شهداء نهضوا من اللّحد وتربّعوا على الأرض ليحتفلوا في العتمة بأنغام النّجوم.شهداء أزاحوا عن أجسادنا أنفاس الرّهبة وأناروا لنا سبل الكلام كي تزغرد جحافل الحمام. البوعزيزي أطعمنا من قلبه عراجين التفّاح وأهدانا من دمه ومضات الصّباح وارتدى الكفن ليغنّي ويقول" كونوا عزفا للرّياح" شهداء تمدّدوا في رؤانا وهبّوا من رمال عطشى الى الجمر ثمّ احتموا بالدّمع لأنّ أصواتنا تعثّرت في خطانا.شهداء اكتسوا بالدّماء وخضّبوا السّبل بالوفاء, هم رحلوا عنّا وأهدوا باقات الياسمين ترفرف, فمن يكفكف هذه الدّموع؟ ومن يناغي جراحات المساء؟. البوعزيزي هبّ في الشّتاء وناح في أيّام العزاء ثمّ ابتسم للفجر وعاد ينادي " يا شتاءانّ الأحلام تنوّر في الدّماء"" شهداء طلعوا الى القمر حالمين بالرّبيع وعادوا الى القبر محمّلين بالصّقيع لأنّنا نخشى البوح كلّما همّ الكلام بالنّداء ويبقى الرّمل وحده يردّد أنين الفقراء.شهداء تجرّعوا ذاك الفراغ واقتاتوا من نواقيس الوداع ثمّ عادوا حالمين سائلين عن الجياع. شهداء سألوا عن جنازة الرّايات, عن حفيف النّسمات سألوا عنّا, عن الكلمات.شهداء يقهرون يشرّدون ونكتسي نحن بوعود الّسادات, شهداء يجوعون ونشبع نحن بتقرير النّدوات في مجلس أخرس يرمي لنا بقايا كلمات.شهداء لملموا جراحات أصواتنا ورتّلوا على مسامعنا دعاء الأنبياء,أطلّوا حاملين أوجاع العراء وقالوا لنا"انّ الوطن بلا كساء وانّ عورات اليتامى بلا رداء وانّ المال ملّ قصور الأثرياء".شهداء توافدوا على شوارع مدننا يعدّون أبواب المقاهي ويسجّلون أسماء الملاهي ويضحكون لأنّنا نرقص عراة حفاة ولا أحد أجهش بالبكاء.شهداء يعزفون لحن الخلود يصرخون كالرّعود ونحن نزحف ونهلّل للقيود فمن قادنا الى فتات العملاء؟ من جرف داكرة التّاريخ الى قاع النّسيان؟ وكيف سنتطهّر من الغباء؟ شهداء يولدون كلّما رصّفت عراجين التّمر في قفاف الأغنياء وأرسلوها هبة الى ملك الرّوم وهو ينام بين الجواري في حين يلتقط الكادحون أحزانهم, لكنّهم لا يخونون أوطانهم.شهداء فمن يشهد أنّ الرّياح عادت للنّواح للبكاء. وأنّ الصّمت تأبّط الرّيح ليولد هذا النّداء