بقلم الأستاذ بولبابه سالم "الديمقراطي هو الذي يخسر الانتخابات " هذا ما قاله الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران لأن قبول الهزيمة و تهنئة الفائز ينم على سلوك ديمقراطي أصيل . انتهت الانتخابات الرئاسية و فاز الأستاذ الباجي قايد السبسي على منافسه الدكتور المنصف المرزوقي , ما شهدناه خلال الحملة الانتخابية يجب أن ينتهي فقد مل التونسيون من خطابات السب و الشتم و التجريح و هتك الأعراض , كفانا جلدا لبعضنا البعض , كفانا مناكفات . ندخل اليوم مرحلة جديدة بعد استقرار المؤسسات و تنظيم السلط . لقد شبع التونسيون من السجالات و توجنا تلك المماحكات الفكرية بدستور ديمقراطي يضمن الحقوق و الحريات , من يخاف من عودة الاستبداد فهو واهم لأن التونسيين افتكوا الفضاء العام و لديهم منظمات وطنية و جمعيات يقظة . الشعوب الحية تمارس يقظتها بنفسها و تراقب أداء السلطة التنفيذية مثلما يقوم بذلك البرلمان المنتخب . أكثر الذين يشوشون الانتقال الديمقراطي هم الثورجيون الزائفون الذين يعتقدون أنهم غيفارات جدد فلا يعجبهم العجب و لا الصيام في رجب و معهم الانتهازيون الذين لا يبحثون سوى عن مصالحهم الشخصية و امتيازاتهم الخاصة . تعيش تونس وضعا اقتصاديا صعبا وسط مطالب شعبية حارقة من تشغيل و تنمية و عدم توازن جهوي , و السلطة في هذه الظروف ليست فسحة و لا صكا على بياض , هذه الأسباب دفعت السيد الباجي قايد السبسي إلى الاعلان صراحة في خطاب أمام أنصاره أنه سيعمل مع الجميع من أجل مصلحة البلاد وحيّا الدكتور المنصف المرزوقي و من انتخبه و قال أنه من الضروري طي الصفحة . لا يمكننا أن ننظر إلى المستقبل و نعالج مشاكل الحاضر و تفكيرنا منصب على الماضي القريب و البعيد , ما حصل و يحصل يجب أن يترك للخبراء و الباحثين لتحليله و تمحيصه , أما السياسيون فهم مطالبون بعدم مغادرة الساحات العامة و الأحياء الشعبية و المناطق التي زاروها خلال الانتخابات و يتواصلوا مع مشاغل المواطنين . التحدي الاقتصادي و محاربة الفقر هي أولويات المرحلة و تبقى مكافحة الارهاب و التصدي للفكر التكفيري المتطرف من مشمولات المؤسسة الأمنية و العسكرية و المواطنين دون نسيان الجانب الفكري و التربوي و التوعية الدينية . تظل تونس استثناء عربيا و مهما عشنا من توترات فإن لتونس عقلاء و حكماء جنبوها الكثير من المنزلقات الخطيرة و تشكل مؤسسة الحوار الوطني ابداعا تونسيا خالصا حيث لعبت دورا كبيرا في أزمات السنة الماضية . في الأخير تبقى الطبقة السياسية في حاجة إلى مراجعات و نقد ذاتي , و مطالبة بتجديد قياداتها التي فشلت في الامتحانات الانتخابية الأخيرة مثلما يحدث في الأحزاب الأوروبية حيث يقدم رئيس الحزب استقالته عند الهزيمة و لكن المصيبة أن رؤساء الأحزاب في تونس ممن لم يتحصلوا على صفر فاصل يتمسكون بمناصبهم و يقصون كل من يطالب بالاصلاح .