اعتبر عدد من أساتذة القانون، أن مشروع الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء يوم 25 جويلية القادم "يؤسس لنظام رئاسوي مفرط غير متوازن لا يعترف بالفصل بين السلط"، منبهين إلى أن هذا المشروع "يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة في غياب شبه تام للآليات الرقابية"، وفق تقديرهم. وقالت الأستاذة المحاضرة في القانون منى كريم، في محاضرة قدمتها اليوم الاربعاء خلال مائدة مستديرة تحت عنوان "من دستور إلى آخر: تحاليل وآفاق"، من تنظيم مخبر البحث في القانون الدولي والهيئات القضائية الدولية والقانون الدستوري المقارن، بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس، "إن التصور العام لدستور 2022 بعيد كل البعد عن تصور السلطة في دستور 2014، وهو يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة". ... ولاحظت أنه رغم وجود الحكومة ضمن التنظيم الهيكلي للسلطة التنفيذية، إلا ان رئيس الجمهورية "يتمتع بالسلطة التنفيذية المطلقة والحكومة هي فقط مجموعة تحيط به وتسند عمله"، وفق تعبيرها، مضيفة أن رئيس الدولة هو من يرسم السياسات العامة للدولة ويعين ويعفي ويحل مجلس النواب ومجلس الجهات والأقاليم وغيرها من الصلاحيات التي من المفروض أن تكون مشتركة ومتوازنة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة). كما أشارت إلى أن رئيس الجمهورية قد أسند لنفسه من خلال مشروع الدستور الجديد السلطة التشريعية، فهو قادر بموجب هذا النص القانوني على تمرير القوانين دون المرور عبر البرلمان، فضلا عن أن مشاريع القوانين التي يقدمها لها أولوية المناقشة في المجلس التشريعي. أما الدكتورة الباحثة في القانون وفاء زعفران الأندلسي، فقد بينت في محاضرتها انخرام التوازن بين السلط في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، تماما مثل دستور 1959 ودستور 2014 ، "إلا أن الكفة في النص الجديد تميل إلى رأس السلطة التنفيذية المطلق وهورئيس الجمهورية"، في ظل غياب الضمانات الدستورية والقانونية التي تحد من هذه السلطة وتكفل مراقبتها. وأضافت الأندلسي، أن التوازن بين السلط يفرض "التكافؤ" بينها، وهو أمر مفقود في نص المشروع الذي يتميز "بوضع شديد التفاوت بين السلط" ويجعل رئيس الجمهورية فوق كل المؤسسات، يقابله "إضعاف صريح للسلطة التشريعية وضعف وظيفتها الرقابية وتشتيتها بين مجلس للنواب ومجلس للأقاليم والجهات"، إضافة إلى "نزع مقومات السلطة والاستقلالية عن القضاء وغياب الضمانات القانونية لعمل المجالس القضائية"، وفق تعبيرها. كما لفتت الى أنه "تم القضاء على آليات الرقابة والتخلي عن الهيئات الدستورية التي تختص بالدور التعديلي وحذفها بجرة قلم، في ارتداد واضح وصريح عن تصور الدولة المعاصرة"، مبينة أن التوزان في السلط يفرض أيضا أن نجد السلطة والسلطة المضادة التي قالت "إنه تم ضربها في هذا المشروع"، مذكّرة بأن الهدف من التوازن بين السلط هو حماية الحقوق والحريات "إلا أن الحرية هي الحلقة الأضعف في مشروع هذا النص التشريعي الجديد" ، حسب تقديرها. من جهته، قال أستاذ القانون وليد العربي، "إن النظام الانتخابي الذي سيتم اعتماده هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام السياسي خلال المرحلة القادمة"، مشيرا إلى أن حقيقة وجود الأحزاب ومدى فاعليتها ستكون محددة لطبيعة هذا النظام السياسي، وأن التوجه الواضح من خلال مشروع الدستور سيكون نحو "نظام رئاسوي أو موغل في الرئاسوية"، ينفرد به الرئيس بجل الصلاحيات ويتمتع بسلطة تقديرية مطلقة، خاصة في ظل إلغاء رقابة المحكمة الدستورية وعدم تحديد أسباب فرض التدابير الاستثنائية وحل البرلمان أو مجلس الجهات والأقاليم. كما اعتبر أن هذا "النظام الرئاسوي فيه بروز لبذور الديمقراطية القاعدية"، من خلال مجلس الجهات والاقاليم واعتماد مبدأ سحب الوكالة، وهو ما يحيل إلى "نظام المجالس"، مبينا أن هذا النظام "مخيف وله الكثير من المخاطر" من بينها تحويل التراب التونسي إلى أقاليم عوضا عن وحدة ترابية يجمعها تاريخ وخصوصيات وهوية موحدة، وأضاف أن تصور الرئيس للنظام القاعدي من خلال هذا المشروع، قد فقد طابعه السياسي عند حصر النقاش داخل مجلس الجهات والأقاليم في المسائل المتعلقة بالتنمية، وجعله "عنصر دعم فني لخلق الاستثمار في الأقاليم والجهات". تابعونا على ڤوڤل للأخبار