انطلقت الخميس الماضي فعاليات ملتقى المبدعات العربيات بأحد فنادق مدينة سوسة في غياب تام للرسميين. ولئن تأسف البعض من هذا الغياب خوفا من اعتباره مؤشرا على قطع السلطة لكل أشكال الدعم لهذه التظاهرة وشبيهاتها، فإن آخرين إعتبروا هذا الغياب مكسبا حققته الثورة بعد أن عانى الملتقى سنوات طويلة من تدخل السياسي حتى في إختيار الموضوع والضيوف من تونس وخارجها... وكنا نشرنا –قبل فترة- على لسان مديرة الملتقى الأستاذة نجوى المنستيري الشريف أن وزارة المرأة وعدت بدعم مالي(2000د) ولكن الوعد بقي معلقا في الهواء ولم يصل أي مليم للملتقى الذي إنطلق وحسابه البنكي في مستوى الصفر في انتظار انفراج الأمور بشكل نسبي مع وصول دعم المندوبية الجهوية للثقافة بسوسة. أما بلدية سوسة فيبدو أن مشاغلها غير ثقافية وهي في كل الحالات غير بيئية ما دامت أكوام القمامة في كل نهج وزقاق وحتى في بعض الشوارع الرئيسية ولا ندري صدقا ما هي أولويات المجلس البلدي الموقر، ولا يحتاج زائر مدينة سوسة لذكاء خارق لينتبه إلى «حزن» جوهرة الساحل التي كانت أجمل المدن المتوسطية فإذا بها اليوم تئن تحت الإهمال الرسمي والفوضى التي تسود مختلف الفضاءات العامة ... أما ولاية سوسة فأعلنت موقفها منذ العام الماضي «ما عناش فلوس للجمعيات الثقافية» ولم يتغير الوضع كثيرا بتغيير الوالي وإكتفت الولاية بتسخير حافلة لنقل ضيوف الملتقى... ودون مبالغات فإن ملتقى المبدعات العربيات الذي أصبح موعدا عربيا له قيمته مهدد بالإندثار خاصة إذا تأكد إنسحاب رئيسة الجمعية ومديرة الملتقى الأستاذة نجوى المنستيري الشريف بعد أكثر من عشر سنوات في إدارة الملتقى، وإن تأكد هذا الإنسحاب فهي خسارة فادحة دون شك ... وقد علمت «التونسية» أن هذه الدورة ما كانت لتنعقد لو لم تحصل جمعية المبدعات العربيات على دعم من دولة الكويت قدره خمسة آلاف دولار. ومع تقديرنا لإخوتنا في الكويت فإنه لا شيء يبرر ان يلجأ ملتقى في قيمة المبدعات العربيات إلى «المعونة» الخارجية والحال أن سوسة تزخر بالمؤسسات الاقتصادية والسياحية ولا يعقل ان تترك هذه التظاهرة تواجه مصيرها وحيدة وكأنها تعبر صحراء قاحلة عدى دعم وزارة الثقافة التي لا يمكن أن تكون الجهة الوحيدة الداعمة للتظاهرات الثقافية إلا إذا كان الهدف الخفي هو قبر ملتقى المبدعات العربيات. وقد تحدث أكثر من متدخل عمّا وصف ب«كارثة» تخفيض ميزانية وزارة الثقافة من طرف حكومة الثورة وإعتبروا الخطوة غير محسوبة العواقب أمام تنامي تيارات التشدّد الديني التي تحاول الهيمنة التامة على المجال العمومي . غيابات اكثر من العادة سجلتها هذه الدورة فالمصري أحمد الشهاوي تعذر عليه القدوم بعد أن هرب له «تاكسيست» بحقيبته أمام المطار ، كما تغيبت لويز عبد الكريم من سوريا ووطفى حمادي من لبنان وتغيب رضا عطية إسكندر بسبب عدم تمكنه من الحصول على التأشيرة من سفارتنا بالقاهرة. غياب آخر من تونس