أريانة: حملة مشتركة للتصدي للانتصاب الفوضوي    بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    سيدي بوزيد: انطلاق ورشة تكوينيّة لفائدة المكلّفين بالطاقة بالإدارات والمنشّآت العمومية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    المالية العمومية تتعافى: تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6٪ من الناتج المحلي    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    تقلص العجز التجاري الشهري    سوسة/ القبض على منحرف خطير مفتش عنه..    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    سوسة: الاطاحة بمنحرف خطير من أجل ترويج المخدرات    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن البترول في تونس... و حتى ننتهي من جدال عقيم !
نشر في باب نات يوم 08 - 06 - 2015


بقلم حامد الماطري
مهندس بترول
عضو مؤسس بالجمعية التّونسيّة للشّفافيّة في الطّاقة و المناجم - ATTEM
ربّما يكون البترول أحد أكثر المواضيع التي أثارت جدلا في تونس منذ الثورة، و حتّى اليوم، بين وقفات الاحتجاج المنادية بالتشغيل في الشركات البترولية الى مطالب التنمية بالجهات المنتجة، إلى التشكّيات من الزيادات في أسعار البنزين و الكهرباء، الى صيحات الفزع حول غاز الشيست، الى شطحات التهليل ببحيرات من النفط و الغاز التي "تطفو فوقها بلادنا، و التي ستجعلنا كالكويت !!!
و مع كل "ضجّة"، و بالرغم من كونها مواضيع تتّسم بالخصوصيّة و بمستوى عال من التّقنيّة، تجد الجميع يدلو بدلوه و "ينظّر"، فهذا يكابر و يكذّب بلغة شعبويّة و بشعارات لا يفهم أبعادها... فيما يتجنّد "خبراء"، ما أنزل الله بهم من سلطان، و لا ندري من أين لهم بهذا اللقب، يقدّمون "أنصاف حقائق" ليهاجموا أو ليكذّبوا و يفنّدوا، و يبقى المواطن ضحية خطاب يتحدّى المنطق، تفوح منه روائح المغالطات و المزايدات، و يزيد في تأجيج شكوكه.
أمّا المؤسّسات الرّسميّة، فهي عموماً تتميّز بلغتها الخشبيّة المتعالية، و بتأخّرها عن التّصريح، لتقدّم في النّهاية خطاباً مهتزّا و غير مقنع، بل أنّه كثيراً ما يكون له تأثير الزّيت على النّار...
و الأكيد أن هذه القضايا مثّلت محلّاً للمزايدات السياسيّة و الحزبيّة، من ذات اليمين أو ذاك اليسار، و التي وجّهت سهامها إلى خصومها و إلى الحكومات المتعاقبة بعد الثّورة، متحزّبة كانت أو "مستقلّة".
و وسط هذه الضّوضاء الشّعبيّة، و الشّعبويّة، يقف "أهل الذّكر" من خبراء القطاع موقف المتفرّج المستغرب أحياناً و المستنكر أحياناً أخرى... تتوقّف حدود استشاراتهم عند عائلاتهم و أقربائهم، فلا تقصدهم وسائل الاعلام، و لا هم يحذقون التّواصل مع المواطنين أو اعتماد خطاب سهل يبسط المسائل حتى يفهمها العموم.
ما يؤسف في كلّ هذا الجدال، هو أنّ المحلّات الحقيقيّة للفساد لا تذكر و لا تفتح، و أنّ النقاش كثيراً ما ينحصر حول عناوين كبيرة لكنّها غير مجدية، و لا يتطرّق إلى مواطن الفساد الحقيقيّة. و كأنّنا نقيم الدّنيا و لا نقعدها في حين أننا ندقّ أبواباً خاطئة. و في الأثناء يتابع الفاسدون الحقيقيّون المشهد و على أوجههم ترتسم ابتسامات عريضة ماكرة...
من باب أمانة وطنيّة و مهنيّة، نتقدّم بمعالجة للموضوع قصد إنارة الرّأي العام، دحضاً للهراء و المغالطات، و تحقيقاً لبعض الشّكوك و التّساؤلات.
- الإنتاج الوطني للمحروقات
كثر الحديث مؤخّراً حول الإنتاج التونسي، و ذهب الأمر بعدد من المغالين، و منهم مسؤولون سابقون، حدّ الانخراط في الجوقة و ترديد عنوان خطير: "ما ننتجه في الحقيقة يتخطّى الأرقام المصرّح عنها من قبل الشّركات"... و يتحجّجون بغياب العدّادات و ما إلى ذلك من المؤيّدات.
