بقلم الأستاذ بولبابه سالم السياسة بماهي تدبير شؤون الناس و التنافس على خدمتهم و الالتصاق بمشاغلهم في ظل التعددية السياسية و قيم الحرية و الديمقراطية من أجل كسب ثقتهم و في نهاية المطاف خدمة البلاد و العباد غير متوفرة في تونس . في تاريخ تونس الحديث يتفق الكثير من المؤرخين أن الشيخ عبد العزيز الثعالبي هو الذي ادخل مصطلح الفكر السياسي ضمن الحياة السياسية نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين . و يظل السؤال اليوم ، هل توجد حياة سياسية في تونس ؟ بالنظر الى طبيعة الخطاب السياسي السائد اليوم و كمية الثرثرة و السجالات السياسية التي نتابعها في مختلف وسائل الاعلام يكاد المرء يخال نفسه في دولة تتنفس و تعيش سياسة . لكن - مع بعض الاستثناءات- فإننا نشهد هذيانا ايديولوجيا مقيتا يجتر الأفكار المحنطة دونما قراءة للواقع الاجتماعي و الاقتصادي الجديد الذي تعيشه تونس في ظل تحولات اقليمية و دولية متسارعة . ان بعض الاعلاميين و السياسيين يمارسون مراهقة ايديولوجية متأخرة بعد سنوات من التصحر السياسي عاشتها البلاد في عهد النظام المخلوع . و رغم مرور 6 سنوات على الثورة فإن الخطاب لازال سطحيا متكلسا لا يخلو من مزايدات و تراشق بالاتهامات المضحكة احيانا . صحيح ان البعض يقتات من هذا الخطاب البائس كما نجد بعض الاعلاميين المرتزقة لم يستوعبوا دروس التاريخ و ثورة 17 ديسمبر ليبقوا مجرد ابواق مكلفة بمهمة تعيد الانتشار في كل مناسبة سياسية او انتخابية . و لئن كانت هذه البرامج الاعلامية و ما يرافقها من خطاب سياسي قد لقيت رواجا بعد الثورة للاسباب التي ذكرناها فإننا نتابع اليوم عزوفا عنها نتيجة اتساع الهوة بين مشاغل الناس الاجتماعية (فقر ، بطالة ، تهميش ، حرقان ،،) و بين نخب سياسية استكرشت و ظهرت عليها علامات الثراء . لقد كشفت الفيضانات الاخيرة و مغادرة العشرات من الشركات الاجنبية لتونس و مشكلة بيتروفاك و الحوض المنجمي و الفوسفوجيبس بالمركب الكيميائي بقابس عن بؤس الطبقة السياسية حكما و معارضة ، و العاجزة امام الشعب عن ايجاد الحلول المناسبة . مازالت التيارات القومية و الاسلامية و اليسارية و الليبرالية تحيي صراعاتها القديمة مما سمح للنظام القديم باعادة التموقع من جديد . مازلنا ننتظر ان تمارس الاحزاب السياسة و تنتشر في الأرض ليرى التونسيون برامجهم الواقعية في مشاكل التنمية و التشغيل و انعاش الاقتصاد مع سياسة خارجية تراعي المصلحة العليا لتونس و شعبها ، و يجب ان تكون تلك البرامج نابعة من القراءة الموضوعية للواقع و ضمن امكانيات البلاد المعروفة لا انطلاقا من كراساتهم المهترئة . الوضع في تونس صعب جدا و الحياة السياسية فيها بائسة ، و العلاقة بين الحالتين واضحة و جلية . كاتب و محلل سياسي