بقلم: شكري بن عيسى يبدو ان التعقيد في الساحة السياسية هذه الايام وصل مداه، بين تردي اقتصادي واجتماعي ومالي غير مسبوق، وفوضى في مستوى المؤسسات ضرب كل استقرار، في الوقت الذي تغيب فيه الرؤيا السياسية، الى حد تداول الشيء ونقيضه في نفس اللحظة. وفي الزيارة الاخيرة أمس للغنوشي للسبسي، اجمعت كل وسائل الاعلام تقريبا على انتهاء الشاهد، ب"تسريب" تخلي الغنوشي على الشاهد وتقديمه قربانا لاعدائه، في الوقت الذي وردت علينا تفاصيل حول اللقاء تؤكّد العكس تماما، فالغنوشي تحوّل للقصر أساسا بعد حصوله على تعهّد من ساكن القصبة بعدم الترشح في 2019، وذلك بعد اتفاق تم الجمعة بمناسبة اقالات وزارة الطاقة. وما عبّر عنه الغنوشي ب"الفرصة الاخيرة" يصب في اتجاه منحها للشاهد وليس العكس، والشاهد يبدو انه مع ضيق هامش المناورة امامه، اظطر للتنازل للغنوشي الذي يسعى للترشح ل2019، وامامه عديد العوائق الحزبية والوطنية والخارجية، وسيكون ازاحة الشاهد من ابرز المكاسب للمرور نحو الترشح. طبعا الغنوشي أصبح مترددا في الترشح لقرطاج بعد تعدد العوائق الجوهرية، في ظل اعتراض جذري لدى الشق "الراديكالي" في الحركة، ورفض شعبي واسع متزايد قد يستعيد حالة احتقان غير مسبوقة في البلاد، وخاصة خاصة عدم قبول (ان لم يكن اعتراض) دولي وازن، ومع ذلك فالطموح (ان لم يكن الحلم) لازال يستبد به، وقد تكون ازاحة الشاهد خطوة هامة (مشجعة) ولكنها غير كافية في منطق الامور الحالي. غياب الرؤيا السياسية يبرزه ايضا اجتماع النداء الموازي في نفس يوم لقاء الغنوشي بالسبسي، والذي يبرز الاتجاهات المعارضة او بالاحرى المحبطة لمناورات الشاهد من الرئاسة ومن حزبه، فمن جهة السبسي لم يرفض اقتراح الغنوشي بالدعوة لجمع مكونات "وثيقة قرطاج 2" وطلب مهلة، ويبدو انه حرّك ماكينة الحزب لاجهاض التوجه لانقاذ الشاهد. السبسي اصبحت لديه قناعة راسخة ان الشاهد اصبح عنصر اضطراب في البلاد، خاصة انه صار يتعامل بفوضوية وبشكل غوغائي في عديد القضايا، ويتحداه شخصيا ولا يعبأ بملاحظاته وصارت القضية "ثأر" شخصي، ولا يمكن ان يستمر الاثنان في نفس مركب الحكم الى انتهاء العهدة القائمة. والنداء دعا عبر المدير التنفيذي مباشرة الى اجتماع قيادي، واطلق "حرية المبادرة" لوزرائه في الحكومة، من اجل ارباك الشاهد ووضعه في حالة عدم اليقين، اذا في غياب اتفاق على اسقاط الشاهد يكون انسحاب بعض الوزراء مربكا ومسقطا لساكن القصبة، خاصة مع احتداد العداء بينه وبين المنظمة النقابية، اثر ازاحة احد المقربين منها من وزارة الطاقة. التوازنات صارت بالفعل معقدة جدا، من خلال واقع اجتماعي واقتصادي ومالي متداعي، وعبر ايادي دولية تدعم الشاهد لما قدمه من تنازلات جوهرية للمؤسسات الدولية المالية وفي اتفاقية "الاليكا"، والنهضة التي ابتزت رئيس الحكومة بعدم الترشح والحصول على تنازلات بتثبيت مركزها في الحكومة، في مقابل رئاسة ونداء مناهضين بشدة، ولا يقبلون بتسجيل النهضة لنقاط ضدها، دون نسيان الاتحاد الذي وصل الى حد التلويح بكشف فضيحة "الدعم البريطاني". واقع متأزم محتد ورؤية سياسية غامضة تطغى عليها الدكانة، والكل متمترس من اجل المصالح الذاتية، في مراكمة مكتسبات ذاتية في الوقت الحاضر، وتأمين اقصى ما يمكن من الحظوظ لاستحقاق 2019 الانتخابي، والمناورات على اشهدها، وتنازل الشاهد للغنوشي بعدم الترشح ل2019 اذ ينبىء بتدهور وضعيته، فعلى الاغلب انه لن يضمن بقاءه، في ساحة اصبحت منهارة خالية من أيّ ثابت، والرمال بالفعل صارت متحركة في كل المناطق، مع ثابت وحيد أن المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب هو الاعتبار الاخير لهذه الطبقة السياسية، التي فقدت تقريبا ما بقي من اشلاء رصيد ثقة عند المواطن!!