بالنّسبة إلى أهل القطاع، يتّفق الجميع أنّ هذا "كلام فارغ" و فاقد للأهلية... ببساطة، لأنّ البترول أو الغاز ليسا موادّاً خالصة أو تجاريّة، ليس براميلاً ترفع على الشّاحنات و تهرّب في السّوق السّوداء لتباع على قارعة الطريق، بل هي موادّ خامّ تحتاج إلى النّقل ثمّ إلى التّكرير قبل التّسويق.
نفسّر:
بالنّسبة للغاز، تحتكر الشركة التونسية للكهرباء و الغاز (STEG) كل عمليت التوزيع أو التثمين الطاقي، و لا يمكن لأحد أن يبيع الغاز "خلسة"، بالجملة أو بالتفصيل، و أما من أراد المغالطة بأن يبيع للدولة أكثر ممّا يصرّح به، فهو لا يغشّ الدّولة بل لا يضرّ إلا نفسه.
فيما يخصّ البترول، لا يختلف الموضوع كثيراً... اذ تتولّى شركات تونسيّة مختصّة، تمتلك الأنابيب (TRAPSA, SOTRAPIL...)، عمليّة تجميع الانتاج من مختلف الحقول النفطيّة، و نقلها إلى معمل تكرير النفط ببنزرت (STIR) أو الى الموانئ المصدّرة في جرجيس، الصّخيرة، بنزرت... و بنفس الطّريقة، لا يمكن تسويق البترول عبر مسالك فرعيّة أو سوق سوداء، و لا يقع ذلك إلا عبر سلسلة من المتدخّلين، جميعهم تحت الرّقابة الدّيوانيّة.
هذا المثال ينطبق على جميع الحقول البرّيّة، أمّا بالنسبة للحقول البحريّة، التي تعتبر هي نفسها موانئ نفطيّة تتولّى تصدير انتاجها مباشرة عبر البحر، فالأمر ليس أقلّ تعقيداً حيث توجد رقابة ديوانيّة مستمرّة على هذه المنشآت و خزّاناتها، و لا تمرّ عمليّة شحن من دون اشراف ديوانيّ و ممثلين عن شركات مراقبة، هذا علاوة على أنّ نقل البترول أو الغاز المسال لا يقع عبر الزوارق، و المياه التّونسيّة ليست بالمستباحة حتّى تشقّها الناقلات بلا حسيب أو رقيب.
غياب العدّادات
أمّا مسألة العدّادات على آبار النّفط و الغاز، فهي كذلك مثال حيّ للمغالطات الشّعبويّة التي يدرك أيّ طالب أو متربّص بأنّها لا تمتّ للواقع بصلة... اذ أنّ الآبار تنتج خليطاً غير متّصل و متقطّع من غاز و مياه و نفط و رمل، و لا توجد اليوم تكنولوجيا قادرة على أن تصنع عدّاداً يقيس انتاج بئر بشكل حينيّ.
المعمول به –في العالم، كما في تونس- هي قياسات تقديريّة لكلّ بئر (test)، تحيّن دوريّاً، و لكنّها لا تعتمد إلّا لمتابعة الإنتاج. فيما تعتمد عمليّة البيع على قياس الكمّيّات الموجودة في الخزّانات و ما يرسل عبر الأنابيب أو الشّاحنات، تضاف إليها عدّادات رسميّة. و كلّ عمليّة بيع تتمّ بإشراف ديواني.
أمّا ما يقال عن شركات "تبيع" و من ثمّ "تحاسب" بالثّقة، فهذا بعيد كلّ البعد عن الواقع، فقد نكون نعاني من فساد مستشري في كل القطاعات، و لكنه لم يبلغ بعد -و الحمد لله- مثل هذه المستويات التي لا تجدها اليوم إلا في دول فاشلة أو شبه ما تكون.
كم ننتج من المحروقات في تونس؟
تنتج تونس اليوم بين 55000 و 60000 برميل نفط يوميّاً، و هو –للتوضيح- أقل مما تنتجه دول مثل اليابان، أي أنّنا لسنا من "مصدّري" النّفط، بل بعيدون كل البعد عن ذلك. لا نمتلك في تونس حقولا نفطية كبيرة، و هذا أمر ثابت و لا رجعة فيه، على اعتبار أن عمليات البحث غطت كامل التراب التونسي. و ما بعد ذلك فلا يحتوي المجال التونسي غير بقع زيتيّة صغيرة أكبرها حقول "البرمة" و "عشتروت"، و التي تنتج منذ أكثر من 40 عاماً، أي أنّهما بلغا مرحلة النّضوب (هذين الحقلين ينتجان اليوم واحد من خمسة الى واحد من سبعة ممّا كانا ينتجانه في الثّمانينات). غير ذلك، فانّ الحقول الأخرى هي عبارة عن بقع صغيرة، على حدود المردودية الاقتصادية، قد تحمل انتاجاً كبيراً في بداياتها، و لكنها سريعاً ما تنطفئ.
