- تم مساء الأربعاء بقاعة "سيني مدار" بقرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة)، عرض شريط "نحبك هادي" المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 27 لأيام قرطاج السينمائية (28 أكتوبر-5 نوفمبر2016) . ويروي شريط "نحبك هادي" للمخرج محمد بن عطية قصة شاب يبلغ من العمر 25 عاما، اسمه " هادي" (مجد مستورة) وطباعه هادئة كذلك، يستعد للزواج من خطيبته خديجة التي اختارتها له العائلة. عائلة هادي، ترضخ لسيطرة الأم التي تتدخل في كل شؤونها، وتتحكم أيضا في حياة هادي المرتبة والرتيبة، إلى حين لقائه بريم، الشابة القوية التي تعمل كمنشطة سياحية في نزل. تمثل ريم (ريم بن مسعود) نقيضا لهادي، فهي تلك الفتاة المستقلة بذاتها والتي تتحمل مسؤولياتها وتسعى للقيام باختياراتها الحياتية والمضي فيها. بعد لقاء ريم وقصة الحب التي جمعتهما، يجد هادي نفسه ولأول مرة أمام فرصة الاختيار، إذ أحدثت انقلابا جذريا في شخصية هادي وحياته الرتيبة ليتحول إلى شخص مختلف تلقائي، متحدث بمرح يحكي عن رسوماته وحلمه بأن يجمعها في ألبوم. فتشجعه ريم مؤكدة أن هذا لا يعد حلماً وإنما هو مشروع عليه أن يواصل تحقيقه. ريم، المنشطة الراقصة التي تنتقل من نزل الى آخر ولا تعرف أين سيستقر بها المطاف، قلبت الهدوء في حياة هادي حركة والرتابة حيوية والاستسلام تمردا والبرود دفئا وأيقظت كل الأحاسيس النائمة فيه. فريم تمثل كل ما حرم منه هادي، فهي الحب والحياة الصاخبة والجنس والانفتاح على العالم والسفر والحرية والمغامرة ... وفي نهاية الفيلم، يقدم المخرج البطل "هادي" وهو يقود سيارته ليلاً في الظلام، ثم يتوقف على شاطئ البحر، يتأمله طويلاً حتى شروق الشمس ثم يتجه نحو المطار، أين يودع ريم بحرقة ثم يخرج متلفتاً يساراً ويميناً وفجأة تتوقف الكاميرا في اللقطة الأخيرة التي انتهت قبل العبور. ولئن عبر عدد كبير من جمهور سيني مدار، البارحة، عن إعجابهم بهذا الفيلم الروائي الطويل فإن آراءهم حول نهايته تباينت. فمنهم من اعتبر أن الكاميرا توقفت فجأة مما ولد لديهم شعورا بأن الأمر يتعلق بانقطاع تقني سيتواصل على إثره عرض بقية الفيلم، وآخرون رأوا أن النهاية التي اختارها المخرج تعد "جد موفقة" إذ أنه لم يفرض رؤيته على الجمهور وترك لهم حرية التأويل والاختيار ليجسم بذلك الفكرة الرئيسة للشريط والمتمثلة أساسا في حرية الاختيار. كما اختلفت آراء بعض المشاهدين الذين حاورتهم "وات" إثر انتهاء العرض بخصوص بعض اللقطات الحميمية التي تضمنها الشريط، بين مؤيدين لحرية الإبداع وآخرين داعين إلى الالتزام بأعراف وتقاليد المجتمع العربي عامة والتونسي خاصة. ففيما اعتبر البعض "المشاهد الحميمية" التي تضمنها الفيلم مسقطة، متهمين المخرج بالمبالغة في إدراجها ضمن أحداث الشريط، ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها مشاهد ذات أبعاد رمزية توحي بجرأة السينما التونسية وانفتاحها على محيطها وتحررها من