جيهان لغماري في خطّيْن متوازييْن، اشتعلت نار الخلافات حول مشروع الدستور ونزلت ألغام الشعانبي إلى أسفل سفحه حيث الأحياء السكنيّة. طبعا ليس المقصود الإشارة الى هذا والتلازم بين مسلسل الدستور وكهوف الشعانبي البحث عن نظريّة المؤامرة أو اتهام أيّ طرف بقدر ما هو تأكيد على تأكيد قصور الطبقة السياسية عن فهم طبيعة المرحلة ومتطلّباتها. فإلى جانب المعالجة الأمنية العاجلة والتي تتكفّل بها قواتنا الباسلة بكلّ وطنية وتضحية بأرواح أبطالها فداء للبلاد والعباد، فإنّ الحلّ الجذري هو سياسي بامتياز بل إنه السبيل الوحيد في المدى العاجل والآجل لاستئصال كهوف الإرهاب. فلا أحد سيجرؤ على العنف إذا ما وصلت رسالة سياسية واضحة مفادها أنّ الدولة قويّة وأنّ الخلافات التي تحدث بين مكوّنات مشهدها السياسي هي علامات صحية على عزم الجميع على تمكين دولة الثورة من أسباب القوة والديمومة لا نقاط ضعف أو انحلال قد تزيد في أطماع الإرهابيين للمرور إلى مراحل أخطر وأكبر في عملياتهم القذرة. لكن مع الأسف مازال سياسيونا بعيدين عن تحديد خطوط ملعب المنافَسة وقوانينه الملزمة لكل الأطراف مما جعل محرار الاحتقان يشتعل باللون الأحمر وهي فرصة ثمينة لأصحاب المشاريع«التفجيرية». كما أنّ عدم التعوّد على «أوكسيجان» حرية التعبير ساهم في هذه الفوضى والغموض وخاصة في استرجاع أغلبية المواطنين لفوبيا الخوف وهو الحاجز الذي خلناه قد كسر نهائيا بعد ثورة 17 ديسمبر. ومن علامات هذه «السكيزوفرينيا» السياسية هذا الخطاب المتناقض، أنْ ينادي كل السّاسة من يمينهم إلى يسارهم بأمن جمهوري خارج التجاذبات الحزبية وبجيش جمهوري مهمته الذود عن حمى الوطن وفي نفس الوقت يخرج علينا سياسيّ ليطالب بتغيير في قيادات الجيش! وهو أمر خطير لأنه يفتح الباب لبقية السياسيين على الأقل نظريا كي يقيموا المجالس والاجتماعات لاقتراح الأسماء فهذا نقبله وذاك نرفضه وعندها عن أية مؤسسة أمنية أو عسكرية جمهورية سنتحدث؟ صحيح أنّ القرار الأمني سياسي ولكن له مؤسساته المعروفة وأساسا لمن يتحمّل منصبا رسميا في الدولة مع ضرورة احترام واجب التحفّظ وإلا أصبحت قرارات التعيين أو التغيير تناقش في الملاعب والمقاهي وكأنّ الحديث يدور حول أثمان لاعبي كرة في مزاد التنقّلات. لقد آن الأوان ليرتفع سياسيونا إلى مستوى اللحظة التاريخية الفارقة التي تعيشها البلاد وذلك بالعمل الصادق على إرساء توافق حقيقي يوجّه رسالة واضحة للإرهابيين بأنّ الدستور الذي يُكْتَبُ الآن في باردو بفصوله وقوانينه سيكون أيضا دستور الشعانبي!.