أبو مازن أرأيتم لمّا اعلن عن شبه تفاهم بين المحتجين في الكامور و الحكومة كيف ارتفعت أصوات قليلة للتصعيد والوعيد والبحث على دماء شهيد. ها هو قد وقع المحظور و سقط رحمه الله بدون وجه حق، قربانا للفوضى التي تأججت بعد أن غابت الحكمة وارتفعت شعارات الفايس بوك بعضها كاذب وبعضها تشوب حولها الشوائب و تنغمس في قلب الخيانة والمؤامرة. لعل تصريح وزير التشغيل حول من دفع الأموال و أهدى سيارة رباعية الدفع لبعض المحتجين تثير أكثر من تساؤل وتدفع نحو التدقيق السريع في المعلومة واشتغال النيابة العمومية بالتحقيق لأن المآل خطير لا سيّما وأنّ نفيا زكية قد فارقت الحياة ونحسبها عند الله في أعلى عليين. عديدون هم المغرمون بسيناريو توالد الثوارات والانقلابات سواء كانت شعبية أو عسكرية أو حتى بقوات مرتزقة من الخارج. عديدون هم من يطمحون الى بث الفوضى في تونس البلد المسالم الذي لم يثر منذ سبع سنين لأجل الثروة أو المال بل لدماء سكبت في الشوارع بعد أن تظاهر الناس سلميا وطالبوا بالحرية والكرامة. لم يكن مطلبهم التأميم أو التشغيل أو الأسعار المشتعلة كما يدعون بل كان الغالب على المطالب هو الحريات و كسر يد الديكتاتورية التي ورثنا عنها مظالم جهوية عديدة فجُعل الباب السابع من الدستور الحل الامثل لمعالجتها و التقليص من وطأتها على الجهات الداخلية. نعم الداخل يأنّ وهو دون بنية تحتية ولا مؤسسات تقضي حوائجه و تعينه على كسب رزقه و تعليم ابنائه. الحيف بلغ درجة عظيمة و التنمية و منوالها لم يغادر التقليد بل ازداد تعطيلا بتعاقب الحكومات و تهاوي الاقتصاد بعد أن تكاثرت الاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات التي تفاوت التقدير في سلميتها و غاياتها. لأهل تطاوين الحق كل الحق في جزء مما حوت الجهة من ثروات و لأهل مناجم الفسفاط نفس الحق ولكن تونس لا تتجزأ بل تتكامل جهاتها اذ تشكّل المجموعة من الجهات وطنا كما نحبه فتزدان ساحاتنا بعلم أحمر يرفرف فيه الهلال والنجمة ويقف الأطفال كل صباح في المدارس اجلالا لهذا الوطن الموحد و المتحد. لا تنسوا أن لنا أجدادا موحدين و لنا تاريخا جمع بين الجنوب والشمال والساحل والداخل فلما نبحث اليوم على إظهار جهة عن غيرها من الجهات. ان ما اقترحته الحكومة من حلول عاجلة لمحتجي تطاوين جدير بالقبول مع المطالبة بالتنفيذ السريع ومتابعة كافة بنود الاتفاق و تنفيذها ولتنسج كافة الجهات على نفس الطريق فتنطلق مرحلة ترشيد الحكم المحلي فيخفّ ضغط المركزية و نمتثل الى دستور الجمهورية الثانية. أمّا استنساخ الثورة و محاولة جرّ البلد الى مرحلة شدّ وجذب واختلاق ديكتاتورية و شعب مقهور فذلك الأمر الماحق لوجود عروس المتوسط "تونس" والمفضي الى الفوضى فنلتحق لا قدّر الله بالقطر الليبي أو اليمني أو غيرها من الأقطار التي انقلب فيها الربيع العربي الى حريق للأخضر واليابس. لن يقبل عاقل و حكيم أن كل ما حدث كان عفويا و تباعا لقاعدة الفعل ورد الفعل اذ أنّ تطور السيناريو من شبه اتفاق بعد تصويت المحتجين الى مقتل نفس زكية وحرق مؤسسات الدولة لأمر يدعو الى الريبة والتيقظ من اندساس المال الفاسد و الفكر الفاسد و السياسة الفاسدة. رأفة بتونس التي لم تعد تحتمل وان كنّا نراها تحتمل فهي قطعا تحتضر.