(وات/تحرير الأسعد محمودي) - الفنان المسرحي يحيى الفايدي الفائز بجائزة أفضل ممثل في الدورة التأسيسية من المهرجان الوطني للمسرح التونسي (7 - 14 نوفمبر 2023) هو ممثل بارع، يشهد له كل من يتابع عن كثب الساحة المسرحية التونسية بأدائه الركحي المتميّز حتى أن زملاءه في مجال الفن الرابع يلقبونة ب"الممثل الحرباء" لأن كل دور يتقمصه في عمل مسرحي، يختلف عن أدواره في مسرحيات أخرى. ولعلّ هذا الأمر ما جعل لجنة تحكيم هذا المهرجان تمنحه جائزة أفضل ممثل لأنه أدى ثلاثة أدوار مختلفة في ثلاثة أعمال مشاركة في المسابقة هي "حاجة... أخرى" للمخرج محمد كواص و"اليوم تُسأل" لسامي الجويني و"القطيع" لحمادي المزي". وبدأ يحيى الفايدي مسيرته المسرحية الاحترافية سنة 1994 في عمل بعنوان "الزنوس" من إخراج فتحي العكاري، ثم شارك في ما لا يقلّ عن 40 عملا مسرحيا في الاحتراف مع قامات مسرحية على غرار الفقيديْن المنصف السويسي وعبد المجيد الأكحل. وقد حصد خلال مسيرته عديد الجوائز خاصة لأفضل ممثل منها ما توج بها في تظاهرات دولية مثل مهرجان عشيات طقوس مسرحية بالأردن (2017) ومهرجان أماناي للمسرح بورزازات المغربية (2019). ... والمثير في يحيى الفايدي، خريج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس، والبالغ من العمر 52 عاما، هو أنه لم يتوقف عند أسلوب واحد، بل واظب باستمرار على التطوير والتنويع في العمل، وهو ما يتجلى من خلال المراوحة بين التمثيل والإخراج المسرحي. وقد كانت أولى تجاربه المسرحية في مجال الإخراج سنة 2003 من خلال مسرحية "الشياطين" بعد أن سبقتها تجارب إخراجية في مجال مسرحية الهواية بنادي المسرح في دار الثقافة ابن رشد بالمحمدية (ولاية بن عروس). وفي "الشياطين" حاول الفايدي إحداث نوع من التجديد عندما وظّف الدمى العملاقة في المسرح الموجه للكهول، بعد أن كانت خاصية اعتماد الدمى في المسرح حكرا على الأعمال الموجهة للطفل. وهذا النوع من المثابرة والجهد الذي يبذله يحيى الفايدي في تطوير أدواته والبحث عن قيم بصرية وجمالية ربما يكون المدخل الأقرب للتعرف على تجربته الإخراجية لا فقط التمثيلية. وهو ما يبدو واضحا في الأعمال الموجهة للأطفال بالخصوص على غرار مسرحية "الوفاء" (2003) و"الجزاء" (2004) و"هبة السماء" (2011) وغيرها. يتحدث الفايدي لوكالة تونس افريقيا للأنباء بحماس شديد وبأسلوب لا يخلو من الثقة في النفس عن أعماله المسرحية كممثل أو كمخرج، كما بدا لو أنه ينتصر لفكرة الممثل خاصة والفنان بشكل عام، فهو يرى أن "الممثل باعتباره أساس العملية المسرحية، هذه الحقيبة العجيبة حمال المعنى، لديه مشاكل كأي مواطن أو كأي إنسان في الوجود". لذلك نجده يفضل الصعود على خشبة المسرح على الإخراج فهو يعتبر أن "المشاعر والأحاسيس لا يمكن وصفها أمام تصفيق الجمهور إثر نهاية كل عرض خاصة عندما يكون العمل متكاملا من حيث الشكل والمضمون". ويتميز الفايدي بجملة من الخصائص التي جعلت منه ممثلا محترفا بأتم معنى الكلمة، بشهادة عدد من المخرجين الذين تعامل معهم. إذ يقول سامي الجويني مخرج مسرحية "اليوم تُسأل" التي كان الفايدي أحد أبطالها وتوّج عنها بجائزة أفضل ممثل : "ما يميز يحيى هو حماسه خلال التمارين المسرحية وانضباطه على الركح وهو ما يضفي على المجموعة شحنة معنوية في الأداء والانضباط على الركح". ويُضيف الجويني الذي تلقى في بدايته، تكوينا على يد الفايدي في نادي المسرح بدار الثقافة المحمدية قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي ويُصبح أستاذا في التعليم الثانوي لتدريس مادة التربية المسرحية: "ما جعل يحيى ممثلا ناجحا برأيي هو أسلوبه في التواصل معنا ومساعدته المخرج على مستوى طريقة توجيهه الممثلين بفضل خبرته الكبيرة، فضلا عن ما يتمتع به من قدرة على تبليغ الأفكار للمجموعة وهي سمة نادرا ما تجدها في الممثل المسرحي". ويتقاسم هذا الرأي كذلك محمد كواص مخرج مسرحية "حاجة... أخرى" المتوجة بأفضل عمل متكامل في المهرجان الوطني للمسرح التونسي، إذ يرى أن يحيى الفايدي يمتلك القدرة على البحث في تركيبة الشخصية التي يُطلب منه تقمّصها، ويعتبر أنه أيضا يمثّل قوة اقتراح للمخرج عندما يكون على الركح، "إذ يكفي أن تطلب منه موقفا لتجسيده على الركح وتترك له حرية البحث والابتكار فيفاجئك بآداء مفعم بالخيال والإبداع لا يمكن أن يخطر حتى على بال المخرج نفسه". ويُلاحظ كواص أن حضور يحيى الفايدي في ثلاثة أعمال مسرحية خلال هذه التظاهرة المسرحية لم يأت من باب الصدفة، فهذا الرجل محل ثقة وتقدير من أهل المسرح ويفضلونه في أعمالهم المسرحية لصدقه في الأداء وانضباطه على الركح. ولشدة شغفه بالركح وفرط عشقه للمسرح، يُفضّل الفايدي الحضور في الأعمال المسرحية على الأعمال التلفزيونية، رغم أن عائدات الأعمال المسرحية زهيدة جدا مقارنة بالدراما التلفزيونية، لكنه مع ذلك لا يرفض الحضور في عمل تلفزيوني أو سينمائي، بل يعتبر نفسه مظلوما والى الآن لم يقدم الدور الذي يحلم به. وقد تعدّدت أعماله في هذا المجال منها بالخصوص المسلسل التاريخي "خضراء والكنز" (2000) وسلسلة "شوفلي حل" (2009) ومسلسل "مكتوب" لسامي الفهري(2010) وسلسلة "بوليس حالة عادية" لمجدي السميري (2016) و"الرئيس" لجميل النجار (2016) ومسلسل "حياة خاصة" لقيس ناجي (2018) والسلسة الكوميدية "دنيا أخرى" لحمدي الجويني (2020) و"كان يا ماكانش" لعبد الحميد بوشناق (2021) وسلسلة "البالاص" لزياد ليتيم (2022) و"أولاد الغول" لمراد بن الشيخ (2021) . وفي الأعمال السينمائية، كان له حضور في أفلام "ستار أحمر" لرجاء العماري (2002) و"باستاردو" (2013) و"في عينيا" (2017) لنجيب بلقاضي و"بارابول زيزو" لفريد بوغدير (2014) و"Tunis blues" للطفي عاشور (2014) و"الحمامات" للمخرج الإيطالي "جياني اميليو" (2019) وفيلم "حرقة" للطفي ناثان (2021) وفيلم "غدوة" لظافر العابدين (2021). وينتصر الفايدي دوما للأعمال المسرحية، فهو يعتقد أن الرسالة المسرحية ينبغي أن تستمرّ رغم الصعوبات المادية واللوجستية من أجل ضمان ديمومة القيم النبيلة لأب الفنون. تابعونا على ڤوڤل للأخبار