تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا تستعد للاستفتاء: السياسة الخارجية التركية تنطلق من «الصفر»...
نشر في الحوار نت يوم 04 - 09 - 2010

تركيا تستعد للاستفتاء: السياسة الخارجية التركية تنطلق من «الصفر» نحو عمقها الاستراتيجي وتاريخها «العثماني»
ال«خوجا» أحمد داود أوغلو رسم معالمها ودخل الحكومة مترددا.. متمنيا «الموت خلال التدريس»
إسطنبول: ثائر عباس
في الحلقة الرابعة من ملف «تركيا على مفترق طرق: العلمنة أو الأسلمة» تعرض «الشرق الأوسط» المتغيرات التي لحقت بالسياسة الخارجية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، التي تبلورت أكثر مع وصول ال«خوجا» أحمد داود أوغلو (أي الأستاذ باللغة التركية) إلى قمة هرم السياسة الخارجية في تركيا، حاملا معه إلى هذه الوزارة نظرياته المثيرة للاهتمام حول «العمق الاستراتيجي» و«العثمانية الجديدة». بالإضافة إلى سياسة «تصفير المشكلات» مع الجوار، فانتقل الوضع عند الحدود التركية - السورية من منطقة استعداد للحرب قبل 10 سنوات إلى منطقة تجارة وسياحة مفتوحة بلا حدود تقريبا، أما اليونان، التي تعتبر أبرز خصوم تركيا، فقد توصلت إلى تأييد عضويتها في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العمل الدؤوب لحل المشكلة مع أرمينيا.
ويعزو كثيرون «الانقلاب» في السياسة الخارجية التركية إلى داود أوغلو، الذي وضع فيه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ثقة كبيرة، ويقال إنه سيكون مرشحه التالي لأحد المناصب المهمة في الحزب الحاكم والدولة. وقد سارع كثيرون لتلقيب داود أوغلو بأنه «كيسنجر التركي»، للإشارة إلى فاعلية السياسة الخارجية التركية في عهده، لكن هذا اللقب يزعج وزير الخارجية التركي، على الرغم من الشهرة الواسعة التي يحظى بها كيسنجر. فالوزير التركي كتب أطروحات طويلة يدين فيها السياسات التي اتبعها كيسنجر، والمقربون منه يرون أن هذا التوصيف «في غير مكانه» لأن «واقعية» كيسنجر مسؤولة عن الكثير من المأسي في الشرق الأوسط وغيره، حتى إن بعض معاوني داود أوغلو اتصلوا شخصيا بعدد من مستعملي هذا الوصف من المفكرين والمحللين العرب ل«التوضيح».
على الرغم من أن الرجلين (كيسنجر وداود أوغلو) يمتلكان الكثير من أوجه التشابه، فكلاهما درس العلاقات الدولية وتخصص فيها، وكلاهما انخرط في الوساطات بين العرب والإسرائيليين ضمن جهود المفاوضات من أجل السلام، وكلاهما تولي منصب وزير الخارجية وهو في الخمسين من عمره، لكن هذا لم يجعل من اللقب مقبولا لدى أوغلو والمقربين منه، الذين يفضلون أن يسموه «داود أوغلو» فقط كما يقول أحدهم.
