عمر التايب (*) بعد جهود كبيرة بذلها خبراء وزارة التربية ومنتسبوها جميعا، تمّت المصادقة على وثيقة "الإطار المرجعي العام للتعلّمات" من طرف السيّد وزير التربية مع الشّريك الاجتماعيّ ممثلا في المركزيّة النّقابيّة للاتّحاد العامّ التونسيّ للشّغل ونقابة متفّقدي التّعليم الثّانوي والجامعة العامّة للتّعليم الثّانوي .. وقد انطلق العمل في إعداد هذه الوثيقة المرجعيّة بعد الاتّفاق مع نقابة متفقّدي التّعليم الثانوي والجامعة العامة للتّعليم الثّانوي على منهجيّة عمل قوامها التشاركية والشّفافية في بناء مشروع وطني بخبرات وطنيّة. ... لذلك تكوّنت لجنة فنيّة مصغّرة من خبرات تونسيّة أشرفت على مشروع إنتاج الوثيقة في كلّ مراحلها وصولا إلى إخراجها في شكلها النهائيّ المعتمد بتاريخ 18 أكتوبر 2022. لقد تمّ عرضها - في مرحلة أولى- على المتفقّدين العامّين الخبراء الذين قدّموا ملاحظاتهم واقتراحاتهم التي أخذت بها اللّجنة الفنّية، وقامت بالتّعديلات المستوجبة. إثر ذلك وقع عرض الوثيقة على كافّة المتفقّدين وعلى عدد كبير من أساتذة التّعليم الإعدادي والثّانوي في استشارة وطنيّة انتظمت يوم 30 أوت 2022 وفي جميع المندوبيّات. على ضوء ما تمّ اقتراحه من تعديلات وردت في تقارير الورشات الجهويّة لِ 26 مندوبيّة وقع تعديل الوثيقة لعرضها على الفاعلين التربويّين من أساتذة ومتفقّدين ومرشدي الإعلام والتّوجيه وذلك في ندوة وطنيّة أيّام 07 و08 و09 سبتمبر 2022. وكانت مخرجات الندوة ومقترحات لجان العمل التي اشتغلت على الوثيقة قد أوصت ببعض التّعديلات والتنقيحات التي أخذت بها اللّجنة الفنّية المشرفة. كما أنّه وخلال النّدوة تمّ تكوين لجان اشتغلت على وضع تصوّرات أوّليّة لمجموعة الأطر المرجعيّة السّاندة للوثيقة، والتي تمحورت حول التّقييم والتّكوين ومسلك التّعليم التّقني والتّعليم النّموذجيّ والتّعليم والتّكوين عن بعد وزمن الجوائح ... وفي مرحلة تابعة قامت اللّجنة الفنّية المشرفة بإدخال التّعديلات المستوجبة والوجيهة وإخراج الوثيقة في نسخة نهائية قابلة للتّعديل. وتمّ ارسالها إلى جميع الوزارات بالجمهورية التونسيّة وقد تفاعلت جميعها مع الوثيقة وقد جاءت تقاريرها مثمّنة للعمل داعية مقدّمة لبعض المقترحات والتعديلات التي تمّ الأخذ بالوجيه منها. بهذه المنهجيّة وهذا العمل التشاركي أصبحت الوثيقة مشروعا وطنيا شارك أغلب الفاعلين فيه من قريب أو من بعيد. وهي وثيقة مرنة تقبل التعديل والتّنقيح كلّما استوجب الأمر ذلك. ثمّ تمّ عرض الوثيقة على لجنة القيادة برئاسة السيّد وزير التربية حيث تمّت المصادقة النهائية عليها يوم 13 أكتوبر 2022 لتصبح وثيقة رسميّة تسمح بانطلاق الأشغال التي تمكّن من العمل الفعليّ لتحيين كل متعلّقات التعلّمات من برامج رسميّة وكتب مدرسية ومنظومة تقييم وتكوين وغيرها ضمن روزنامة مفصّلة ينطلق العمل بها مباشرة. وبالعودة إلى الوثيقة ومضمونها