تحرير روضة بوطار - تنفرد جزيرة جربة بتقليد "العرفة" (بسكون الراء) وهو احتفال يسبق عيد الفطر ويعرف بالعرفة الصغيرة قبل يومين من العيد وبالعرفة الكبيرة قبل العيد بيوم واحد، وارتبطت هذه التسمية بالحج نسبة ليوم وقوف الحجاج بعرفة أي اليوم الذي يسبق عيد الأضحى، وانسحبت في جزيرة جربة على عيد الفطر أيضا ليسمى اليوم الذي يسبق العيد بيوم "العرفة". واليوم هو موعد العرفة الكبيرة، خرج فيه الصغار مرتدين ملابسهم الجديدة لاقتناء اللعب مرفوقين بآبائهم لاستكمال بقية مستلزمات عيد الفطر وخاصة من الزرارع وهي فواكه جافة من لوز وجوز وفستق وكاكاوية (فول سوداني) وحمص وحلوى، تخلط جميعها وتحمل الى المنزل لتوزع على كامل أفراد العائلة، لكل نصيب منها. وتمثّل العرفة الكبيرة الاحتفال الرسمي لعيد الفطر أو لعيد الاضحى، فتتزين خلالها المدن وتنشط الحركة الاقتصادية والتجارية وتعج الاسواق، قبل أن تصبح قفرا يوم العيد وتتحوّل الحركة الى الحومة (الحي) أو المنزل أين تصبح الاحتفالات عائلية بالأساس للمعايدة وتبادل التهاني بالعيد وتبادل أطباق الاكل باعتبار ما للجزيرة من خصوصيات في أكلات يوم عيد الفطر. ... ويقول الباحث والمختص في التراث، حسين الطبجي، إن تقليد "العرفة" يعتبر عادة لا مثيل لها في كامل البلاد التونسية لارتباطها الوثيق بالهوية والشخصية الثقافية وبالبنية الاقتصادية والاجتماعية والتقسيم المجالي للجزيرة المتميّز بنظام المنازل المتقاربة ونظام الحوم، واقتصاديا بوجود الاسواق التي تنتصب دوريا وليست دائمة، بما يستوجب خروج جميع أهالي الجزيرة الى السوق قبل العيد بيوم والذي يمثل يوم الاحتفال في المدينة وفي السوق، حسب قوله. وأضاف أن الاحتفال في الجزيرة يوم العيد يكون داخليّا في فضاءات المنازل والحومة والمسجد الذي نجده في كل حومة، فيما تقفر المدينة وتخلو من أي حركة أو مظاهر احتفال. أما الاطباق الخاصة بعيد الفطر فتتنوع في جزيرة جربة، منها ما يحمل خصوصية ومنها ما لا يختلف عن بقية جهات البلاد، الا أن أكلة الشرمولة والسمك المقلي والكسرة يبقى الأكثر خصوصية في جربة ويشتهر به خاصة اهالي معتمدية جربة أجيم. وتستعد العائلة لاعداد هذه الاطباق بفترة من خلال اقتناء البصل (المكوّن الاساسي لاعداد الشرمولة) واقتناء السمك لقليه يوم العيد ووضعه مع الشرمولة وهي مرق يرتكز على البصل الذي يقطع ثم يطهى جيدا وفي الاخير يضاف اليه الزيت وبعض البهارات، ويقدّم مع الكسرة وهي خبز دائري أصفر اللون يتم إعداده بعجن السميد الدقيق بالماء والملح والكركم لاعطائه لونا ذهبيا متفرّدا، مع إضافة حبة الحلاوة (اليانسون) التي تضفي علية نكهة طيبة. وعند المعايدة بين أفراد المنزل أو الحومة، تقدّم كل عائلة للوافدين عليها من هذا الطبق إلى جانب المشروبات والحلويات، ويتواصل تقديمه في الايام التي تلي العيد، حيث يتوجب على كل زائر للعائلة أن يذوق طبق العيد. ويكتمل عيد الفطر بجولة "التنقام"، الذي يجوب الحومة منزلا منزلا حتى يتحصل على أجر عمله طيلة شهر رمضان في ايقاظ الناس للسحور، فمنهم من يمنحه نقودا، ومنهم من يعطيه الزرارع (الفواكه الجافة المختلطة مع الحلوى والحمص والفول) وغيرها من الهدايا اعترافا له بجهده وتعبه طيلة شهر الصيام، كل ذلك في اجواء احتفالية يسودها الفرح، حيث يقرع "التنقام" على طبله ايذانا بقدومه، فيخرج الصغار ملتفين حوله وراقصين على انغام قرعه، ثم يخرج الكبار لتقديم اجر "التنقام" أو "بوطبيلة" كما يسمى في جهات اخرى. تختلف العادات والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الدينية، الا انها تبقى جزءا مهمّا من تراثنا المادي واللامادي الذي تحرص العائلات على المحافظة عليه وترسيخه لكل الاجيال كعنوان هوية وأصالة وتجذر. تابعونا على ڤوڤل للأخبار