وقد انتقد الوزير التركي في كتاب أصدره في عام 2006 بعنوان: «العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية» مكتبة الشروق الدولية، 2006، بعض أهم نظريات كيسنجر وتلامذته، وركز انتقاداته على نظرية «صدام الحضارات»، و«نظرية نهاية التاريخ»، وانتقد أيضا كل نظريات النهاية التي أنتجها الفكر الغربي خلال القرن الماضي «نهاية الدين، ونهاية الآيديولوجيا، ونهاية التاريخ»، معتبرا أن النظرية التي تحاول أن تشرع استخدام القوة لحماية مصالح القوى الكبرى هي «مبدأ مفرغ من المضمون الإنساني»، معتبرا أن المشكلة في «صدام المصالح» وليس «صدام الحضارات»، ويتوصل أوغلو في نهاية المطاف إلى أن «الحضارة الغربية برمتها تمر بأزمة، وأزمتها تتلخص في عجزها عن توفير الأمان الوجودي والحرية، وهما هدفان أبديان للإنسان على مر التاريخ، وكل حضارة تفشل أو تتراجع عن تحقيقهما تصبح متوترة وانفعالية تجاه الآخرين»، معتبرا أن عجز الحضارة الغربية عن توفير «الأمان» و«الحرية» للإنسان يترجم في «رعونتها في التعامل مع بقية شعوب العالم، وعدوانيتها تجاه الآخر، وانتهاكها للتوازن الفطري بين القيم المادية والقيم الأخلاقية الروحية، وحتى للتوازن البيئي لحد التسبب في خرق طبقة الأوزون، إضافة إلى أن نزعتها الطاغية نحو العولمة تهدد بإلغاء التعددية الحضارية، وفرض نمط واحد عن طريق مزيد من القسر والإكراه».
فيما سمته دوائر أخرى ب«مهندس السياسة الخارجية التركية»، وهو لقب يبدو أنه لم يزعج الرجل الذي ينتظره مستقبل سياسي كبير في «الدولة العثمانية الجديدة» على الرغم من أنه لا يزال يفضل العمل الأكاديمي عن السياسي.
ويكشف عبد الحميد بيليجي، وهو كاتب عمود في صحيفة «زمان توداي» الناطقة بالإنجليزية، ومن المقربين من داود أوغلو، أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عرض على داود أوغلو أن يتسلم منصب وزير الخارجية بعد انتخابات عام 2007، لكن الأخير رفض ذلك، مشيرا إلى أنه قبل المنصب من العرض الثاني، موضحا أنه يعلم شخصيا أن داود أوغلو لا يزال يحن إلى مهنته كأستاذ ولإكمال كتبه التي لم ينتهي منها بعد. مستذكرا جملة رد بها الأخير على سؤال لصحيفة تركية عن الطريقة التي يود أن يموت بها، إذ أجاب حينها: «خلال إعطائي الدروس».
ويشير بيليجي إلى أن داود أوغلو لعب دورا كبيرا في تطور السياسة الخارجية لتركيا، معتبرا أنه محترم جدا في الدوائر الأميركية والفرنسية والبريطانية والروسية، بالإضافة إلى دوره في العراق وفي تخفيف التوتر بين سورية وإسرائيل، ليخلص إلى أن أوغلو استطاع أن يجعل من تركيا لاعبا محترما في الشرق الأوسط بعد نكران طويل لدورها هناك.
أما برهان كوروغلو، الأستاذ الجامعي، القريب من داود أوغلو، فيرى أنه «رجل عالم قبل كل شيء، فما كتبه كثير وهو غير مترجم»، ويقول: «هو أكاديمي مرموق، ويعرف المنطقة بشكل جيد. يعرف الغرب فلسفيا وتاريخيا، ويعرف العالم العربي والشرق الأوسط والشرق الأقصى، لأنه درس في ماليزيا، وعاش في الشرق الأوسط، وتحديدا في الأردن ومصر أيام دراسته. وبعد أن تولي منصبه كمستشار لرئيس الوزراء أمسك بالكثير من الملفات المهمة جدا، كملفي العراق وسورية».
«الرجل لا يعرف النوم، وعنده قدرة عالية جدا على استيعاب الأزمات، وكذلك عنده نظرة استراتيجية عميقة»، يقول كوروغلو، ويصفه بأنه «رجل مخلص لعمله ولشعوب المنطقة، وعلى المستوى الفلسفي والإنساني والسياسي يستطيع أن يستوعب المشكلات ويجد الحلول الآنية، وعلى المدى المتوسط والطويل، وهذه كلها جعلت منه رجل الحلول». مشيرا إلى وجود «تجانس وتعاون كبير بينه وبين رئيس الوزراء، وتفاهم كبير مع الرئيس السوري بشار الأسد ورؤساء آخرين، ولولا هذا التعاون لكان من الصعب إنجاز هذه الأعمال».
