- طارق عمراني - نشر الموقع الفرنسي موند أفريك المهتم بالشأن الإفريقي والمغاربي ملفا حول الإسلاميين في تونس وذلك من منظور فرنسي وذلك في مجموعة من الأجزاء التي تناول أحدها العلاقات بين حركة النهضة والإدارة الفرنسية الحاكمة في فترة ما بعد الثورة التونسية وهذه الترجمة للمقال الذي نشره الموقع الفرنسي بتاريخ 19 جانفي 2018 تحت عنوان Les islamistes tunisiens (3), quand la France soutenait Ghannouchi بعد ثلاثة وعشرين عاما من الدعم المتواصل لنظام بن علي صاحب الحساسية الكبيرة من الإسلاميين ،بسطت الديبلوماسية الفرنسية عهد ساركوزي ومن بعده هولاند السجاد الأحمر أمام زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي . "الثقب الأسود"... هذا هو التعبير الحاد الذي استعمل لوصف حالة احباط التي اعترت السلطات الفرنسية بعد هروب صديقها بن علي إلی المملكة العربية السعودية في 14 جانفي 2011 ،فبعد 23 سنة من الإنسجام مع الحكم الإستبدادي الذي حكم تونس فإن الدبلوماسية الفرنسية مضطرة لتغيير الصفحة وعلی إدارة ساركوزي عدم تكرار أخطاء الماضي والإنفتاح علی كل الحساسيات السياسية التونسية بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية "الإسلاميون مثل الروماتيزم عليك أن تحسن التعامل معهم عندما يتقدّم بك العمر ..."هذه الجملة التي أسرّ بها الرئيس الباجي قايد السبسي للسفير الفرنسي السابق بوريس بويلون تلخص تماما الدبلوماسية الفرنسية مع الإسلاميين سنوات حكمهم في 2012 و 2013 . أصدقاؤنا القطريين من المعروف أن دولة تقطر هي المساند الأول للحركات الإسلامية وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين في جميع انحاء العالم وخاصة في تونس ،ولذلك قال ساركوزي لماذا نحارب أصدقاء أصدقائنا القطريين ؟. في 20 أفريل 2011 أدی وزير الخارجية الفرنسية الان جوبيه زيارة رسمية إلی تونس وقد مثلت الزيارة تغيرا جذريا حيث قال "كنا كفرنسيين نعتقد أننا نعرف كل شيء عن الدول العربية ويبدو أننا كنا مخطئين في ذلك، لطالما جعلنا من التهديد الإسلامي مطيّة لغض الطرف عن الحكومات السلطوية " بوريس بويون والإسلاميين سفير فرنسا الجديد في تونس بعد فرار بن علي والمقرب من الرئيس الفرنسي السابق ومستشاره في الإليزيه بوريس بويون سيدافع عن الإسلاميين في تونس ،لقد حان الوقت للتصالح معهم في النظام الجديد ،كما زار مجموعة من السياسيين الفرنسيين قصر قرطاج للتغزل بالثورة ومن بين هؤلاء المتحولين الذين ركبوا الموجة اريك بيسون وزير صناعة ساركوزي ،فريديريك ميتيرون وزير الثقافة في نفس الحكومة ،برتران ديلانوي عمدة باريس في تلك الفترة والذي كان مقربا من نظام بن علي للمفارقة بعد انتخاب المجلس التأسيسي في اكتوبر 2011 لم يتغير المسار الجديد للسياسة الفرنسية رغم سيطرة حركة النهضة علی الحكومة فبمجرد تعيينه في 24 ديسمبر 2011 رئيسا للحكومة طلب حمادي الجبالي من فرنسا المساعدة في تكوين فريق تواصلي له ،وبعد مغادرته للحكم في جوان 2012 حافظ نيكولا ساركوزي علی علاقات جيدة مع الاسلاميين في قطروتونس ,حيث قام رئيس الحكومة التونسية بزيارة خاطفة لباريس في 28 جوان 2012 قابل خلالها جون مارك ايرولت والرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي من ساركوزي إلی فابيس لم يغير إنتخاب فرانسوا هولاند في ماي 2012 رئيسا لفرنسا شيئا جذريا في علاقة فرنسا مع حكومة الترويكا في تونس خاصة أنه والی جانب راشد الغنوشي والمنصف المرزوقي ضمت