(تونس) على أنغام النشيد الوطني افتتح صباح أمس بقصر المؤتمرات بالعاصمة حزب «التحالف الديمقراطي» مؤتمره التأسيسي الأول تحت شعار «منحازون للوطن» وسط حضور هام لممثلين عن مختلف مكونات المشهد السياسي. يها الحكومي والمعارض على غرار، حركة «النهضة» (محرزية العبيدي الصحبي عتيق ...) وحركة «نداء تونس» (الباجي قائد السبسي) و«الجبهة الشعبية» (حمة الهمامي، زياد لخضر «وطد» ومحمد براهمي «حركة الشعب» و«الحزب الجمهوري» (مية الجريبي واحمد نجيب الشابي) و«حزب المؤتمر» (هيثم بن بلقاسم) و«حزب المسار» (سمير الطيب... و«حزب المبادرة» (كمال مرجان) اضافة الى عدد من الوزراء (سمير ديلو) والسفراء والديبلوماسيين إضافة الى ممثلين عن منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل (سمير الشفي)... وسيتمّ خلال المؤتمر التأسيسي حسب قياداته مناقشة عديد اللوائح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... والنظر في النظام الداخلي للتحالف الديمقراطي وموقفه من المستجدات على الساحة السياسية على غرار مسودّة الدستور الجديد، ومستقبل الحزب صلب المجلس التأسيسي بعد ان اعرب قياديوه عن نيتهم في الانسحاب من الكتلة الديمقراطية وتكوين شق آخر، إضافة إلى دراسة مشاريع التحالفات الحزبية المطروحة عليه، كما سيتم مناقشة مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. و شهد المؤتمر مشاركة قواعد وانصار الحزب في العاصمة وبعض الجهات الذين قدموا الى قصر المؤتمرات رافعين الأعلام الوطنية ورايات الحزب، وتغنوا بروح حزبهم وقادته، مشددين على ضرورة مواصلة ما أسموه المشوار النضالي قصد استكمال الأهداف التي قامت من اجلها الثورة، وصدحت حناجرهم بعديد الشعارات التي خلقت جوّا حماسيا تفاعل معه قياديو الحزب بالتصفيق الحار، من قبيل : «عاش عاش التحالف الديمقراطي، شغل حرية كرامة وطنية...». «الإبداع لا الاتباع» وقال محمّد الحامدي المنسّق العام للتحالف الديمقراطي في كلمته الإفتتاحيّة إنّ التحالف تأسّس على مبادئ الحريّة والمواطنة وقيم الديمقراطيّة ومدنيّة الدولة وأنه منحاز للتوجه الديمقراطي الساعي إلى تحقيق أهداف الثورة وتعميق الثقافة ومكتسبات الفكر الإسلامي والحداثة متّبعا منهج «الإبداع لا الإتباع» مضيفا أنّه يعمل على اعتماد المواطنة وإرساء منوال تنمية جّدي غايته خدمة المواطن بالاعتماد على اقتصاد تشاركي يحارب الفقر ويكرّس دور الدولة في التخطيط والمراقبة. و أكّد الحامدي انّ التحالف يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف مع غيره من القوى لضمان العدالة الإجتماعيّة محليا ومركزيّا وتقريب الديمقراطية من المواطن لجعله «الحاكم» وسيّد مصيره وسيّد بلده بما يمكّن من بناء منظومة مستقلّة تضمن سيادة القانون. كما شدّد على ضرورة حماية حقوق المرأة والتصدّي لكلّ أشكال التمييز ضدّها وعلى إصلاح المنظومة الصحّية ومراجعتها إضافة إلى دعم حرّية التعبير وضمان حريّة الفكر ونشر ثقافة الحوار إضافة إلى ضرورة انتهاج سياسة خارجيّة مستقلّة والدفع في اتجاه تصحيح المسار وبناء خارطة طريق واضحة للعمليّة السياسيّة والمساهمة في