ثم يستطرد: «هذا الكتاب كتبه قبل أن تؤلف حكومة العدالة والتنمية، ووجد الفرصة لتطبيقها مع تسلمه منصبه، وهذا بفضل دعم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء». ويضيف: «لا نستطيع أن نقول إن شخصا ما مسؤول لوحده، إنها سياسة حكومة وسياسة دولة، هو له دور، لكن في النهاية، رئيس الوزراء ورئيس الجهورية هما في قمة السلم. وكلها قرارات تتخذ بشكل جامعي، هناك ديمقراطية داخل الحزب، أكيد يسمعون من (المعلم)، ولكن كل هذه القرارات، هي قرارات تتخذ.. من ناحية أن التنظير له دور، أكيد هذا الاتجاه كان موجودا لدى الطيب أردوغان عندما كان شابا، فقد كانت له عواطف تجاه الشرق الأوسط».
أما عن «إسلامية داود أوغلو»، فيقول كوروغلو إنه لا يقبل هذه التسمية الآيديولوجية المستعملة في الغرب، مفضلا القول إن «داود أوغلو رجل متدين، يؤمن بأن الدين الإسلامي دين شريف، لكن في الوقت نفسه يؤمن بأن الديمقراطية نظام حياة، وبحقوق الإنسان»، موضحا أنه في حياته الشخصية يطبق الإسلام كطريقة حياة. ليخلص إلى القول إنه «أفضل وزير خارجية جاء في تركيا ويعرف كل صغيرة وكبيرة في المنطقة، وله وقفة كبيرة جدا في الخارجية التركية وأدخل روحا جديدة في الخارجية، كنا كثيرا ما ننتقد الروح المتغربة في وزارة الخارجية التركية، وأدخل روحا وطنية».
ويمتلك الوزير التركي 3 نظريات أساسية تعبر عن رؤيته للعلاقات الدولية، وهي: نظرية التحول الحضاري، ونظرية العمق الاستراتيجي، ونظرية العثمانية الجديدة. وقد طرح في الأولى رؤيته لمستقبل العلاقات الدولية، مستنتجا أن ما يجرى في العالم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ليس تعبيرا عن انتصار الرأسمالية الليبرالية، ولا عن نهاية التاريخ، وإنما هو تعبير عن تحول حضاري واسع المدى، وبموجب هذا التحول ينزاح تدريجيا «المركز الحضاري الأطلسي الأميركي»، وتحاول القارة الأوروبية العجوز استرداده مرة أخرى من خلال «الاتحاد الأوروبي»، كما تحاول آسيا «المركز الباسيفيكي» بناء هذا المحور الجديد بقيادة الصين والهند واليابان، كما يحاول العالم الإسلامي من خلال حركات الإحياء الإسلامي أن يبني محورا حضاريا جديدا أيضا مرتكزا على تماسك رؤيته للعالم، وفي القلب من هذه الرؤية تقع قيمتا الحرية والأمان الوجودي بالمعنى الإنساني الإسلامي. ويرى أوغلو أن «النموذج الإسلامي» في رؤيته للعالم يضمن السلام مع البيئة بخلاف النموذج الغربي؛ لأن المسلم يدرك أن الكون هبة الله، وهو حق مشترك للجنس البشري، ولذا لا بد من المحافظة على البيئة، لأنها شرط جوهري لصلاحية الكون للحياة. كذلك يؤكد أن النموذج الإسلامي يعبر عن الأصالة والتعددية؛ فتصوره للتاريخ والزمن يؤكد الطبيعة الدائرية وليست الخطية الأحادية، كما الحضارة الغربية، ومن هنا أهمية التجديد وقدرة الحضارة الإسلامية على استعادة مكانتها، فالسيادة الحقيقية لا تنطلق من التفوق المادي وحده، وإنما من التفوق القيمي والروحي أيضا.
