تونس أمّ الجميع.. أم المخلصين الأوفياء، أرض المناضلين.. ووردة تفوح بدماء الشهداء... الذين أهدوا لنا الحرية مقابل الموت في ساحات الوغى وهم يقبلون التربة العطرة المعطاء.. من بنزرت في الشمال .. الى بني خداش في الجنوب.. ومن زرمدين في الساحل .. الى أولاد حفوز في الوسط .. مقاومون مزق الرصاص أجسادهم.. وكتبوا بدمائهم الطاهرة الزكية أحلى لحن وأجمل قصيدة في الشهادة من أجل الوطن .. من أجل تونس حتى تحيا ونحن معها وعلى أرضها حياة العز والرفاه .. وننعم بواحة الكون الظليلة ونسبح صحبة الأجيال في بحر الحرية الهادئ.. فانتفضت السيدة علية وسكبت من دمعها أغنية ودوى صوتها في الجبال وميادين القتال .. وصاحت خاشعة .. بني وطني ... فما أروع هذا النداء وما لحن صوت بية الرحال وهو يردد يا جنود الصدام وجند الفداء.... فقلما انتجت أغنية عن الوطن وعرفت تلك الشهرة التي حظيت بها رائعة الفنانة التونسية الراحلة السيدة علية .. بني وطني .. التي أرادتها تحية اكبار لشهداء معركة الجلاء الخالدة في ربوع بنزرت الحالمة الجميلة.. من الماتلين الى سجنان وجومين .. ومن عوسجة الى أرياف تينجة.. وشحذ لهمم مقاومي الاستعمار الغاشم ليس في تونس فحسب بل في مناطق مختلفة من العالم على غرار الجزائر الحبيبة، ألم تقل في مقطع من أغنيتها تلك «فمغربنا يا فرنسا لنا».. كلا.. حيث يناضل الأحرار من أجل حرية أوطانهم وحقهم في تقرير المصير... هذه الأغنية كان لها وقع مختلف من حيث القبول والتأثير.. في كل النفوس .. الكبير.. و الصغير .. فهي لوحة مؤثرة جدا .. وساحرة جدا ... ومبكية جدا ... وتجعل المرء يذوب خشوعا عند سماعها .. وهو ينصت الى ذلك اللحن العجيب والصوت الساحر لامرأة ساحرة.. وهي العزيزة علية طيب الله ثراها .. كلمات هي الأروع على الاطلاق.. لحن هو الأجمل ولن يتكرر أبدا.. وأداءفي غاية الحس والبهاء بل هو أشبه بالرحيق المختوم الذي لن ترى نوره الا في السموات العلى ... عناصر ثلاثة صنعت ملحمة في أغنية في شهادة .. في نداء ودعوة .. وفي حب ووفاء لكل الشهداء في عاصمة الجلاء.. في رمادة .. وجبال برقو.. ومارث وفي كل ركن من تونس الخضراء... الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة كم هي المناسبات التي تحدث فيها عن السيدة علية عن أغنية بني وطني... ألم يذكر ضمن أحاديثه العديدة وخطاباته المتعددة خاصة التصريح لوكالة أوبراموتري عام 1967 بأنه لم يبك طيلة حياته سوى مرتين اثنين .. واحدة بمنفاه في جزيرة جالطة واخرى وهو يستمع الى رائعة علية بني وطني ... الهادي خفشة عبد الله فرحات الهادي نويرة والزعيم الحبيب عاشور كلهم عرجوا في أحاديثهم على هذه الأغنية الجميلة.. وكلهم بكوا وهم يستمعون اليها لسحر كلماتها وتأثيرها العجيب والى اليوم وغد وبعد غد فهذه الرائعة لن تموت وصداها مطبوع في الذاكرة الثابتة للقلب ... عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الجزائري قالها صراحة حين شغل منصب وزير خارجية بلاده «ان مقاطع أغنية بني وطني تمثل بلسما شافيا لجراح المقاومين والمناضلين والمجاهدين في الجبال، في الكهوف والدهاليز... بني وطني فيها من السحر ما يدفع بالعين الى البكاء دون شعور ... هواري بومدين الرئيس الجزائري الراحل أكد من جانبه أن أغنية الفنانة التونسية علية الثائرة مؤثرة جدا.. شأنه في ذلك شأن حسين آيت أحمد الذي بكى فعلا عند سماعه لعلية وبني وطني وهو في ميناء مرسيليا.. بكى وهو يستمع الى مقطع فمغربنا يا فرنسا لنا... هذا الخبر أوردته مجلة «تيلي سبيكتاتور» عام 1968 اثر هروب ايت أحمد من سجن ميزون الجزائري بمساعدة أطراف أجنبية على غرار الملك الآلباني ليكا والكولونيل الأنقليزي ماكويل الذي لعب دورا بارزا في تدريب حراس الثورة في ايران .. أما ليوبولد سيدار سنغور .. الشاعر الرشيق وزعيم السينغال فقد وصف علية التونسية بأنها إكليل بجنان الحرية الفائح بأريج العطاء والوفاء.. ان فضل الراحلة الكريمة علية على الفن التونسي كبير فتألقها في مصر العربية ساهم في التعريف بالانتاج التونسي خارج حدود الوطن ومهد للفنانين الذين جاؤوا بعدها واتبعوا خطاها فكانت هجرتهم الى الشرق موفقة بدليل ان لطيفة والراحلة ذكرى وأمير الطرب العربي صابر الرباعي والآن هادية جويرة (...) حققوا الشهرة انطلاقا من قاهرة المعز. وليت فناني اليوم يقدرون عليه وغيرها من الرواد الذين كانوا سباقين وكشافي طريق ...