الترويكا مصطفی بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي وهو من العائلة الإشتراكية الإجتماعية تماما مثل فرانسوا هولاند وفي مراسلة سرية حملت امضاء رئيس لجنة الكتاب الأبيض للدفاع التابعة لوزارة الداخلية سطر الديبلوماسي السابق والباحث جون بيير فيليو الخطوط العريضة للموقف الرسمي الفرنسي من الربيع العربي الذي شهد موجة ثورات سياسية واجتماعية في العالم العربي والذي ممكن أن تمس من الأمن الفرنسي الإقليمي والحل هو مسايرة هذه الديناميكية الثورية والتعايش معها ووجب علی فرنسا أن تفكر في حالة الفوضی التي تعيشها دول في جنوب حوض المتوسط مثل ليبيا ومصر وسوريا المهم الآن هو العلاقة مع تونس ،فمباشرة بعد اقتحام مجموعات سلفية للسفارة الأمريكية في اكتوبر 2012 ،طلبت الدبلوماسية الفرنسية التي يقودها لوران فابيس من زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي توضيحات حول الموضوع فكانت إجابته بأن "حركة النهضة كانت غائبة عن الساحة السياسية في عهد بن علي إما في المنافي أو في السجون وفي تلك الأثناء ظهرت النزعة الراديكالية المتطرفة في صفوف الشباب من خلال سياسة تجفيف المنابع والتضييق علی مظاهر التدين المعتدلة ،نعدكم بتأطيرهم وإقناعهم بالمبادئ الديمقراطية وسنتصدی لهم إذا تجاوزوا الخطوط الحمراء " فهل تترجم هذه الكلمات إزدواجية خطاب الغنوشي كما يتهمه خصومه؟ أم أنها تؤكد حنكته ودهاءه السياسي ؟ العزف علی كل الأوتار ما يميّز الدبلوماسية الفرنسية في تونس هو السير علی كل الحبال وذلك ما تجسد عبر تحركات السفير الفرنسي فرانسوا غوييت فقد كان قادرا علی تناول الفطور مع راشد الغنوشي ليغادره بسرعة نحو شارع فلسطين ليتقابل مع قيادات من حزب العمال اليساري وفي المساء يتناول العشاء في ضاحية قمرت أو المرسی مع رجال اعمال مرتبطين بنظام بن علي وعندما تنازل الإسلاميون عن السلطة في جانفي 2014 لم يفوت فرنسوا غوييت الفرصة في حوار اعلامي حيث قال "من النادر أن يتخلی حزب منتخب ديمقراطي عن السلطة بإرادته ،هذا أمر يستحق الإشادة" النشاط الألماني لا يخفی علی احد ان اي تراجع فرنسي في تونس سيفسح المجال أمام الغريم الألماني القوي ،حيث كان المتحدث بإسم الخارجية الالماني السابق والدبلوماسي المحنك يانس بلوتنر الذي تم تعيينه سفيرا في تونس في جويلية 2012 يتحرك كثيرا ودائم المقارنة بين الثورة التونسية وانهيار جدار برلين حيث يقول " الحرية تنتصر في تونس كما انتصرت في المانيا ،لحظة جانفي 2011 هي ذاتها لحظة 1989 في برلين ،ماتعيشه تونس اليوم من صعوبات هي بداية لمستقبل مشرق ولكم في مثابرة الالمان ونضالاتهم الاسوة الحسنة" وبالفعل دعمت المانياتونس بمساعدة تونس بربع مليار اورو. وفي ازمة 2013 كانت فرنسا أقل نشاطا من الولاياتالمتحدةوالمانيا لإزاحة الإسلاميين من السلطة . وبعد الإنقلاب الدموي الذي أطاح بالإخوان المسلمين كانت رسالة الأمريكان واضحة لراشد الغنوشي "إذا لم تتنازل عن السلطة وتمضي في اجراء انتخابات في اقرب وقت ولم تضمّن حرية الضمير وحقوق المرأة كمبادئ جوهرية في الدستور فإن مصيرك لن يكون أفضل من الرئيس المصري السابق محمد مرسي" ،وبالتقاطع مع ذلك إشترط صندوق النقد الدولي من تونس إكمال صياغة الدستور لصرف قرض بقيمة 500 مليون دولار وفي الأثناء إستمات السفير الألماني لأجل تعيين مهدي جمعة المقرب من دوائر القرار الألمانية رئيسا للحكومة وباركت فرنسا حكم التوافق بين النهضة ونداء تونس بعد إنتخابات اكتوبر 2014