كتابة دستور لكلّ التونسيين لا يرتكز على أساس مخاوف الماضي بل يؤكّد نجاح الحراك الإجتماعي والسياسي ويؤسّس لمرحلة قادمة ويكون في حجم الثورة وتضحيات التونسيين ويقطع مع الاستبداد . و أشار الحامدي إلى ضرورة سنّ قانون للأحزاب يحدّد طرق تمويلها ويؤكّد على حياديّة المرافق الإداريّة ودور العبادة إضافة إلى صياغة قانون انتخابات متوازن ويضمن التعدّدية ومفهوم المواطنة ويلطّف من حدّة التجاذبات السياسيّة قائلا: «لو ضاعت مصلحة البلاد فلن يجد أيّ منّا إلا الحصاد المر». «تأمين الوطن من المؤامرات» من جهته أكّد سمير الشفّي ممثل الإتحاد العام التونسي للشغل في كلمته على أهميّة الحوار الوطني مشيرا إلى انّ «ثورة 17 ديسمبر» فتحت عصرا جديدا يرتكز على الحريّة والأمل مؤكّدا انّ الإتحاد كان البيت الوطني الجامع لكلّ الأطراف الفاعلة في البلاد وجزءا أصيلا من طلائع الثورة داعيا إلى إعادة رسم خارطة طريق لتأمين الوطن من كلّ المغامرات والمؤامرات بمشاركة كلّ الأطراف الفاعلة لبناء مستقبل تونس والقطع مع الإستبداد والعقليّة القديمة القائمة على الإستئثار ورفض التدخّلات. التحالف «حزّاز» أمّا مصطفى بن جعفر رئيس حزب «التكتّل» فقد نوّه بدور التحالف الديمقراطي مؤكّدا انّ عمله سليم انطلق من القواعد بإبراز أفكاره ومواقفه وصولا إلى تحديد الشخصيات مضيفا انّه حزب له من الطموحات ما يؤسّس لبناء تونس. و أشار بن جعفر إلى انّ حزب «التكتّل» الذي يتقلّد أمانته العامّة قد اجتمع بالتحالف الديمقراطي وتحاور معه في مناسبات عدّة أهمّها محاولة إيجاد تشكيل حكومي جديد بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد وأخرى في إطار الحوارات الوطنيّة ليؤكّد انّ هذا الأخير أثبت انّه حزب معارض جدّي قطع بشكل واضح مع الطرق «الإحتجاجيّة الممنهجة التي كانت ذات نتائج سلبيّة» . و أضاف بن جعفر «انّه لا خوف بعد اليوم» مستبعدا امكانيّة عودة الإستبداد مرجعا ذلك لوجود نقاط توافق بين كلّ الأطراف السياسيّة الفاعلة على الساحة ولوجود شعب معتدل يريد الإستقرار والأمن ويرنو إلى بناء مشروع مجتمعي حداثي ديمقراطي ونموذج إقتصادي يرتكز على العدالة ليوضّح انّ التحالف سيلعب دور «الحزّاز» بين كلّ القوى وينقذ البلاد من خطورة الإستقطاب الثنائي. «استقلالنا مهدّد» من جهته أوضح الباجي قائد السبسي في كلمته أسباب تمسّكه بمواصلة المشوار السياسي رغم تقدّم سنّه وانتقادات البعض له مرجعا ذلك إلى تأثّره بإحدى القضايا التي تولاها في الخمسينات موضّحا أنّه استمدّ إصراره من كلمات المتّهم فيها المناضل الذي حكم عليه بالإعدام وهو «بشير قصيبة» مضيفا أنّه عندما ذهب إلى هذا الأخير لإخباره برفض العفو عنه وجد معنوياته مرتفعة ومتقبّلا للحكم حيث قال له بالحرف الواحد: «الاستقلال حاجة بعيدة وباش نوصلوا يلزم سلّوم وأجسادنا هي درجات السلّوم هاذي...» واشار السبسي إلى أنّ تلك الكلمات لازالت راسخة في ذهنه لأنّ الإستقلال الذي كلّف الشعب التونسي غاليا بتقديمه للتضحيات مهدّد من الجميع مؤكّدا انّ عودته إلى الحياة السياسيّة التي تخلّى عنها سنة 1990 هو رغبة في تأدية الأمانة. «حتّى هتلر