قراءة: 3 د, 4 ث نصرالدين السويلمي يتعرض قيس سعيد الى ضغوطات كبيرة من أجل ضرب ثوابت الدبلوماسية التونسية والانحياز الى ميليشيات حفتر، دعوات واضحة صدرت من قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل تحمل في بعضها نبرة تهديد تحثه على وجوب التنسيق مع مصر وتدفع به الى التخندق مع الشرق الليبي المحاذي الى مصر ضد الغرب الليبي المجاور لبلادنا، بمعنى تدفع هذه القيادات الاجرامية الى اقحام تونس في معارك حدودية ضد الاهالي والقبائل الليبية المتلاصقة معنا والمرتبطة مع ابناء الجنوب بالتجارة والمصاهرة، فقط من أجل مساعدة مشروع السيسي وحفتر ومحمد بن زايد الزاحف من شرق ليبيا على غربها! نعتقد ان وطنية قيس سعيد اسمى وامتن من نعيق غربان الموت والخونة الذي يرغبون في دفع تونس إلى الاقتتال مع جيرانها من أجل احذية البيادة في مصر، لكن في المقابل على الطرف الآخر عدم الإطناب في لوم الرئيس لأنه لم يتحرك بوضوح في ملف شائك أثخنته الدماء، وفي وقت أشد ما تحتاج فيه تونس إلى محيط هادئ متصالح معها حتى تلملم مشاغلها الاقتصادية والاجتماعية وتحصن اكثر انتقالها السياسي. من المجازفة الضغط على الرئيس ودفعه إلى إعلان بعض الخطوات الدعائية في دعم الشرعية، فلا تونس تملك القدرة على تغيير الوضع على الأرض ولا العلاقات العميقة والمتداخلة تسمح بانخراط تونس في حرب بين الاشقاء قد تنتهي في الغد بمصالحة وتبقى عين الريبة موجهة الى بلادنا من هذا الفصيل او ذاك. بل نحسب أن الانتصار للشرعية في ليبيا يخدمه اكثر تمتين الشرعية في تونس كحافز نفسي قوي، فالضباع المتونسة التي تتطلع الى اقتراب حفتر من حدودنا، هي في الأصل تتطلع الى الاجهاز على تجربة تونس وانتزاع شوكة الحرية والكرامة من حناجر الطواغيت العرب، وحتى لا نجلد تونس الرسمية أكثر، لا نتطلع إلى أكثر من الذي أعلنته، قالت تونس أنها مع الشرعية وأنها تعمل على حقن دماء الاخوة وان الحوار وليس غيره هو السبيل إلى حل مشاكل ليبيا، والقول ما قلت تونس. ليس لتونس في الاندفاع إذا تعلق الأمر بخلافات بلا دم، فكيف تتهور في مستنقعات من الدم، لذلك نؤكد ان موقف الرئاسة يسير في الاتجاه السليم والصمت ينفع كثيرا حين تكون الصورة بصدد التشكل، والعنتريات لا تنفع في ملفات ساخنة معقدة، بل حتى ثوراتنا واوضاعنا الداخلية لم تتقدم ويتقدم الانتقال الديمقراطي ويفلت من قبضة الشر الإقليمي وذيوله في الداخل، إلا حين استعملنا العقل والحكمة وسايرنا الأحداث ولم نصادمها، تلك توليفة تونسية تراعي عضلاتنا ولا تتعسف على إمكانياتنا، وإذا كنا في الثورة لم نعتمد الحسم والتطهير ولم نرفع شعار"عليّ و على اعدائي" فلن نعتمد ذلك في التحدي الملتهب القادم من شرق البلاد. ثم وبما أننا لا نبتعد كثيرا عن الموقف الجزائري ونعلم أن الجار الغربي لديه عقيدة دبلوماسية متوازنة وحذرة لا تقع في الاستسلام ولا تجنح إلى التهور، لذا يسعنا أن نتترس بمواقفه أو نستأنس بها، يمكن أن تكون جرعاتنا أخف من جرعاته ثم والاهم تتلوها ولا تسبقها، وإذا كان الجيش الذي يملك خبرة طويلة في شتى انواع الحروب "ارهاب – تهريب – اتجار بالبشر – مخدرات – حروب حدودية – بوليزاريو..صحراء ..جبال.." ثم هو يملك في رصيده ما يناهز نصف مليون جندي، ولديه 500 طائرة ويعد الرقم 27 في العالم، إذا كان هذا الجيش لم يغامر بالدخول في حروب خارجية، ولا استسهل الاندفاع مع هذا الفصيل او ذاك، اذا كان ذلك الحذر من حال الجيش الجزائري فما هي درجة الحذر التي يجب أن يكون عليها جيشنا. نحن مطالبون بالتنسيق جدا مع الجزائر، واذا لزم التصعيد الاضطراري فبعد تصعيدها، ثم علينا التذكير ان قوتنا ليست في الصراع المسلح على الأرض، بل قوتنا اننا ورثة مشروع التحرر العربي في نسخته الشعبية وليس العسكرية، علينا أن نحافظ على رمزيتنا كقاعدة تاريخية انطلقت منها نبتة العرب الطيبة بعد عقود النبات الخبيث.. شكرا سيدي الرئيس على التعقل والتريث.. كل يتحرك وفق خصائصه ووفق امكانياته ووفق نمطه الدبلوماسي الذي نشأت عليه دولته، نحن لسنا تركيا ولسنا الجزائر ولسنا مصر ولسنا روسيا... نحن تونس.