«أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما»...قولة تختزل قيمة «أبو الفنون» في صنع الفوارق بين الشعوب وبين العقول وأيضا دوره الهام في تنشئة الأجيال الواعية القادرة على التفكير والتغيير. وتقديرا لمساهمة المسرح المدرسي في تنمية الحس الفكري والمعرفي والفني... لدى أطفال اليوم ورجال الغد, نظم مساء اول امس المسرح الوطني بالاشتراك مع راديو المسرح تظاهرة «يوم المسرح المدرسي» بحضور وزيري الثقافة والتربية مهدي مبروك وسالم الأبيض. وقد احتضنت هذه التظاهرة المسرحية قاعة الفن الرابع بالعاصمة وسط حضور كثيف جمع بين أرباب المسرح والأولياء والأطفال... لمسات وفاء, تكريمات للقامات ,لفتات إلى الهامات,باقات من الورود والعروض ...أثثت فقرات أمسية الاحتفال بيوم المسرح المدرسي .أمسية مثلت همزة وصل بين الأحفاد والأجداد بجمعها بين أكثر من جيل وأكثر من مدرسة مسرحية.... بذور الإبداع في يوم المسرح المدرسي تم الاحتفاء بالمسرحيين الصغار وبمبدعي الفن الرابع من أطفال وشباب الغد بعرض عدد من المسرحيات المدرسية المتميزة والتي حصدت جوائز مشرفة في المحافل المسرحية. فاستمتع الجمهور بعرض «النخلة تمضي إلى الجنوب» للمدرسة الابتدائية حي الزهور الرابع وبمسرحية « سنفونية الخوف» التي لعب أدوارها أطفال المدرسة الإعدادية علي البلهوان صفاقس 1.وكذلك تفاعل المتفرجون مع مسرحية «بذور المحبة» من إعداد المدرسة الإعدادية الطاهر الحداد بن عروس . كما صفق الحضور طويلا لمسرحية « أحدب العمران» من إبداع معهد الفنون العمران تونس 1. أيضا تذوق عشاق الفن الرابع روعة عرض مسرحية « كوميديا دون جوان» المشروع المسرحي لباكالوريا فنون. هذه العروض المسرحية بشرت بجيل مشرق للفن الرابع يمتلك البذور الأولى للإبداع المسرحي وأشرت لوجود شباب لا يعاني من الخواء الروحي والفقر الفكري بل يتفتق حسا وذوقا وذكاء ... ومن الملفت للانتباه أن هؤلاء الأطفال والشباب حين طرقوا أبواب الفن الرابع أولوه المكانة التي يستحقها والمرتبة التي تليق به بأب الفنون ...فلم ينزلوا إلى مستنقع سفاسف المواضيع ورداءة الألفاظ , بل ترفعوا عن استعمال لغة المواقع الاجتماعية والفايس بوك وارتقوا بفكرهم ومسرحهم إلى الاشتغال على مسائل عميقة والتعبير عنها بلغة الضاد ونطق نصهم باللغة العربية القحّة بعيدا عن الابتذال و«تسطيح» المسرح . وقد تفاعل الحضور كثيرا مع هذه العروض بالتصفيق والتهليل ....أما الأطفال الصغار فعبروا على طريقتهم عن تفاعلهم بإطلاق صيحات وضحكات من حين إلى آخر لتقطع صمت القاعة المنصتة بتركيز شديد...لصوت المسرح . اعتراف واعتذار «نحن ممتنون لعطائكم ومعترفون بتقصيرنا تجاهكم...فاعذرونا وليسامحنا التاريخ!»... هكذا خاطب وزير الثقافة مهدي مبروك مبدعي تونس ممن أحالهم الزمن على التقاعد بعد عمر من السخاء وممن عبثت بهم غوائل الدهر فلا أنصفتهم الحياة ولا انتشلتهم الوزارة من المعاناة .وهذا هو حال عديد مثقفينا الذين رمت بهم الظروف في خانة النسيان...والفقر أيضا ! ففي مساء أمس اكتشف وزير الثقافة والجمهور تعاسة ممثل اسمه خميس الجميعي جنى عليه نقده لبورقيبة وخصوصا لبن علي أن يعيش مهملا في غرفة ضيقة بمنطقة ماطر على فتات منحة الشيخوخة التي لا تتجاوز مائة دينار شهريا,رغم موهبته النادرة في التقليد حيث قلد لدى تكريمه بمهارة عالية خطابات بورقيبة و بن علي ... وقد وعد الوزير بتسوية وضعية الرجل في أقرب الآجال . الورود وشهادات التقدير أيضا كانت من نصيب الأستاذ المسرحي القدير الطاهر القليبي الذي تخرجت على يديه أسماء وأجيال من المسرحيين.وكذلك أسندت شهادة الهيكل المتميز إلى فرقة بلدية دوز التي في رصيدها ربع قرن من العطاء والإبداع والتألق في التعريف بمسرح الجهات وإبداع الجنوب التونسي . كما لم ينس المسرح التونسي أن يكرم جمهوره باعتباره طرفا رئيسيا في نجاح المعادلة المسرحية. وتحت عنوان «تكريم المتفرج الوفي» أهدى ورود التقدير والشكر إلى الحاجة مريم بن ناجي. أيقونة المسرح الحدث الطريف والفقرة التي لا تنسى في محطات الاحتفال بيوم المسرح المدرسي هي تكريم شيخ المسرحيين وأكبر الممثلين التونسيين حمودة الذوادي الذي يبلغ اليوم من العمر مائة سنة وشهرين و9 أيام .