ويشرح داود أوغلو «العقبات التي تعترض نهضة المحور الحضاري الإسلامي»، منبها إلى أن المحور الحضاري الأميركي سيسعى للاحتفاظ بتفوقه بشتى الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، بما في ذلك أن يتلاعب بالأسس الداخلية للمراكز الحضارية البديلة له. ويرسم تصورا من أربع مراحل، قطع منها المحور الإسلامي ثلاثا ودخل في الرابعة، أولاها مرحلة الخضوع للنزعة الاستعمارية، وثانيتها مرحلة تحدي الهوية بعد سقوط الخلافة العثمانية وحتى قيام ثورات التحرر من الاستعمار، وثالثتها مرحلة نشأة دولة ما بعد الاستعمار وسيطرة النخب المتغربة عليها، ورابعتها يسميها «مرحلة تجدد الإدراك الذاتي الإسلامي» وتخلصه تدريجيا من عقدة الدونية التي سيطرت على الذهنية المسلمة إبان الحقبة الاستعمارية. ويضرب داود مثالا على ذلك بخروج تركيا منذ منتصف الثمانينات من سياسة الانكفاء على الذات، والعزلة عن محيطها الاستراتيجي الإسلامي، والقبول المتنامي لهذا التوجه في السياسة الداخلية التركية.
أما في نظرية «العمق الاستراتيجي» التي ترسم معالم السياسة الخارجية التركية الحديثة، فإنه ينتقد «النظرة الغربية والأميركية التي وضعت بلاده في مكانة هامشية، أو طرفية ضمن النظام العالمي، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة»، مشددا على أن «تركيا دولة مركزية، والدليل على ذلك هو وجود تركيا في مكان قريب من الجغرافيا التي تسمى (أفروآسيا)، أي أفريقيا وأوروبا وآسيا، فهي هنا ليست دولة أطراف، هي من الناحية الجغرافية دولة مركز وليست دولة أطراف، فتركيا ليست دولة أوروبية وحسب، بسبب موقعها المركزي، بل هي دولة آسيوية أيضا. وليست دولة آسيوية وحسب، بل هي دولة أوروبية أيضا، وهي ليست دولة واقعة ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط وحسب، بل هي واقعة في حوض البحر الأسود أيضا، كما توجد أجزاء من تركيا في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط.. فتركيا، والحالة هذه، تمتلك القدرة على التأثير والتأثر بالدول المحيطة بها. وإذا ما ألقينا نظرة تاريخية، سنجد أن تركيا تقع وسط المكان الذي تشكل فيه تاريخ الحضارات الموجودة في المنطقة، وعندما نلقي نظرة على حضارة ما بين النهرين والحضارات المصرية واليونانية والإسلامية والرومانية والعثمانية، سنجد أن تركيا ليست دولة أطراف، بل هي دولة تؤثر في عدة حضارات وتتأثر بها في الوقت نفسه؛ فهي دولة مركز من الناحيتين التاريخية والثقافية». مضيفا: «إذا ما ألقينا نظرة إلى خطوط تدفق الطاقة، سنجد أن هذه الخطوط تتوه وتضيع طريقها إذا ما حذفتم تركيا من الخريطة، إذ إنه تمر من تركيا خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي وخطوط نفط باكو تبليس وجيهان، وخطوط أنابيب كركوك يمورتالك، وخطوط أنابيب أخرى».
ويستنتج «المعلم» في نظريته أنه «إذا ما وحدنا فضيلة الشرق، أي فضيلة الحضارة الإسلامية مع عقلانية الغرب، ومع خصوبة اقتصاد الشمال مع البحث عن العدالة في الجنوب، نجد أن تركيا تمتلك المؤهلات التي تمكنها من أن تصبح دولة نموذجية للمعطيات الثقافية للعولمة وللأفروآسيوية، وتمتلك قوة تستطيع من خلالها التدفق نحو محيطها.. نحن لسنا دولة أطراف.
