عبد الجليل الجوادي قرأت مؤخرا تعليقا لإحدى الفنانات -مع الكثير من الاحتراز في التوصيف – ردا منها على موقف السيدة المحترمة حليمة معالج في موضوع المثلية الجنسية. و قد وجدت الفرصة مناسبة في تقديرها لبث سمومها و التعبير بأسلوب هجين عن كم من الحقد و الكراهية و الهبوط الأخلاقي. و ليس في الأمر غرابة من هذه الدعية بالنظر لما تقدمه من الأعمال المبتذلة و أسلوبها السخيف في الكلام و ربما الكثير منا ما زال يتذكر ذلك الشعر القبيح الوقح الذي قالته في وصف مقدم أحد البرامج التلفزية بقناة نسمة. ما أستغربه حقا، هو هذا الحماس الغريب الذي يبديه بعض أدعياء الثقافة من بني علمان في دفاعهم عن مكاسب المرأة كلما جاء الحديث عن موضوع تعدد الزوجات. و هل تعدد الزوجات موضوع للنقاش أصلا؟؟؟ و عن أي مكاسب نتحدث و نحن اليوم نسجل أعلى الأرقام في نسب الطلاق و العنوسة و أبناء الزنا و الأمهات العزبوات و التفكك الأسري و التأخر في سن الزواج بشكل لافت من الجنسين. و أريد أن أهمس في أذن كل واحد من هؤلاء المتنطعين المتمرسين وراء منظومة الأحوال الشخصية و المدافعين عن حقوق المرأة التونسية، هل أنتم فعلا تكتفون بامرأة واحدة؟؟ يا من تعاندون الطبيعة البشرية و الفطرة السوية، ألم تتخذوا الخليلات و تمارسوا الرذيلة في زواياكم المظلمة؟؟ أليس على أيديكم يذبح الشرف كل يوم تحت مسميات سميتموها أنتم و أتباعكم بدعوى حرية الجسد و حق المتعة و الحق في تلبية جميع الرغبات بدون قيد من شرع أو قانون؟ ألا تخجلون من أنفسكم و أنتم تتصدرون المنابر و ترفعون الشعارات الجوفاء و تلقون بخطبكم أمام الحشود من أنصاركم و تظهرون تعاطفكم مع المرأة، ثم تتحولون إلى ذئاب مسعورة تنهش جسدها و تمزق عرضها في خلواتكم و جلساتكم المشبوهة بعيدا عن أضواء الكاميرا ليتكشف منكم الوجه الحقيقي. ماذا لو كانت الضحية زوجتك أو ابنتك أو أختك أو أمك؟ أتراك تقبل أن ينتهك عرضها و تداس كرامتها و يعبث بها ثم تلقى رخيصة منبوذة كعقب السيجارة المنطفئة؟ أتراكم تملكون الشجاعة لتجيبوا؟ أم تراكم تملكون النخوة و الرجولة أصلا لترفضوا هذا الوضع و تثوروا عليه؟؟ إن من يرفض الفطرة و يتنكب عنها لا شكا أنه سيقبل الشذوذ و يدافع عنه. هذا هو واقعنا في تونس. هؤلاء الذين ناصبوا العداء لكل من يطالب بتعدد الزوجات و اتهموه بالرجعية و الفكر الظلامي و اعتبروا في ذلك إهانة و إذلالا للمرأة و تنقيصا في قيمتها و نصبوا أنفسهم مدافعين عنها، هؤلاء هم أنفسهم اليوم يدافعون عن الشذوذ و المثلية الجنسية و بنفس الشراسة و الحماسة. بعض الناس يتناولون موضوع تعدد الزوجات بشكل سطحي . فيرون أن التعدد هو استثناء من القاعدة و أن الأصل أن يكتفي الرجل بزوجة واحدة. مع أن الواقع خلاف ذلك. فلم نجد في تاريخ هذه الأمة الطويل من الأئمة و الخلفاء و الفقهاء و العلماء و حتى الأنبياء عبر مختلف الأزمنة من اكتفى بزوجة واحدة. و النص القرآني صريح لا يحتمل التأويل "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " صدق الله العظيم. فإن خفتم أن لا تعدلوا، جملة شرطية و جواب الشرط "فواحدة" بمعنى أن الزوجة الواحدة هي استثناء من القاعدة بالنسبة للذين لا يأنسون في أنفسهم القدرة على العدل بين النساء بمفهومه الضيق أي العدل المادي في الإنفاق و المعاملة الظاهرية دون القلب و الإحساس. حتى الذين شرعوا لمنع تعدد الزوجات في بلادنا و باهوا بأنفسهم في المحافل العامة باعتبارهم مناصرين لحقوق المرأة، حتى هؤلاء لم يمنعوا أنفسهم من التعدد و غلبتهم شهواتهم فصرفوها في الحرام بعد أن حرموا ما أحل الله. أريد أن ألفت انتباه القارئ إلى مسألة هامة. إن الله سبحانه و تعالى ما حرم علينا أمرا إلا و فيه دفع مضرة و ما أباح لنا أمرا و أحله إلا و فيه جلب منفعة. و الحقيقة أن الشهوة الجنسية هي من أقوى الشهوات و أكثرها خطورة و تأثيرا في الواقع سيما و أنها الضامن الوحيد لاستمرار النوع البشري. و هذه الشهوة خلافا لبقية الشهوات، ينخرط فيها الجسد بكل جزئياته. فلو أن أحدا يتضور جوعا قدم له الطعام و هو مفيد اليدين معصوب العينين لأكل و شبع. لأنه في الحقيقة لا يحتاج في تلبية هذه الغريزة إلا الفم. أما غريزة الجنس، فنحتاج فيها إلى كل أعضائنا بدون استثناء. من هذا المنطلق، جعل لها الإسلام ضوابط و حدودا حتى لا تنحرف عن مسارها الطبيعي و تسقط في الشذوذ. فوسع في دائرة المباح بالزواج من اثنين و ثلاثة و أربعة كحد أقصى للجمع بين الزوجات، تناغما مع الطبيعة البشرية. كما شرع الطلاق لمن لم يستطع الاستمرار مع زوجته أو العكس و أغلق الأبواب دون الخيانة و الزنا و الفاحشة حفظا للنوع البشري و حفاظا على سلامة المجتمع من الأمراض الجسدية و النفسية في ذات الوقت. و ربما استطعنا أن نقرب الصورة أكثر من خلال هذا المثل. فلو أن نبعا من الماء فيه طاقة ضخ كبيرة و جعلنا له قناة تصريف وحيدة، فقد تنفجر هذه القناة في أي وقت و تتسبب لنا في كوارث لا حصر لها فضلا عن ضياع الماء. فإذا نحن أضفنا على سبيل الاحتياط قناة ثانية و ثالثة و رابعة، لأمكننا دفع الخطر و الاستفادة أكثر من الماء بتصريفه في ما ينفع. و المثل العام يقول: "الماء لي ماشي للسدرة، الزيتونة أولى بيه" و نحن حين حاربنا الفطرة و حاصرنا هذه الشهوة في قناة تصريف واحدة حصلت لدينا كوارث. فمن تعدد الخليلات و الخيانة الزوجية من الطرفين إلى الشذوذ و المثلية الجنسية. و يبقى الخيار لنا بين تعدد الزوجات أو طفرة الشهوات.