشوائية مشيرا الى ان الأولى تخضع لشروط صارمة وان السلع والمواد الغذائية تمر عبر المسالك القانونية وتخضع للتحليل والمراقبة , اما الثانية فتكون عن طريق المسالك التجارية الموازية والتي تعتمد اساسا على التهريب وهي بعيدة عن اعين المراقبة وتزدهر بالاساس في المناطق الحدودية . وأشار الرابحي الى ان بعض التجار اصبحوا يتفننون في الغش بعد الثورة مستغلين تدهور الوضع الامني وضعف الجهاز الرقابي. كما طمأن المواطنين على صحتهم مبرزا ان وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة الفلاحة بدأت بتكثيف الحملات على المسالخ للايقاع بكل المخالفين والمارقين عن القانون , موضحا ان الدور الرقابي من مشمولات وزارة الفلاحة في مرحلة اولى ثم يأتي دور وزارة الصحة في مرحلة ثانية والتي تأخذ على عاتقها مهمة تشديد الرقابة على نقاط البيع بالجملة ومحلات بيع اللحوم ( الجزارة ) . كما عبر الرابحي عن اندهاشه من بروز ظاهرة الغش في المياه المعدنية , قائلا : «لم أكن اتصور يوما ان تبرز هذه الظاهرة ...» كاشفا انه وقع تطويق ازمة المياه المعلبة غير الصالحة للاستهلاك من خلال منع دخولها الى الاسواق الكبرى , قائلا : «لقد تم توزيع بعض المياه المغشوشة في بعض الاحياء الشعبية فقط ولم تتوسع ....» واعلن الرابحي ان المياه المعلبة اصبحت تحظى باهتمام متزايد من قبل لجان المراقبة صلب وزارة الصحة خاصة بعد بروز ظاهرة التحيل , قائلا : «مراقبة المياه باتت من الاولويات المطلقة ... وتتمثل في اخذ عينات من المياه المعلبة واخضاعها للتحليل قبل توزيعها في الاسواق ...» التشهير بالمتحيلين ومن جانبه كشف «سليم سعد الله» رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عن وجود عدة مواد طالتها ايادي المتحيلين على غرار مواد التجميل والتنظيف , والسلع الاستهلاكية , واستغرب من عرض المواد الحساسة للبيع على قارعة الطريق ... ورأى سعد الله ان سياسة التشهير من انجع طرق مكافحة الغش في المواد الغذائية , وأشاد بالدور الذي تلعبه وسائل الاعلام من خلال فضح بعض التجاوزات اللااخلاقية التي يرتكبها بعض المتاجرين بارواح البشر , قائلا: «سعى الى ترشيد استهلاك المواطن وانارة الراي العام من خلال وسائل الاعلام ...» تجريم التهريب والاحتكار والغش واعلن سعد الله ان منظمة الدفاع عن المستهلك ستطلق حملة لمراقبة المياه المعلبة تنطلق اواخر الشهر الجاري وتمتد الى اواخر فصل الصيف لمصادرة المياه غير الصالحة للاستهلاك ولوقاية المواطن من مخاطرها , وفرض اجراءات صارمة للحفاظ على صحة المواطن من خلال منع بيع قوارير المياه على قارعة الطريق اوتحت اشعة الشمس. كما اوضح سعد الله ان المنظمة ستجلس الى طاولة المفاوضات مع غرف المياه المعدنية والمشروبات الغازية قصد التوصل الى سن قانون يقضي بتغليف قوارير المياه بعلب كرتونية عوض الاكياس البلاستيكية لضمان عدم تعرضها الى اشعة الشمس . وناشد رئيس المنظمة وزارات الصحة والداخلية والتجارة مساندة المنظمة في انجاح هذه الخطوة ضمانا لسلامة المستهلكين . واقترح سعد الله سن قانون يجرم كل عمليات الغش والتهريب والاحتكار , قائلا : «سيعطي هذا المقترح اكله اذا تم العمل به , فلا يعقل الاكتفاء بمخالفة مالية , والحال ان صنيعه يعرض حياة المئات الى الخطر ...» زيارات فجئية من جهته ارجع محمد الولهازي عون تراتيب بلدية سبب تفشي ظاهرة الغش في المواد الغذائية الى الغياب التام لجهاز الشرطة البلدية الذي اوكلت له مهام امنية عوضا عن مهمته الاصلية المتمثلة في مراقبة المحلات المختصة في بيع المواد الغذائية وغيرها , مضيفا ان غياب الاجراءات الوقائية التي تحمي عون المراقبة عند القيام بمهامه أفقد العمل الرقابي نجاعته وخلق جوا من الاحباط في صفوف اعوان المراقبة الذين يتعرضون الى الاعتداءات والانتهاكات خلال جولاتهم التفقدية . وأشار الولهازي الى ان بعض اصحاب المحلات يغتنمون فرصة غياب المراقبة الصحية لفعل ما يشاؤون بلا رقيب و لا حسيب , مقترحا تكثيف الرقابة على المحلات التجارية و القيام بزيارات فجئية للتصدي لهذه الظاهرة التي تشكل خطرا على صحة المواطن التونسي .