هذه المرة ويتعلق بالزميلة نعيمة الشرميطي التي فاجأت المنظمين بتغيبها دون أي إعتذار مسبق أو تفسير لاحق، كما إعتذرت رجاء العودي في الوقت بدل الضائع بتعلة إنشغالها بشهر التراث. كل هذه الغيابات أثرت نسبيا على توازن البرمجة في ملتقى المبدعات العربيات في يومه الأول... غياب آخر لافت للإنتباه يهم الجمهور الذي كان يملأ القاعة في السابق بمناسبة حضور السيد الوزير والسيد الوالي والسيد كاتب عام لجنة التنسيق الحزبي، كما أن غياب الطلبة الذين تعج بهم سوسة في إختصاصات الآداب واللغات والفنون الجميلة بدا للكثيرين أمرا غير مبرّر... ومع ذلك، حضر أصدقاء الملتقى وساهموا في النقاش بعد محاضرات متفاوتة المستويات... الجزائرية أنيسة الداودي الحائزة على الدكتوراه في اللسانيات والتي تدرس بجامعة برمنغهام والمقيمة بأنقلترا منذ أكثر من عشرين عاما قدمت مداخلة عن اللغة العربية الإلكترونية التي انتجت ادبا جديدا من مميزاته اللغة البسيطة. أمّا مواضيعه فتتراوح بين الزواج والجنس والسياسة ونقد العقلية التقليدية ، وهي مواضيع واقعية تعبر عن تغيرات المجتمع نتيجة الثورة التكنولوجية. كما غيرت العربية الإلكترونية مفهوم الأدب وانتجت جماليات جديدة تتميز بالكثافة والإنسيابية والتركيز على الفكرة الواحدة وعلى البطل والبساطة والإقتصاد وضيق الأفق الذي يربطه صبري حافظ بالعمران الجديد فالأدب في النهاية إبن مكانه وجغرافيته. واضافت الجزائرية الداودي ان اللغة العربية الإلكترونية اعطت للفئات المهمشة وخاصة المرأة والشباب صوتا، وقطعت مع الموروث اللغوي من قبيل مفردات: حرمة، عورة، شرف، حرام، حلال،ناقصات عقل... كما قطعت اللغة العربية الإلكترونية مع صورة المثقف الملتصقة بالمجتمع الأبوي ومع مفهوم الشريعة وسمحت بالتخاطب المحلي والكوني ، بطبيعة الحال لم يعجب هذا التحليل بعض المتمسكين بتلابيب الهوية المرتعشين من كل خطاب يشوش على سكينتهم، ويبدو انه كلما برز خطاب الهوية عكس ترديا حضاريا وثقافيا في ذلك البلد ... بصراحة أنا لم أسمع أمريكيا يسأل من نحن أو ما هي هويتنا أو أن هذا الفيلم يهدد ديننا-والشعب الأمريكي أكثر الشعوب تدينا- أو هويتنا، أما نحن فمنشغلون بهذه القضايا التي لا تنتج الشيء الكثير ... أما سعاد بن سليمان الكاتبة الصحفية والممثلة المسرحية فقد سألت «من نحن عبر تكنولوجيات الإتصال الحديثة؟» وعلقت قائلة «مرة اخرى توضع المرأة تحت المجهر وكأنها كائن مختبري» وخلصت إلى ان المرأة ليست واحدة بل توجد نساء متعددات مختلفات لكل خصوصيتها. وقدمت سعاد بن سليمان نماذج من اعمال مسرحية وظفت فيها التكنولوجيات الحديثة من بينها مسرحية «الفايسبوك» لمسرح «فو» للثنائي منصف الصايم ورجاء بن عمار وتجربة الفلسطينية كاميليا جبران بعيدا عن فرقة صابرين ، وتجربة الأخوين سفيان وسلمى ويسي في الرقص المعاصر باعتماد شاشة السكايب التي تختصر المسافات بين باريس وتونس ...