أما نظرية العثمانية الجديدة، التي يتبرأ منها حزب العدالة والتنمية، أي من التسمية، فهي الأكثر إثارة للجدل على المستوى الداخلي، حيث يعتبر أن «تراجع تركيا خلال الحقبة الماضية يعود لسياسة «القطيعة» التي سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية وعمقها الاستراتيجي عن حاضر الجمهورية الكمالية ومحيطها الإقليمي، التي عمقت أيضا الانقسام بين «العلمانية»، و«الإسلامية»، وغلبت الأمن على الحرية، وأحدثت أزمة «هوية» في أوساط النخب التركية، خاصة بعد أن تبين فشل العسكر في فرض هوية جديدة بالقوة على المجتمع من أعلى هرم السلطة التي أمسكوا بها. والحل في تبني «عثمانية جديدة»، والعثمانية الجديدة لا تعني بعث السياسات التوسعية للدولة العثمانية، ولا العودة للماضي الغابر، وإنما قوامها ثلاثة مرتكزات، أولها: أن تتصالح تركيا مع ذاتها الحضارية الإسلامية بسلام، وتعتز بماضيها «العثماني» متعدد الثقافات والأعراق، وتوسع الحريات في الداخل، وتحفظ الأمن في الخارج. بالإضافة إلى «استبطان حس العظمة والكبرياء العثماني والثقة بالنفس عند التصرف في السياسة الخارجية»، والثالث: الاستمرار في الانفتاح على الغرب، مع إقامة علاقات متوازنة مع الشرق الإسلامي. أو بمعنى آخر «علمانية أقل تشددا في الداخل، ودبلوماسية نشطة في الخارج، خاصة في المجال الحيوي لتركيا».
وكان أوغلو قد كتب مقالا نشرته إحدى الصحف التركية قال فيه «إن قطع تركيا لعلاقات عمرها 500 عام مع الشرق، واتباعها سياسات غربية خلال ال50 عاما الأخيرة، كان أحد أسباب عزلتها وتراجع دورها».
ويقدم التقرير الذي نشرته مؤسسة (سيتا) البحثية في أنقرة على موقعها الإلكتروني رؤية داود أوغلو للسياسة الخارجية التركية عقب تعيينه وزيرا للخارجية، ويناقش التقرير خط السياسة الخارجية التركية الجديدة وأدواتها، لا سيما وسط مجهودات الدولة لحل المشكلات المتأزمة في المناطق المجاورة.
ويرى التقرير أن مهمة داود أوغلو ستكون في التحول من التصميم الفكري للسياسات إلى انخراط أكثر واقعية في السياسة الخارجية، إضافة إلى أن عهده سيعمق انخراط تركيا في السياسة الإقليمية والمنظمات الدولية والسياسة العالمية. ويشير إلى أن «ثمة إجماعا على أن داود أوغلو هو الذي غير بصورة كبيرة في خطاب سياسة تركيا الخارجية وممارستها، حيث يجعلها تتسم بالحراك وتعدد الأبعاد، فقد وضع لها رؤية وأسلوبا جديدين وإطارا لتنفيذهما». معتبرا أن رؤية داود أوغلو نجحت في الميدان ونالت سياسته مشروعية لدى المنتقدين المشككين داخل تركيا وخارجها،. غير أن رؤيته وأسلوبه الجديدين كانا في البداية موضوعا للكثير من النقاش، فقد تساءل الكثيرون عما إذا كانا ملائمين لسياسة تركيا الخارجية، وبعد سبع سنوات انتقل النقاش أساسا إلى ما إذا كانت سياسته ملائمة من دون حزب العدالة والتنمية، ومن دونه هو في منصب المستشار أم لا؟
وتستند رؤية داود أوغلو في السياسة الخارجية، بناء على التقرير، إلى التحول الداخلي في تركيا، لا سيما توطيد الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، فقد سمح الإصلاح الداخلي في تركيا وقدراتها الاقتصادية المتنامية للبلاد بالبروز كراع للسلام في المناطق المجاورة. وقام داود أوغلو بصياغة سياسته الخارجية على أساس تصور جغرافي جديد وضع حدا لما يسميه «إبعاد» البلدان المجاورة لتركيا. ويكمن أحد المكونات الأساسية لرؤيته في جعل الصور السلبية والأفكار المسبقة، لا سيما تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، شيئا من الماضي. وسمح هذا التحول لتركيا بتحرير سياستها الخارجية تماما من أغلال الاعتبارات الداخلية.