أما بالنّسبة للغاز، فالأمر لا يختلف كثيراً عن النفط في ما يخص حجم المخزون المتوسط، مع اختلاف يتمثل في أنه لم يقع استغلال القدرات الغازية التونسية بالشكل الأكمل حتى اليوم، و يشكّل غياب البنية التّحتيّة لنقل الغاز (الأنابيب) العقبة الأساسيّة لتطوير القطاع، و يجعل انتاج تونس يقتصر على غاز حقول "ميسكار" و "صدربعل" البحريّة (British Gas) و حقول "البرمة" و "واد زار"/"آدم" (CITEP / ENI) الصّحراويّة. أمّا باقي الحقول فهي لا تستطيع تثمين الغاز لأنّها لا تستطيع ربطه بشبكات موجودة، أو لأنّ تكلفة انجاز أنابيب تجعل المشروع برمّته خاسراً.
و يمثّل مشروع غاز الجنوب الذي شرع في إنجازه هذه السّنة (من شركة OMV) أملاً كبيراً لتطوير الإنتاج الغازي في الصحراء التّونسيّة، ليس لأنّه سيبدأ استغلال حقول "نوّارة" فحسب، بل سيوفّر البنية التّحتيّة اللّازمة لاستغلال عشرات الحقول الغازيّة بالجنوب، البنية التحتية التي طويلا ما كانت الحلقة الأضعف و العائق الأساسي أمام تطوير عدد من الحقول الغازية في الجنوب، و الشيء الذي سيوفّر موارد جديدة و قدراً أكبر من التّوازن مع انتاج (British Gas) الآخذ في الهبوط، و الاستيراد من الجزائر الذي أصبح عبئه ثقيلا اكثر فاكثر.
- غاز الجزائر
يعلم القاصي و الدّاني أن الجزائر تصدّر غازها الى أوروبا عبر التّراب التّونسي، و أنّ تونس تتحصّل على كمّيّات من الغاز مقابل ذلك. لكن ربّما ما لا يعلمه الكثيرون، هو أنّ الجزائر تمتلك أنبوبين، أحدهما يشقّ تونس من القصرين و حتّى الهوّاريّة، بينما يمرّ أنبوب ثان عبر البحر مباشرة من الجزائر الى إيطاليا، و تتولّى الجزائر التّصرّف في مصدّراتها بين الأنبوبين.
لذا، فإنّ الكمّيّات التي تتحصّل عليها تونس من الغاز الجزائري ليست قارّة، و هي مرتبطة بخيارات خارجية، لا يملك الجانب التونسي أن يتدخّل فيها، فيما تقتطع السّلطات التّونسيّة كلّ ما تحتاجه من الغاز مباشرة من الأنبوب الجزائري - قسم يكون بعنوان الاتاوة (16%)، و الباقي يستورد بالأسعار العالميّة (31%).
- تونس بين الجزائر و ليبيا، فلماذا لا تنتج مثلهما؟
قد يستغرب كثيرون أنّنا لا ننتج إلا هذا القدر الهيّن فيما تقع تونس بين عملاقين نفطيين هما ليبيا و الجزائر. الإجابة بسيطة: أغلب البقع البترولية الكبرى في الجزائر و ليبيا تتمركز في جنوب البلدين، أي بعيداً عن حدودنا مئات الكيلومترات، و ما وراء ذلك بقع محدودة الى الأطراف. حتى التشاد تجاور ليبيا و الجزائر من جنوبهما، و هي تمسح أضعاف مساحة تونس و بالرغم من ذلك تنتج أقل منها... الأردن بين العراق و السعودية و هو لا ينتج شيئا...
بلادنا امتلكت حقلين كبيرين نسبيا: البرمة و عشتروت. أما بعد ذلك، فهي حقول "ثانوية"، كثيرة في العدد، محدودة في المساحة و المخزون، سريعا ما تنضب، و هو ما يؤثر على مردوديتها الاقتصادية، بل و يجعل الكثير منها غير مجدٍ تماماً، بل أن حتى حفر آبار الاستكشاف فيها هو استثمار على قدر عالي من الخطورة.