المكبلات التي تعوق انتشارها على مدى أوسع. تقول (ن،ر) طالبة في العشرينات من عمرها وإحدى المتابعات للعرض : " لقد عمل الشريط على تأمل جوانب نفسية من الإنسان العادي الذي نراه بيننا لكننا لا ندرك حجم ما يعيشه" مضيفة أن حكاية هادي بطل الشريط هي "حكاية إنسانية عالمية باعتبار أن الفيلم يعالج مشكلة السلطة بمفهومها الشامل سواء كانت سلطة العائلة أو سلطة المجتمع أو غيرها وهو موضوع مشترك بالنسبة لكافة الشعوب". ويتفق معها الشاب (م، ع) الذي يعتبر أن "البطل هادي يجسد حالة إنسانية عندما يجد المرء نفسه أمام خيارين كلاهما صعب، بقطع النظر عن الجنس سواء كان ذكرا أم أنثى". وترى (س، ي)، ربة بيت أن البطل قدم آداء بارعا لشخصية مسلوبة الإرادة بكل تفاصيلها : مشيتها، نبرة صوتها، حركة يدها، نظراتها، معتبرة أن التحول في الشخصية خلال مراحل الشريط كان مدروسا ومقنعا، وفق تقديرها. ويبدو أن المخرج لم يعتمد طرحا معقدا لشخصية البطل الذي ظهر في الجزء الأول من الفيلم كشخص سلبي وغير فاعل ليفسح المجال أمام المشاهد حتى يقترب شيئا فشيئا من شخصية هادي ليلامس عن كثب أزمته النفسية ويفهم حكايته حتى أن حركة الكاميرا نفسها تصب في هذا المنحى. كما لم يخل الشريط من بعض المشاهد الكوميدية والطريفة التي أضفت على أجواء قاعة السينما المكتظة بالمشاهدين، مسحة من المرح. ويتجلى للمشاهد أن ثورة 14 جانفي سجلت حضورها ضمن سياق الفيلم وبطريقة سلسة لتشير انتفاضة "هادي" على وضعه الى انتفاضة البلد فضلا عن بعض التلميحات التي تضمنها الشريط حول واقع تونس الآن، إذ يشير الى الجانب الاقتصادي من خلال إثارة مسألة ندرة مبيعات سيارات البيجو بالشركة التي يعمل بها هادي، بالإضافة إلى المؤسسات السياحية والشواطئ شبه الخالية من السياح، في إشارة إلى تدهور السياحة بعد الأحداث الإرهابية التي عانت منها تونس. وتوقع جل المشاهدين الذين حاورتهم (وات) أن يفوز شريط "نحبك هادي" بإحدى جوائز الدورة 27 لأيام قرطاج السينمائية التي سيتم الكشف عنها يوم السبت 5 نوفمبر الجاري أثناء الحفل الختامي. ونال الفيلم التونسي "نحبك هادي" إعجاب النقاد واستأثر باهتمام عديد وسائل الإعلام الأجنبية إذ مثل أول شريط عربي يعرض في مسابقة رسمية دولية منذ عقدين في مهرجان برلين السينمائي، ليعيد بذلك السينما العربية والتونسية الى هذا المهرجان السينمائي العريق. وحصد الفيلم، بهذه المناسبة، جائزة العمل الأول للمخرج محمد بن عطية باعتباره أول فيلم روائي طويل في رصيده بعد إنجازه لعدد من الأفلام القصيرة مثل "موجة" و"سلمى" وتحصل مجد مستورة (بطل الفيلم) في التظاهرة ذاتها على جائزة الدب الفضي لأفضل ممثل. كما توج "نحبك هادي"، وهو من إنتاج تونسي بلجيكي فرنسي مشترك، بالجائزة الكبرى للمهرجان السينمائي الدولي " ARTE MARE" بمدينة باستيا الفرنسية، في أكتوبر الماضي، وبجائزة "أفضل فيلم" في المسابقة الدولية للدورة 22 للمهرجان السينمائي الدولي بأثينا.