مازلنا مجبرين على التعاطي إعلاميا مع ما تعيشه مدينة بنزرت من تطوّرات مؤلمة ومؤسفة في الساعات القليلة الفارطة بعد قرار الرابطة المحترفة لكرة القدم تأهيل الإفريقي إلى مرحلة البلاي أوف على حساب النادي البنزرتي... تطوّرات بدأت بغليان وحالة احتقان كبيرين في الشارع البنزرتي وانتهت إلى مواجهات بين المواطنين ورجال الأمن واعتداءات متكرّرة على الممتلكات الخاصة والعامة قبل أن تجد رئاسة الحكومة نفسها ملزمة على الدخول على سير الأحداث للحيلولة دون تأزّم الوضع أكثر ممّا هو عليه الآن خاصة بعد ما حدث في واقعة العلم... الوضع أصبح خارجا عن السيطرة والأمر لم يعد مقتصرا على ميدان الكرة فالشارع ملاذ الغاضبين حوّل بنزرت إلى فوهة بركان قابلة للانفجار بين الفينة والأخرى ووقود التصريحات الحامية تسرّب إلى أزقّة بنزرت بأكملها بشكل جعل ألسنة اللهب المتصاعدة هنا وهناك تفلت من قبضة العقلاء ويصير المشهد أكثر قتامة ممّا ذهب إليه أكثر المتشائمين سيّما بعد دخول جبهة جديدة من الرافضين والمارقين على القانون تتبنّى نفس النهج ونعني فلسفة الحرائق والاحتراق فيما بات يعرف في تونس الحديثة بجنّة الموت... العنف ذلك الغول الذي عبث وفعل مثلما اشتهى وأراد بكرة القدم التونسية في السنتين الأخيرتين ازداد تغوّلا وجبروتا وصار قانونا خاصّا يشرّع لدولة اللادولة ويبني لمنظومة «الغاب» وتنتفي بالتالي معه كلّ مقوّمات الدولة بمؤسساتها وهياكلها ونواميسها وتشريعاتها... أمام هذا الوضع المتأزّم وفي محاولة بائسة لتطويق رقعة الاحتجاجات والاشتباكات لم يجد ساساتنا أفضل من التدثّر ب«كليشيات» الماضي والاستنجاد بحكمة من سبقوهم ومسايرة الفوضى بفوضى أكثر تنظيما وعقلانية... المخرج الذي ينشده كثيرون ولا ربمّا الجميع هو تنويم آلام البنزرتية إلى حين من خلال التعديّ على سمعة الهياكل الرياضية وعلى روح القوانين وهذا ما نرفضه رغم اقتناعنا بحقّ جماهير البنزرتي في الدفاع عن راية فريقهم لكن دون المساس بحرمة العلم التونسي... قرار إسعاف النادي البنزرتي وإلحاقه بمرحلة البلاي سيخمد نيران الاحتجاجات المتصاعدة في بنزرت لكنه سيشرّع لمعركة جديدة ولكن بعناوين مغايرة والشارع الذي قد يعيد إلى بنزرت حقّها المسلوب قد يقي هو الآخر «القفاصة» شبح النزول وقد يعيد الأمل لجماهير «الأمل» بتمديد الإقامة ضمن كبار القوم فالقانون لم يعد هو سيّد التشريعات وما عجزت عن تحقيقه الأقدام تستردّه آهات الشارع وما ضاع حقّ وراءه «ثائر»... نحن ندرك جيّدا حساسية الظرف وطبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد ونعي تمام الاقتناع بأنّ مسايرة الفوضى بحكمة «النعام» قد يكون في كثير من الأحيان أكثر جدوى وفعالية لكن كلّ لا هذا لا يبيح التعديّ على ما تبقّى من هيبة هذه الدولة وما تبقّى من شموخها وإذا ما كان لزاما علينا الإقرار بوجاهة المطالب «البنزرتية» فإنّه أولى بنا إيقاف المهزلة برمّتها دون المساس بحرمة الناس أوانتهاك القانون وأفضل الطبّ الكيّ... والبطولة التي ستبني لعجزنا لاحقا والتي ستكشف وهن مؤسساتنا لا طائل يرجى من ورائها... القانون قال كلمته والنادي البنزرتي من حقّه الاستئناف ونقض قرار الرابطة والتظلّم لدى «الكناس» وليس في الشارع وأيّ شيء غير هذا يعني خراب ما تبقّى في هذا البلد...وإذا ما استحال الأمر فلا مناص سوى تجميد نشاط هذه البطولة أو إلغائها برمّتها لإيقاف هذه المهزلة التي لا تشرّف كلّ تونسي يحترم راية بلده قبل أن يصبح لكل مواطن الحق في «البلاي أوف» ...