أغلب الحقول التونسية هي عموما بقع زيتية صغيرة قد تأتي بإنتاج "مهم" و لكن لفترات قصيرة جداً أحيانا، لا تتجاوز بضعة أسابيع أحيانا، و قد تمتد الى بضع سنوات مع انتاج متواضع. كذلك يوجد في تونس فرص لآبار ضعيفة، لا تتجاوز بضعة براميل يوميا، على مدى طويل يمتد عقودا (حقول الدولاب و سمامة في القصرين مثالا). و مثل هذه الآبار هي كثيرة في العدد، و لكنها لا يمكن أن تمثل رقما حقيقيا في الميزان الطاقي.
- لماذا التّراجع في الانتاج؟
يعود التراجع لأسباب طبيعية-معقولة، و لأخرى تتعلق بسوء التصرف و بغياب الاستراتيجية...
أما الأسباب الطبيعية، فهي ترتبط بالنفوق الطبيعي للمخزون، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال انتاج الكميات الباطنية كاملة، فالبترول المخزن في الأرض ليس وعاء نسحب منه حتى يفرغ عن أكمله، و معدلات الاستغلال في العالم تتراوح بين 20% الى 45% على أقصى تقدير.
و هنا يكمن ضرب آخر من السخافات التي يتداولها البعض، إذ و ما أن يتم الإعلان عن استكشاف و عن كميات مخزون البترول المتوقعة، حتى يمسك البعض بآلته الحاسبة، و يشرع في الحديث عن انتاج بملايين البراميل، على اعتبار انها ستكون من تحصيل الحاصل، آنيّة و دون تكاليف، و نصبح بها منتجين أكبر من الكويت و قطر!
واقع تونس هو أن الحقول "التاريخية" في تونس هي تنتج منذ الستينات (البرمة) و السبعينات (عشتروت)، و هي قد أستغلت بمعدلات عالية (30 الى 40% من الكميات الموجودة) قبل أن تنحدر مستويات الانتاج الى ما هي عليه اليوم، في حين أن باقي الحقول لا ينتج أكثر من سنوات قليلة حتى يتقلص بشدة.
الى جانب العوامل الطبيعية -التي يفترض أن تكون متوقعة- تأتي عوامل أخرى تتعلق بطرق و استراتيجيات الاستغلال، ضعف المتابعة المنهجية، اعتماد الحلول المبتورة و المستعجلة، التأخر في إنجاز المشاريع، ثم التكلفة الباهضة للإنتاج، و التي لا تتماشى و الظروف التي تتمتع بها بلادنا و لا الخصائص التي يتميز بها نفطنا. و هذه المشاكل هي مربط الفرس، أكثر بكثير من مسألة العقود التي وقفت على بابها أغلب الجدالات في السنوات الفارطة.
- الفساد في العقود:
باستثناء حالات قليلة، تعتبر العقود التونسية "جيدة" و تضمن حقوق الدولة، بل أن مجلة المحروقات في تونس هي أقل تشجيعا للمستثمر الأجنبي من مثيلتها الجزائرية، بالرغم من أن المقارنة لا تجوز بين عروض الانتاج التي يقدمها البلدين.
الإشكال هو عموما في طريقة متابعة العقود و الادارة التشاركية لرخص الاستغلال، ثم في ضعف الجانب التونسي و عدم قدرته على فرض رؤاه -إن وجدت- على الشريك الأجنبي.
في ما يخص العقود، لطالما شكلت رخصة "ميسكار" محل جدال -لن نعود إليه هنا- لكن أعتقد أن غياب الاستراتيجيات و اي توجهات أو قراءة مستقبلية، أسهم وقتها في أن تتخذ السلطات قرارا كان يبدو وجيها في ذلك الزمان، لكنه كان فادحا في مستقبل الأمور. على اعتبار أن الغاز لم يكن مهما في الخريطة الطاقية التونسية في سنة 1988، لكنه أصبح، و بسرعة، احد المحاور الرئيسية للمنظومة الطاقية، خصوصا و أن أغلب محطات توليد الطاقة الكهربائية التي أحدثت منذ ذلك التاريخ -ان لم تكن كلها- تعتمد على الغاز!
لكن أكثر العقود التي عرفت لغطا، و ربما يكون الوحيد الذي انتهى به المطاف الى أروقة المحاكم، هو رخصة استغلال حقل "الشرقي" بجهة قرقنة، لفائدة شركة PETROFAC الانجليزية، و الذي تورط فيه المرحوم مراد الطرابلسي. في المجتمع المدني العامل على دفع قيم الشفافية، اعتبرنا وقتها هذه القضية مفتاحا سيضيء الزوايا المظلمة في القطاع و سيكون مدخلا لفتح ملفات الفساد فيه على مصراعيها. و لكن، و بالرغم من الحكم على مراد الطرابلسي بالسجن وقتها لثلاث سنوات، كمتهم وحيد في القضية (!)، فإن المحاكمة بدت و كأنها عملت على لملمة الملفات أكثر من فتحها، و يبدو أن الجميع سعد بوفاة شقيق ليلى بن علي و بدفن القضية معه.