وما تهدف إليه، فقد صُمّم الإطار المرجعيّ العامّ للتّعلّمات انطلاقا من الإرث الإصلاحيّ التربويّ التّونسي في كلّ محطّاته مع الاستئناس بالتّجارب التربويّة الرّائدة في العالم، وهو يهدف إلى تطوير أداء المدرسة التونسيّة وتجويد مردودها، كما يهدف إلى بناء أسس البرامج والكتب المدرسيّة ومراجعة منظومتي التّكوين والتّقييم وتطوير الحياة المدرسيّة. الإطار المرجعيّ العامّ للتّعلّمات هو وثيقة مرجعيّة تأطيرية، وسيطة بين غايات القانون التوجيهيّ وآليّات التّنفيذ البيداغوجيّة والتّعليميّة، تؤطّر مختلف العمليّات والإجراءات المرتبطة بالتّعليم والتّعلم وتحدّد الأسس النّظريّة والمفاهيم المركزيّة التي تُبنى عليها مجالات التّعلّم وشبكاتها. يهدف الإطار المرجعيّ العامّ للتّعلّمات إلى تحقيق غايات النّظام التّربويّ وترسيخها وإلى الإسهام في تطوير العمليّة التّعليميّة – التّعلّميّة والارتقاء بأداء المدرسة. وذلك بالعمل على تمكين الفاعلين التربويّين من مرجعيّات عمل تأطيريّة و تأكيد إضفاء معنى على التّعلّم... ضبط الأطر المرجعيّة الخاصّة بالبرامج المدرسيّة المختلفة و إدراج الحياة المدرسيّة ضمن مسار تطوير التعلّمات ربطا لها بالحياة وإسهاما في تنمية كفايات المتعلّم ومهاراته... تأكيد استثمار التّنوّع في الذّكاءات والمواهب والمعارف والمهارات والخبرات... بناء معايير جودة في المدرسة التّونسيّة مواكبة للمعايير الدوليّة تمهيدًا لتعليم مستقبليّ ناجع وفعّال...- بناء منظومة تكوين متطوّرة وفعّالة تستجيب لاحتياجات المدرسة التّونسيّة... إرساء منظومة تقييم ناجعة ومنصفة ومراعية لتعدّد الذّكاءات. .. ويقتضي رهانُ إضفاء المعنى على التّعلّم ومواكبة متطلّبات العصر العلميّة والتكنولوجيّة والمهنيّة، من جهة، والملامح الجديدة لمتعلّمين ينتمون إلى القرن الحادي والعشرين، من جهة أخرى، بناءً للتّعلّماتِ أساسه تصوّر تجديديّ قوامه "التّحيين الدّائم" للمحتويات والمقاربات استجابة للمستجدّات العلميّة ومواكَبةً لروح العصر ولمختلِف متغيّراته من خلال رؤية واقعيّة تنطلق من الحاجات الحقيقيّة للمتعلّمين في واقع سريعِ التّغيّر نحو مستقبلٍ ذي آفاق اجتماعيّة ومهنيّة جديدة وفي اتّجاه يبني التعلّمات بناء نوعيّا مهارياّ وبرؤية منهجيّةٌ تستثمر ما يتيحه تضافر الاختصاصات من إمكانات لبناء شبكة تعلّمات متجانسة ومتّسقة لتحقيق الغايات التّربويّة اعتماد مقاربات بيداغوجيّة وتعليميّة متنوّعة تتيح بناء وضعيّات تعليميّة تمكّن المتعلّمين من اكتشاف ذكاءاتهم المتعدّدة ومواهبهم واستثمارها لتطوير كفاءاتهم ومهاراتهم. وتمكّن هذه الأسس مجتمعة من نشر مجالات التّعلّم والكفايات والمهارات المستهدفة في نطاق شَبَكة تُبرز ما بينها من ترابطٍ، فمن حيث كان المدخل، بالمجال أو الكفاية أو المهارة، تحقّق المقصَد نفْسه والنّتيجة ذاتهاو توجيه شبكة مجالات التّعلّم والكفايات والمهارات نحو