منتخب» و قال حمّة الهمّامي ممثلا عن «الجبهة الشعبيّة» والذي اعتبر أن كلمة محمد الحامدي تضمنت العديد من النقاط المشتركة مع «الجبهة» إنّ المؤتمر انعقد في ظروف صعبة على المستوى الوطني تمثّلت في أزمة سياسيّة ناتجة عن غياب الدستور داعيا إلى الإسراع بصياغته بطريقة ديمقراطية إضافة إلى ضبابيّة تاريخ الإنتخابات التي دعا إلى تحديد موعدها وتوفير مناخ ملائم خال من العنف والإرهاب المهدّد للجميع ،على حدّ قوله، ليؤكّد انّ «الوضع سيّئ وأنّ البلاد تسير نحو أزمة خانقة في المستقبل القريب ممّا يهدّد ب«الإفلاس» مشيرا إلى وجود نقاش سيجمع بين كل من «الجبهة الشعبية» وحزب «التحالف الديمقراطي» في ما يتعلق بمبادرة «الجبهة» من أجل تشكيل ائتلاف وطني للانقاذ. كما تطرّق الهمّامي إلى خطورة الأوضاع في كلّ من سوريا وليبيا وفلسطين ومصر التي نوّه بتمرّد شعبها قائلا «باش نعفس في الصحن ونهنّي الشعب المصري» معتبرا انّ الشعب هو مراقب الشرعيّة وأنّ تمرّد الشعب المصري أثبت أنّ الإنتخابات وحدها لا تكفي قائلا: «حتّى هتلر انتخبوه» ليؤكّد انّ أهم مبدإ للبقاء هو الوفاء لأهداف الثورة وعدم التفريط في مكتسبات البلاد وثرواتها مؤكّدا انّ «لا تراجع عن قانون 64 المتعلّق بقانون تأميم الأراضي التونسيّة». أمّا المنسّق العام لحركة الشعب محمّد براهمي فقد نوّه بما أسماه استئناف الشعب المصري لمسار ثورته كما طالب بإحداث دستور لكلّ التونسيين يستمدّ مبادءه من الشعارات التي رسمها الشباب التونسي على الجدران وصاحت بها حناجره في الساحات العامّة مشيرا إلى انّه لا معنى لدولة خيراتها تباع داعيا البعض إلى ضرورة إبطال التغوّل بمنطق الشرعيّة. الدستور لا يحمل أيّة هواجس انتخابية من جهة اخرى اكد الصحبي عتيق (النهضة) ان حركتهم تجمع بين الهوية العربية الاسلامية والحداثة، مشيرا الى ان بلادنا في امس الحاجة الى التوافق بين مكونات الحقل السياسي لتجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، مضيفا : «لا يمكن لاي طرف ان يحكم لوحده... يجب احترام الديمقراطية...». و اوضح عتيق ان التحركات الشعبية أوقدت نار الثورة ولم يكن وراءها أي حزب او زعيم سياسي.ولم يفوت عتيق الفرصة للحديث عن الدستور الجديد الذي اشعل نار الانقسام تحت قبة التأسيسي وأوضح ان «النهضة» تتوق الى كتابة دستور توافقي يرتقي الى تطلعات الشعب التونسي ونخبه السياسية، مفندا كافة التصريحات القائلة بانه دستور على مقاس حزب بعينه، قائلا: «الدستور لا يمثل حزبا ولا شخصا ولا جهة بل يحقق طموحات الشعب التونسي في الحرية والديمقراطية... ولا يحمل أيّة هواجس انتخابية ...». كما دعا عتيق الى ضرورة احترام نتائج صناديق الاقتراع وعدم الانسياق وراء الاجندات الخارجية. انهيار الوطن أمّا «احمد نجيب الشابي» (الجمهوري) فقد أشاد بعراقة العلاقات التاريخية التي تجمع حزبه بقيادات التحالف الديمقراطي، مضيفا انه مطمئن على مستقبل العائلة الديمقراطية التي ينتمي إليها الحزبان اللذان يلتقيان عند كثير من النقاط والمبادئ، قائلا : «نحن لا زلنا نحتكم الى مسار انتقالي ومؤسسات انتخبها الشعب، والعمل خارج اطارها