ومهدت رؤية داود أوغلو الطريق لبروز تصور جديد يضع مختلف الفرضيات عن البلدان الإقليمية في أذهان صانعي السياسة، وتكمن المسألة الأساسية في التحول المشار إليه آنفا، الذي أعاد تحديد خيارات السياسة الخارجية، فاتخذت شكلا جديدا متأثرة بما قام به داود أوغلو من إعادة لتحديد دور تركيا في المناطق المجاورة وفي السياسة الدولية، أي في «عمقها الاستراتيجي»، بحيث توسعت الحدود إلى ما وراء البلاد في الخريطة المعرفية لأذهان صانعي السياسة. وزالت في الذهنية الجديدة الحدود الإقليمية أمام الانخراط التركي في البلدان المجاورة، واكتسبت العلاقة بين «الجوار والآخر» معنى جديدا بعد التخلص من ضغوط تصورات التهديد الداخلية في السياسة الإقليمية. وتستند رؤية داود أوغلو في السياسة الخارجية إلى التحول الداخلي في تركيا، لا سيما توطيد الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. وتعد مصلحة تركيا الجديدة في هذه المناطق نتيجة ترتيب بيتها الداخلي واكتساب الثقة في النفس في العلاقات الدولية ووضع رؤية عالمية للسياسة الخارجية والسعي لدور قيادي في السياسة العالمية.
وقد استفادت سياسة الجوار التركية الجديدة من رؤية تقوم على تقليص هذه المشكلات في المناطق المجاورة لها، وهي الرؤية التي أطلق عليها داود أوغلو نفسه سياسة «صفر مشكلات» في حين تتفادى التورط في المواجهات الدولية. وفي المقابل يقول منتقدو أوغلو إن في رؤية داود أوغلو «نزعة عثمانية جديدة»، مستدلين على ذلك بأن «معظم سياسة تركيا الخارجية تجرى في الأقاليم العثمانية السابقة». مستندين إلى إشارة داود أوغلو إلى «الوشائج التاريخية والثقافية».
بطاقة شخصية:
ولد أحمد داود أوغلو عام 1959 في مدينة «قونيا» الواقعة في قلب الأناضول، وتدرج في التعليم حتى تخرج في قسم العلوم السياسية عام 1984 في جامعة البوسفور، إحدى أهم المؤسسات الجامعية التركية، التي تدرس موادها باللغة الإنجليزية. وتخرج في قسم «الاقتصاد والعلاقات الدولية والعلوم السياسية» في الجامعة، ونال أيضا درجة الماجستير في الإدارة العامة، ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة بوقازيشي.
عمل أستاذا في جامعة مرمرة بين عامي 1993 و1999، ورئس إدارة العلاقات الدولية في جامعة بيكنت في إسطنبول بتركيا. كما عمل في أكثر من جامعة داخل تركيا وخارجها، كان أهمها الجامعة الإسلامية في ماليزيا.
منح لقب سفير بقرار مشترك من الرئيس أحمد نجدت سيزر، ورئيس الوزراء عبد الله غل، وذلك في 17 يناير (كانون الثاني) 2003. قبل أن يختاره رجب طيب أردوغان مستشارا للسياسة الخارجية، وذلك للإشراف على مهام الرصد والتخطيط والمشاركة في عملية إطلاق سياسة خارجية جديدة للبلاد عقب فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية التركية وتشكيله الحكومة.
وهو متزوج وله أربعة أولاد (ثلاث فتيات وشاب) من مؤلفاته:
Alternative Paradigms: The Impact of Islamic ve Western Weltanschauungs on Political Theory The Civilizational Transformation ve The Muslim World العمق الاستراتيجي.
الأزمة العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.