بقلم: شكري ن عيسى (*) "فاز" اردوغان وقتيا (في انتظار اعلان النتائج النهائية رسميا) بعد فرز اكثر من 99%، ب1% زيادة عن ال50%، بتغيير النظام من البرلماني الى الرئاسي، وطبعا هذا الفوز له دلالاته وابعاده، وهو بالاساس نسبي، فلئن تم التجديد على استمرار حكم العدالة والتنمية، فان حصة الحزب حسب الاستفتاء الحالي تراجعت، اذ الحزبين المدعمين للاستفتاء (AKP والحركة القومية) حصدا معا في الانتخابات السابقة ما يزيد عن 60% (أصوات)، والتراجع اليوم يناهز التسع نقاط كاملة وهو امر مثير للانشغال، وفي هذا الصدد فلا يمكن الحديث عن فوز حقيقي، لان الفوز لا قيمة له اذا لم يكن معززا ويضمن رفاهية في الحكم ويضمن استمرار التفوق مستقبلا، وهو ما لا يضمن فوز اردوغان في الرئاسيات القادمة في أواخر 2019.. هذا "الفوز" المر واجهته نسبة معارضة عالية جدا داخليا، وعمّق الانقسام الداخلي والاستقطاب كان واسعا، وزاده رفض المعارضة النتائج الأولية، ولكن وهذا الاخطر تواجهه مصاعب خارجية جمة وكان ثمنه عاليا خارجيا، وبالتالي فالمهمة ستكون صعبة جدا امام اردوغان حسب مقربين حتى من العدالة والتنمية، واردوغان اليوم مطالب مع انحسار نجاحاته واهتراء نموذجه في الحكم بالابتكار والتجديد ولكن ايضا تحقيق الوحدة الصعبة، والتناقضات تتزايد وتتعقد داخليا حتى في عمق العدالة والتنمية بعد الخلافات مع اغلو وغولن والجيش وغيرهم، (وحسب بعض الارقام حتى داخل العدالة والتنمية قرابة 10% بين المعارضين والمترددين على التعديل والمقاطعين له)، وبعد الصراعات في ظل وضع اقليمي متفجر وبعد نزاعات عميقة مع اوروبا والولايات المتحدة، وعلاقات صارت مظطربة مع كل الاجوار بعد ان كات خاصعة لقاعدة "تصفير المشكلات مع الجوار".. تعب المنوال التنموي التركي وترهله السنوات الاخيرة، ستضاعف الصعوبات والامر لن يكون نزهة كما يعتقد بعض المتخمرين، وكان لا بد من استخلاص الدروس العميقة خاصة للاسلاميين في تونس الذين يقارنون الغنوشي باردوغان، والفرق الحقيقة عميق وشاسع ولا يكاد يوجد علاقة جملة وتفصيلا، لان اردوغان الذي حقق النجاحات امتلك مؤهلات هامة تخول له النجاح، بعلاقته بالشباب عبر كرة القدم المحترفة التي احترفها لسنوات، وتكوينه الاكاديمي في الادارة والاقتصاد وشغله عمدة اسطنبول والتصاقه بمشاغل المواطن عن كثب، وقدراته الخطابية الخارقة ورسوخه في المبادىء الدينية الاجتماعية وقيادته بجدارة وليس بمنطق "المؤسس" للحزب، خلاف الغنوشي الذي يفتقد قدرات الخطابة والتسيير العلمي والرسوخ في المجال الاقتصادي وحتى الديني-السياسي.. والفارق الحقيقة شاسع ولا مقارنة تجوز وعناصر الاختلاف عميقة، اولويات اردوغان كانت واضحة والتوجه لمكافحة الفساد كان حاسما منذ توليه الحكم بداية الالفية، والتوجه الاجتماعي بضمان الصحة وضمان كرامة العيش كان واسعا جدا، والرفاه الذي حققته تركيا كان عبر منوال اقتصادي مبتكر تحقق معه الامن والاستقرار الاجتماعي، وتم عبر تموقع دولي يضع تركيا كدولة مركز بعد نظرية اوغلو المبتكرة "العمق الاستراتيجي-موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"، وتخيلو الفوارق بين اردوغان والغنوشي وبين عبقرية اوغلو وتورم (سياسيا) رفيق عبد السلام وزيتون.. بكل تلك الانجازات والانتصارات اليوم تنحسر وتتراجع العدالة والتنمية.. فما بالكم والنهضة اليوم لا تمتلك اي عمق في المشروع.. ولا تمتلك برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية واضحة!! درس عميق للنهضة التونسية التي تتكلس مقارباتها يوما بعد يوم وللغنوشي الذي يحلم اليوم بالرئاسة أرضية دنيا، وهو في ذيل استبيانات الراي المختلفة بنسبة هزيلة جدا، وايضا للحاشية المقربة لزعيم النهضة الذين يقودون الحركة نحو الزابونية المقيتة والشخصنة والاستنسابية القاتلة!! (*) قانوني وناشط حقوقي