مرة أخرى، خلافا للضجة الكبيرة التي تدور حول العقود، المسألة الأهم -على الأقل في رأيي- هي في ترتيب البيت الداخلي من أجل إدارة و متابعة أنجع للعقود، و التي هي خطوة أوكد من مراجعتها.
لا شك أن التدقيق في العقود المبرمة هو أمر مهم، على الأقل حتى نقف على مواقع الوهن فيها، و نحدد خيارات واضحة تجاهها. ولكن من المهم ان ندرك جميعا نقاط ثلاثة:
1. العقود الممضاة مع شركات دولية هي اتفاقيات أجرتها الدولة و صادق عليها مجلس النواب في مراحل سابقة، لذا يجب توخي الحذر في التعاطي مع هذه المسائل، و عدم التساهل في إلقاء التهم أو التهديدات اذا لم تكن تستند الى أسباب قانونية حقيقية و ثابتة. أما أن نحول المزايدات السياسية أو الشعبوية، و نلقي بها على المستثمر الأجنبي، فهذا قد يكلف البلاد خسائر كبيرة (مباشرة أو غير مباشرة). هذه الشركات تستثمر أموالها في تونس و هي محمية بقوانين دولية (ما دام الجانب التونسي لا يحمل حجة على اخلال المستثمر بتعهداته)
2. كثيراً ما يعيش الجانب التونسي تحت ضغط التوازنات اليومية و يفتقد الى أي حلول بديلة. و كثيراً ما يكون الطرف الأجنبي مدركا جيدا مدى حاجتنا الماسة إِلى انتاجه فيشجعه ذلك على التهاون في الالتزام ببعض من تعهداته. فالسؤال المطروح هو كيف تضمن متابعة دقيقة، و من موضع قوة لا ضعف، لمختلف مراحل البحث، التطوير و الاستغلال، و كيف تمتلك الدولة حلولا بديلة -ناجعة و قانونية- للتدخل ان وقع أي إخلال.
3. وجب التفريق بين أخطاء الجانب التونسي و تلك التي تعود للشريك الأجنبي، حيث أن أغلب مشاكل القطاع يتحملها المتدخلون التونسيون، جهلا، بيروقراطية، سوء تصرف، فسادا او تهاونها في حماية المصالح الوطنية... و قد وجب هنا تحمل المسؤولية و العمل على النظر في المرآة و محاسبة أنفسنا، أفرادا و مؤسسات، على قلة المهنية كما على الفساد، بدل أن نرمي بمآسينا على ظهر الأجنبي.
منذ التسعينات، اختارت الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP أن تتوقف عن خلق الشركات المختلطة (Joint Ventures)، مقابل السماح للشركات الأجنبية بالتصرف المباشر في الانتاج من دون أن تقوم بالدور الرقابي
بالفاعلية اللازمة.
يؤسفني قول ذلك، و لكن كثيراً ما وجدنا في الأجنبي ملاذا للدفاع عن المصالح التونسية مما يقدم عليه بعض التونسيون، ممن لا يتوانون عن تكبيد الدولة خسائر بالآلاف و حتى بملايين الدولارات، لتحقيق منافع ضيقة جداً، انطلاقا من ثقافة "رزق البيليك"... ليس بطولة من الأجنبي، و لكن دفاعا منه عن مصالحه المرتبطة بمصالح الجانب التونسي. الأمثلة هنا عديدة، و هنا يجب أن تبدأ المحاسبة، و بجدّيّة!
- ما هو نصيب الدولة التونسية من عائدات الانتاج؟
هنا أيضاً يبدو أن العناوين التي تجتاح الحملات على الفايسبوك هي واقعة -بعض الشيء- في التسلل. تتحصل تونس على الجزء الأكبر من العائدات عبر الضرائب و الإتاوات، و يتقاسم الجانبين التونسي و الأجنبي التكاليف و العائدات حسب مساهماتهما في الإستثمار (تناصفاً في أغلب الأحيان).
أي أن المسؤولين الحكوميون لا يكذبون عندما يقولون أن نسبة 65 الى 80% من عائدات البترول تعود إلى الدولة التونسية. و لكنهم يغفلون عن تفصيل مهم، اذ أن العائدات تحتسب بعد حذف التكاليف، و يجدر بالذكر هنا أن تكاليف الانتاج في تونس تختلف بشدة من حقل الى آخر، و ترقى أحيانا الى مستويات مبالغ فيها لا تتناسب و طبيعة الحقل.