هدف مركزيّ هو "تنمية مقوّمات شخصيّة المتعلّم في مختلِف أبعادها". وتضمن المجالات التعليميّة التّوازن والتّكامل بين العلوم والإنسانيّات والتّقنيات واللّغات والفنون. كما تضمن هذه المجالات في ما بينها وما بين الحياة المدرسيّة التّقاطعات الأساسيّة لتطوير مهارات الحياة لدى المتعلّم. وتدعم وجوه التّربية المتعدّدة على المواطنة والتنمية المستدامة وحول الصّحّة والبيئة والسّلامة وغيرها. وتمثّل مهارات الحياة مكوّنا أفقيّا تفاعليّا يتطوّر باستمرار، وهي تتوجّه إلى التّعلّم والتمكين الذاتيّ والعمل والإنتاج والمواطنة والعيش المشترك. ومن تلك المهارات: التّفكير النّقديّ، حلّ المشكلات، المشاركة، التّفاوض ... ........ لقد تمّ بناء هذه الوثيقة المرجعيّة بعقلانيّة وتبصّر وفهم للواقع واستشراف للمستقبل دون الوقوع في التسرّع والارتجال والجميع ممّن يهمّه الشّأن التربويّ مدعوّ إلى قراءتها ودراستها والعمل على إنجاح عملية الإصلاح الذي تأخّر وطال انتظاره. وبعد الانتهاء من صياغة وثيقة " الإطار المرجعي للتعلّمات " (مجال اللغات . مجال الرياضيات و العلوم . مجال الإنسانيات و الاجتماعيات . مجال التكنولوجيا . مجال الفنون) إضافة إلى القضايا المشتركة ... و تصوّرات حول الزمن المدرسي...وكان ذلك في شهر ديسمبر 2022 من قبل متفقّدي التعليم الإعدادي و الثانوي - في نسختها الأولية التجريبية – انطلق العمل مع هيئات التفقّد بمشاركة مجموعة من أساتذة التعليم الإعدادي و الثانوي في صياغة الأطر المرجعية للمواد و التي سوف تمكّن لاحقا من صياغة البرامج الرسمية في رؤية جديدة قوامها إضفاء المعنى على التعلّمات، تعلّمات مدمجة غير مجزأة (معارف، مهارات، قدرات)... وفي وضعيّات حقيقيّة ذات دلالة وثيقة الصّلة بحياة التلميذ، فلا تقدّم المعلومات والمعارف والمفاهيم منفصلة بل تقدّم مترابطة ومتكاملة، ضمن وضعيّات طبيعيّة من نوع ما يعيشه التلميذ في حياته اليوميّة داخل المدرسة أو خارجها مع التأكيد على العمل الجماعي .... ويشتغل المتفقّدون والأساتذة إلى نهاية شهر فيفري 2023 لتأتي مرحلة هندسة الكتب المدرسية وتأليف الكتب المدرسية لسنوات السابعة أساسي والأولى ثانوي التي من المزمع العمل بها فعليا خلال السنة الدراسية 2024 / 2025. كلّ هذا العمل بالاشتراك مع ممثّلين عن كافة الوزارات الذين يشاركون الآن في ورشات العمل المنعقدة حاليا بالمركز الدولي لتكوين المكوّنين والتجديد البيداغوجي وسينضمّ إليهم مرشدو الإعلام والتوجيه وكذلك ممثّلين عن المنظّمات الوطنية والدولية المهتمّة بالشأن التربوي ليكون العمل وفق مقاربة منظومية يشارك فيها الجميع وهو بذلك مشروعا وطنيا بامتياز. عدّة محطّات هامّة أخرى سيقع انطلاق العمل عليها ضمن روزنامة مفصّلة ووفق رؤية واضحة متبصّرة وواقعية... * عمر التايب مدير برامج المرحلة الاعدادية و التعليم الثانوي وزارة التربية تابعونا على ڤوڤل للأخبار