من أكثر الأسئلة التي تحرجني تلك المتعلقة ب"عطري المفضل"، وفي غالب الأحوال أحاول التهرب من الإجابة بقولي إنني أفضل عطر "بنت السودان"، وكان ذلك فيما مضى صحيحا، عندما كنا لا نعرف أن عطور الرجال غير عطور النساء، وكان العطر الذي يحمل اسم بنت السودان يأتي في قارورة ركيكة التصميم عليها صورة فتاة تعاني تصلباً في العظام والعضلات وتقف مستقيمة بحيث يشكل جسمها زاوية قائمة مع الأرضية التي تقف عليها، وكان أفراد الأسرة من الجنسين يتعطرون به في ذلك الزمان الذي لم نكن قد سمعنا فيه بأن صابون الاستحمام غير صابون غسل الملابس والأطباق، ولضحالة ثقافتي العطرية طلبت قبل سنوات من بائعة في سوق حرة في مطار عربي أن تختار لي عطرا نسائيا راقيا، فمدت لي قارورة تحمل اسم دونا كاران وطلبت مني أن أجرب بخة منها، ولكن أمرا ما جعلني أطلب منها أن تعطيني القارورة لألقي عليها نظرة... كانت باختصار مصممة على هيئة العضو التناسلي للرجل، وتصبب العرق من أمعائي وقولوني أي إنني أحسست بنوبة إسهال: ماذا لو رآني أحد معارفي ممسكا بذلك الشيء وأنا أحادث فتاة؟ ولأن لي قدرة عالية على الوقاحة المباحة فقد قلت لها: أنا لم أطلب سكشوال إيد أي أداة للجنس تصلح مادة لبرنامج لهالة سرحان بل عطرا أقدمه لامرأة من العائلة، فانتقلت عدوى الإسهال إليها واستنجدت بكبير القوم الذي أقسم بأنه لم ينتبه لتصميم القارورة وأمر بإزاحتها من الأرفف إلى حين إبلاغ مدير السوق الحرة بأمرها ومنذ السبعينيات أصبح الترويج للعطور يقوم على استثارة الغريزة الجنسية، وما من إعلان عن عطر إلا وجوهره أنه يجذب الجنس الآخر، وفي أواخر أكتوبر الماضي طرحت إيف سان لوران عطرا رجاليا (أم 7) على صندوقه الخارجي صورة رجل عار تماما، وكانت نفس الشركة قد طرحت العام الماضي عطرا نسائيا باسم "أوبيام" أي الأفيون وعليه صورة شابة عارية مستلقية على ظهرها، وقبل أيام قليلة طرحت المغنية الأمريكية الكوبية الأصل جنيفر لوبيز عطرا يحمل اسم جلاو ويعني الوهج أو التوهج وعليه صورتها وهي "لابسة من غير هدوم" كما يقول عادل إمام، ولا غرابة في ذلك لأنها تؤدي معظم أغنياتها وهي شبه عارية... يعني باختصار فإن شركات العطور باتت تمارس ضربا من بيع الجنس، مما يتيح لها تصنيع عطور متدنية المحتوى وتسويقها بأسعار مرتفعة لأنك في واقع الأمر تتحمل جانبا من المبالغ المالية التي تقاضتها أو تقاضاها من تمت المتاجرة بجسده شعاراً للعطر. وبدلا من أن تكون الرقابة على مقالات "الغلبانين" أمثالي ركِّزوا على تجارة الجنس المستترة وفلفلوا كافة قوارير العطر التي تدخل بلداننا وتذكروا كيف نجح إيف سان لوران في أوائل السبعينيات في غمر الأسواق العربي بعطر عليه صورته شخصيا وهو في كامل الاحتشام لأنه كان يرتدي فقط نظارته، وكيف اختفى ذلك العطر من الأسواق عندما بدأت الشرطة حملات مصادرته!.