مع تضخّم تكاليف بعض الحقول -الراجع لأسباب عديدة- تتقلص مساحة الربح للدولة التونسية. كذلك يضرب هذا العامل مردودية هذه الحقول و آفاق استغلالها المستقبلية، و هنا تتحمل الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP مسؤولية حقيقية في مراقبة التكاليف، ترشيدها بشكل فاعل، و رفع مردودية الحقول من أجل دفع آفاقها.
- أين يقع المشكل الحقيقي؟
مشكلة الطاقة في تونس هي مشكلة استراتيجية و ادارية بالأساس، ركب عليها عدد من اللوبيات كمداخل للفساد في عمليات تربّح صادمة. و لكن الاعتقاد السائد، هو أن ما يكلفه سوء الحوكمة و قلة المهنية، هو أكثر بكثير مما يحدثه الفساد "المباشر" من خسائر.
الواضح، هو أن السياسة الطّاقيّة الوطنية افتقدت الى استراتيجيا أو حتى رؤيا حقيقية، و تعاملت مع التطورات التي عرفها الميزان الطاقي في تونس من تراجع في الانتاج أو تطور في الاستهلاك أو تقلبات في الأسعار بسلبية أقل ما يقال فيها أنها غريبة!
بين الثمانينات و أواخر العقد الأول من الألفينات، مررنا من مرحلة المصدر الذي ينتج ضعف ما يستهلكه، الى المستورد الذي لا يقدر على أن يغطي نصف ما يستهلكه، و لم نغير شيئا تقريبا في سياساتنا الطاقية، باستثناء إطفاء الأنوار على الطّّرقات كخطوة "للتّحكّم في الاستهلاك"!
على سبيل المثال، بقي نظام الدعم ساذجا و عاما و كأننا في ليبيا، يغطي قطاعات من المفروض أنها غير معنية بالدعم، كالسياحة و الصناعات التحويلية، بل و حتى شركات الطاقة نفسها التي تستعمل مشتقات نفطية مدعّمة في أنشطتها.
بل أننا لطالما سوّقنا -وقت بن علي- السعر المتدني للكهرباء في تونس كأحد المغريات لاستقدام المستثمرين الأجانب.. أي أنّنا -و بلغة أخرى- نعرض عليهم دعماً مباشراً للمنتوج الألماني أو الايطالي عبر خفض تكلفته الطاقية، حتى نضمن له مزيدا من التنافسية في الاسواق العالمية، فيما يتكفل صندوق الدعم بهذه التكاليف! ربما كانت مثل هذه الفكرة صائبة سنوات اعتماد قانون 1972، لما كنا نتمتع بفائض و لما كان سعر البرميل لا يتجاوز الخمسة عشر دولارا، و لكن من العجيب أن نبقي على نفس السياسة، دون تحيين، حتى بعد أن انقلبت الموازين في الداخل و تجاوز سعر البرميل المائة دولار في الأسواق العالمية. و ما هذا الا مثال صريح، و هناك أمثلة عديدة أخرى عن غياب أي قراءة استراتيجية للأمور.
المغرب الشقيق لا ينتج أي نقطة من النفط تقريبا، و لكن توازناته المالية لا تتأثر كثيراً نسبياً بتقلبات أسعار البترول في العالم، لأن رسمه الطاقي واضح، و يرتكز الى معطيات واقعية، حيث أنه يعرف تماماً ما له و ما ليس له. في حين أن تقلبات ببضعة دولارات في أسعار برميل النفط او الغاز هي حريّة بإثقال كاهل الميزانية التونسية بمئات المليارات!
من بين نقاط الضعف التاريخية للمنظومة الرسمية التي تعنى بالقطاع الطاقي في تونس، أنها -و بفعل بيروقراطية متحجرة- استحالت مؤسسات لمتابعة العقود من دون عمق استراتيجي، دون أي سعي لاستشراف المستقبل أو أي محاولات مبتكرة لتوسيع النشاط، تطويره، أو للتنويع المتدرج لموارد الطاقة. من المعلوم أن مع كل 1% في النمو الاقتصادي، يقابله 2% في زيادة استهلاك الكهرباء، أي أن العجز الطاقي الذي سرنا نحوه عبر الثلاثين سنة الاخيرة كان أمرا متوقعا، كان من الأحرى التعامل معه و استباقه.