يولد الفوضى وانهيار الوطن ...» كما نادى الشابي بإنهاء المرحلة الحالية والذهاب الى انتخابات رئاسية في اسرع وقت، تشارك فيها العائلة الديمقراطية في شكل قوى موحدة لاضفاء نوع من التوازن داخل الساحة السياسية، قائلا: «سنحكم تونس بروح الائتلاف ولن نقصي أحدا... تونس تنتظر منّا مقاومة غلاء المعيشة وتكريس المصالحة الوطنية الحقيقية وتنمية الجهات وهذا يتوقف على وحدة الطبقة السياسية ...». نحن على استعداد كامل لكل التنازلات التي تخدم الوطن واعتبر «سمير الطيب» (المسار) ان التحالف الديمقراطي رقم صعب في الساحة السياسية، واصفا قياداته بدعاة الحوار والحكماء، مضيفا ان الوضع الذي تمر به تونس حساس نتيجة تعثر المرحلة الحالية وسيتطلّب وحدة الصف الوطني واستطرد : «تعثرت المرحلة لاننا لم نفهم انه عند انطلاق مناقشة الدستور، تتغير الشرعية من الاغلبية الى شرعية التوافق والوحدة الوطنية... الدستور ليس مسألة هينة وسنتصدى لكل من يحزبه او يحوله لخدمة فئة معينة، حتى آخر رمق، نحن على استعداد كامل لكل التنازلات التي تخدم الوطن...». من جانبه شدد «كمال مرجان» (حزب المبادرة) على نشر ثقافة التوافق الوطني للابحار ببلادنا الى شاطئ الامان بأقل التكاليف، مؤكدا على وجود تعاون بين نواب المبادرة والكتلة الديمقراطية تحت قبة المجلس التاسيسي، مضيفا: «المبادرة تنادي بالعودة الى طاولة الحوار الذي انطلق في قصر قرطاج والحوار الذي دعا اليه اتحاد الشغل لتجاوز الخلاف ...». كلام لم يختلف كثيرا عن خطاب «زياد لخضر» (وطد) الذي اشترط ان يكون الحوار الوطني على قاعدة الاحترام المتبادل مستبعدا العقلية السائدة عند بعض التيارات المتبجحة بالاغلبية الانتخابية، قائلا: «الشرعية اصبحت مقلقة، وهناك شرعية اخرى هي الشرعية الشعبية التي أتت بالحكومة و«التأسيسي»، وعلى الحكومة استيعاب الدرس مما يدور بمصر... لن نقبل بالالتفاف على مطالب المسار الثوري... هناك من يرسم لوحات وردية، نحن خارج دائرة التخويف لكن الوضع حقيقة دقيق...» داعيا الى الاصطفاف وراء مبادرة الائتلاف الوطني لإنقاذ تونس من استبداد زاحف على حد قوله. هوامش من المؤتمر أعلن محمود البارودي القيادي بحزب التحالف الديمقراطي خلال انطلاق أشغال المؤتمر التأسيسي للحزب أنّه تمّ الإتفاق على اختيار محمد الحامدي أمينا عاما للحزب. غادرت محرزية العبيدي النائب الأوّل لرئيس المجلس الوطني التأسيسي وعضو مجلس الشورى لحركة «النهضة» أشغال المؤتمر التأسيسي لحزب التحالف الديمقراطي رافضة الاستماع لرئيس حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي خلال إلقائه كلمة ترحيبيّة على هامش هذا المؤتمر كما رفضت محرزيّة العبيدي الجلوس في القاعة الشرفيّة ذاتها التي يجلس فيها الباجي قائد السبسي رغم تواجد أبرز الأحزاب السياسيّة هناك من بينهم ممثلون عن حزب حركة «النهضة». سجّل مؤتمر التحالف ،أمس، حضور عدد من الوزراء على غرار سمير ديلو وعبد اللطيف المكّي إضافة إلى عدد من الشخصيات الديبلوماسيّة مثل سفير فلسطين. إجراءات امنيّة مشدّدة خاصّة حول حمّة الهمامي والباجي قائد السبسي. ليلى بن إبراهيم ومنتصر الأسودي