طارق عمراني عندما وطأت قدماه ارض تونس لم يكن ذلك الشاب المغامر الذي بعثر اوراق كل الساسة الفرنسيين بأحزابهم وماكيناتهم ودوائر نفوذهم وجماعات ضغطهم يفكر في إنقاذ النموذج التونسي آخر عنقود الربيع العربي الذي اصبح في الحقيقة عبئا علی فرنسا التي تحبذ طاغية علی رأس كل مستعمرة من مستعمراتها وكيف لا وهي التي دافعت عن بن علي الي اخر لحظة من خلال دعوة اليو ماري وزيرة خارجية ساركوزي البرلمان الفرنسي في 12 جانفي 2011 إلی إنقاذ نظام بن علي المترنّح...لم يكن وزير الاقتصاد الفرنسي السابق الملقّب في الإعلام الفرنسي ببروتون المخادع ينظر الی العاصمة التونسية التي ازدانت بالأعلام الفرنسية وغابت عنها قمامتها (كما سخرت صحيفة ليبراسيون من احتفاء التونسيين بزيارة ماكرون) الا كمكان تواجد لصناع القرار الليبي حيث تشهد احياء مثل النصر وضواح مثل البحيرة اجتماعات يومية سرية ومعلنة بين قادة الميليشيات المتناحرة في الغرب الليبي وبمكالمة واحدة من رقم هاتف تابع لمزود اتصالات تونسي تستعر المعارك وتخمد من ابو كماش وحتی مصراتة روسيا تختار القاهرةوفرنسا تراهن علی تونس ''اعادة اعمار ليبيا'' كلمة السر في السياسة العالمية فنادي الكبار ينظر الی بلد عمر المختار من زاوية رأس لانوف والهلال النفطي حيث طوت روسيا مع مصر وبسرعة صفحة تفجير الطائرة الروسية في اجواء العريش بعد دقائق من اقلاعها من مطار شرم الشيخ وسارعت موسكو في اجراءات تركيز مفاعل ضبعة النووي في المحروسة حتی تكسب ود الجنرال السيسي ومن معبر السلوم الحدودي مع برقة الليبية تبدأ رحلة القياصرة بتسهيل لوجستي مصري ومباركة اماراتية نحو النسخة السيساوية في ليبيا وهي المشير حفتر الذي هرول إلی بطرسبورغ لمقابلة وزير الخارجية سيرجي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويغو حيث تم تزويده بمنظومة اسلحة روسية بل وساعدته موسكو في حلحلة أزمة السيولة بطباعة 4 مليار دينار من العملة الليبية اغرقت السوق وعومت الدينار وافقدته 70% من قيمته، ومن الجهة المقابلة تسعی فرنسا إلی التموقع في الأزمة الليبية من خلال بوابة تونس المستعمرة القديمة والمطيعة التي لا تفصل حدودها الشرقية سوی 200 كم عن العاصمة طرابلس مركز القرار الرئيسي في ليبيا ومقر البنك المركزي وكل وزارات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا بقيادة فايز السراج حيث انتظم في باريس لقاء بين الأخير وغريمه خليفة حفتر في 25 جويلية 2017 برعاية ماكرون الذي لم يتم بعد اجراءات اقامته في الايليزي بعد انتخابه رئيسا لفرنسا في ماي من صيف نفس السنة وهو ما يؤكد اهمية الملف الليبي للإدارة الفرنسية وسعيها لإحتواء الازمة بتحديد تاريخ انتخابات رئاسية في 2018 لا حل لتونس الا البراغماتية بعيدا عن سياسة التزلف ودبلوماسية التسول والاصطفاف الحزبي والسياسي وراء المحاور الاقليمية وجب علی تونس ان تستغل هذا الظرف الاقليمي الذي بدأ يبوح بأسراره وامام نوايا فرنسا الواضحة في الاستئثار بكعكة اعادة الاعمار الليبية من حق تونس ان تساوم وتراوغ وان تضغط بأوراق القرب الجغرافي من ليبيا و اللاجئين و "الحراقة" مثل ما فعلت تركيا مع الاتحاد الاوروبي فسياسة الايادي المرتعشة جعلت من تونس في نظر الصحافة العالمية دولة ضعيفة تروج لنموذجها الديمقراطي في العالم بشكل مثير للشفقة وبحسب الصحف الفرنسية فإن ماكرون لا يتعامل مع تونس إلا كرقم في اجندته الإقليمية للولوج إلی ليبيا وما قراراته خلال زياراته لتونس إلا ذر رماد علی العيون من رجل اقتصاد يفقه جيدا لغة الارقام وحسابات المصاريف والمرابيح وهو ما يفترض من تونس مرونة اضافية وضغطا قويا علی فرنسا لمزيد الدعم من خلال مجموعة من الشروط والإملاءات التي تحتاج إلی ساسة اقوياء