كذلك يكمن دور الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP في حسن تسيير القطاع و دفع مردوديته بما فيه مصلحة البلاد و الاستغلال الأفضل و الأكثر استدامة للثروات الوطنية. و لكن، للأسف، أثبتت الإدارة فشلها في هذا الميدان مع اقتصار عملها على الجانب البيروقراطي، و كأنها مصلحة يقتصر دورها على إدارة العقود من دون رؤية استراتيجية. و بالرّغم من ثراء الموارد البشريّة في الشّركة، كمّاً و نوعاً، أسيء التّصرّف فيها و من لم يغادرها غرق في مستنقعات البيروقراطية الإدارية - أو هو في طور ذلك.
منذ منتصف التسعينات، تركت السلط التونسية مسألة مباشرة العمليات في رخص الإستغلال للشركات الأجنبية، و تعاملت مع حقول الجنوب كلّ على حدة، و كأنها جزيرات منعزلة، و لم تعمل على الدفع نحو سياسات مستدامة أو نحو وضع حلول مشتركة أو توفير بنية تحتية مشتركة تحسن من مردودية هذه العمليات و بالتالي هذه الحقول. و تتجلى نتائج هذه السياسات مثلا في التكاليف الباهضة لبعض الحقول التونسية، و الضعف الفادح للبنية التحتية المتراكمة في المنطقة بعد عقود من الاستغلال.
أما على المستوى الهيكلي، فتعاني المؤسسات التونسية المتحكمة في القطاع (الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP او الادارة العامة للطاقة) من ضعف ينعكس على قدرتها في تسيير شؤونه. حيث لا تتلاءم الأطر القانونية و الإدارية التي تعمل ضمنها هذه المؤسسات مع طبيعة القطاع و خصوصياته، و تشكل عامل ضعف يحد من الدور القيادي الذي يفترض بها أن تضطلع به.
- أين يكمن الفساد؟
الفساد بأنواعه، من المكشوف الى المقنّع، الى الضّمنيّ، يتواجد بصفة أكبر في ميدان الخدمات، منه في ميادين الاستغلال المباشر. اذ يضطلع العدد الأكبر من الشركات الفاعلة في القطاع النفطي بأدوار خدماتية تتراوح من النقل الى الخدمات الفندقية الى عمليات البناء و الهندسة المدنية، وصولا الى الصّيانة.
و يتميز عدد من هذه الأنشطة باحتكارها من قبل عدد من اللوبيات و الشركات التي تستحوذ لنفسها على العقود و فرص العمل، و بأسعار كثيراً ما تكون مشطّة بدرجة غريبة، مرتكزة على شبكات العلاقات و النفوذ، مستغلة للبيروقراطية التي تعاني منها الشركات -و التي تتمكن تماماً من ثغراتها و تعرف جيّدا كيف تطوّعها لصالحها- و مرتكزة على بضعة عناوين، من نوع "التجربة في الميدان البترولي" أو "القواعد اللوجستية في المنطقة الصحراوية"، أو عبر ضغوطات -سرية او علنية- ذات أبعاد جهوية أو نقابية، الخ.
- الطّاقة و المناجم، محرّك للتّنمية الجهويّة
على امتداد عقود، وقع استغلال الثروات الطبيعية بالدّاخل التونسي (سواء كان النفط في الجنوب أو الفسفاط في الحوض المنجمي) من دون أن ينعكس ذلك بشكل ملموس على البنية التحتية أو مستوى العيش أو التشغيل بهذه الجهات، بل بقيت في قاع ترتيب التّنمية، في مشهد سريالي يعكس فشلا استراتيجيا متعدّدة الأبعاد.
الحالة التي عليها المرافق الصّحّية في ولايات تطاوين و قبلي مثلا هي مرعبة، في حين أن هذه المناطق هي تعتبر نقط دعم لوجستي و خدماتي للحقول البترولية التي تنتشر في الصحراء. كذلك، احتكرت اللوبيات الخدماتية الفاعلة في القطاع مسألة التشغيل، مع استعمال يد عاملة من جهات أخرى، حتى في أنشطة لا تحتاج أي كفاءات خاصة، كالسواق أو الطباخين. و تعود مسألة التشنجات الجهوية في مسألة التشغيل أو قضية التنمية الجهوية أو البنية التحتية بالجنوب الى ما قبل الثورة، و ان أخذت منحى أكثر عنفا و اتساعا بعدها.
و ان كنا لا نتفق مع شكل هذه التحركات الذي كثيراً ما يفتقد الى العقلانية، فيجب ان نتفهم قدر الإحباط و الشعور العميق بالنقمة و الغبن الذي يحس به أهل هذه الجهات و هم ينتفضون بعد هدوء سنين عاشوا فيها تجاهلا مجحفا من قبل السلط المركزية، لم تستجب فيها الى أؤكد الحاجات الاساسية التي تقض عيش سكان هذه المناطق، في حين ان المعمول به في العالم هو ان تكون المناطق الغنية بالثروات متمتعة بحد أدنى من الرفاهية التي توفرها العائدات.
- أين تبدأ الحلول؟
تبدأ حلول القطاع النفطي في تونس، و التي تمتد الى مجمل قطاعي الطاقة و المناجم الذان يحتويان على أهم شركات البلاد (...STEG، STIR، ETAP، CPG، GCT)، عبر اعادة هيكلته اداريا، باستحداث وزارة مختصة بالطاقة و المناجم، و أن تقع مراجعة المنظومة الإدارية و القانونية للتصرف في هذه الشركات بما يجعلها تتلاءم مع الطبيعة الخاصة لهذه القطاعات، ثم ان تعاد هيكلة الشركات الوطنية و تعصيرها حتى تتحرر من قيود التخلف و البيروقراطية و تضطلع بحد أعلى من القدرة التنافسية مع الشركات الأجنبية و تصبح اكثر نجاعة في أنشطتها مع استغلال أفضل لقدراتها البشرية.
وقعت تونس في 1 جوان 2012 اتفاقية للانضمام الى المبادرة الدولية للشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) برعاية الجمعية التّونسيّة للشّفافيّة في الطّاقة و المناجم (ATTEM)، و التي تقضي بانخراط السلط التونسية في مسار مختلط، تشارك فيه الشركات الأجنبية و المجتمع المدني، يدعم الشفافية في القطاع و تتمتع بموجبه السلطات التونسية بدعم المبادرة المالي و الخبراتي للقيام بعملية تدقيق واسعة في العقود و في مدى احترامها. و لكن هذه الاتفاقية، و ان كانت استقبلت بترحاب السلطات في البداية، فإنها لم تحظى بقبول الادارة و انتهت سريعا حبراً على ورق لم تنفذ الدولة التونسية أيا من بنودها، بل لم تحاول حتى ان تستفيد من الخدمات و الدعم الذي توفره.
لا بد من بعث هيئة مستقلة لضبط الاستراتيجيات الطاقية للبلاد، و وضع خطط عمل و تحيينها دورياً. و يجب ان تكون هذه الهيئة مستقلة عن المؤسسات التي تعنى بالإدارة اليومية للحقول و المشاريع، كما يجب أن ترسم هذه الهيئة السياسات الطاقية المستقبلية، و برامج العمل الكفيلة بتحقيق توازن أكبر في ميزان الطاقة، على أن تتكفل الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP بلعب دور اكثر ريادية في استغلال الحقول النفطية و الغازية، بإعادة النظر في طرق الانتاج في رخص الاستغلال الجارية، و الانكباب على إيجاد حلول تقنية و لوجستية لتطوير الانتاج و جعله اكثر استدامة، لخفض تكاليفه، و تحسين مردوديته.
الخلاصة:
"الرزق السايب يعلّم السرقة"، و مواردنا الطبيعية ليست كبيرة، و لكنها "سائبة" الى حد كبير...
مواردنا صغيرة، لكن المشكلة ليست في حجمها بل في سوء التعامل معها، فسادا أو جهلا. و لا شك في ان الفلسفة التي أعتمدت في إدارة المجال الطاقي و المنجمي في العقود الأخيرة، قد اثبتت فشلها و ضيق أفقها، مخلّفة أكواما من المشاكل التي لا تلبث أن تنفجر في وجوهنا اليوم، الواحدة بعد الأخرى.
و لكن، و بالرغم من حجم المشاكل، فإن الإصلاح ليس بذلك الأمر الصّعب، طبعا ان توفرت النوايا الحقيقية للإصلاح.تعيش بلادنا اليوم مناخا ثوريا لا بد من استغلاله بالطريقة المثلى، ألا و هي الانطلاق في إصلاحات جذرية و شجاعة. و طلب فتح الملفات، و التدقيق في العقود، و اعتماد الشفافية و الحوكمة الرشيدة طبقا للمعايير الدّوليّة، في استغلال البترول خصوصا، و الثروات الطبيعية عموما، ليس بالطّلب المجحف.
و لكن اذا خيّرنا الإبقاء على ذات السياسات الفاشلة، فستأخذ الاحتجاجات اتجاهات أقل عقلانية و أكثر غوغائيّة و هيجاناً، و سيخسر الجميع، و على رأسهم المجموعة الوطنيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.