من تراه اليوم يجازف ويغامر ويتشجع فيرافق أفراد عائلته أو بعضا منهم في أي مكان عام: في الشارع أو في السوق أو في محطة الحافلات أو في المقهى أو في الحافلة أو في الملعب أو في أي موضع آخر؟؟ فإن فعل ذلك فعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة لأنه سيسمع مع من يرافقه ما شاء له أن يسمع من الكلام البذيء والنابي وعكاظيات السب والشتم بموجب وبدون موجب. عادة ما كنا نستمع إلى مثل هذه القاذورات الكلامية أثناء الشجار بين الأشخاص وانفلات أعصابهم وعدم التحكم في ما يصدر عنهم من كلام يندى له الجبين ولا يليق بقائله. ولكن اليوم اختلفت المسألة وأصبح الكلام البذيء الدوني المسيء للأخلاق خبزا يوميا وعملة رائجة نستمع إليه في كل مكان وفي كل زمان. هكذا تجد طفلا أو شابا أو شيخا سائرا في الطريق أو واقفا في مكان ما أو جالسا في المقهى يحدث رفيقا له وثلاثة أرباع من كلامه هي ألفاظ نابية يخجل الإنسان الذي يحترم نفسه أن يستمع إليها، وهو يفرض عليك أن تنصت إلى ما يقوله على الرغم من أنفك... نعم الأمر عادي جدا جدا والوضع عادي جدا جدا: لا خصومات ولا نرفزة ولا توتر بل ترى المتكلم هادئا يتفوه بتلك الدرر دون أن يعير أي اهتمام لمن هو موجود بجانبه، وأما المستمع إليه فبدوره هادئ خاشع يستمع بكل تمعن واهتمام إلى تلك الزخارف الكلامية كأن شيئا لم يكن، هذا إذا لم يسب المتكلم الجلالة بكل الأشكال والأنواع دون أن يراعي أيا كان ودون أن يلتفت إليه أي كان وهو ضاحك يمزح مع رفيقه أو رفاقه... والأغرب من كل ذلك أنك تسير في الطريق بمفردك أو مع ابنك أو ابنتك أو زوجتك أو أبيك أو أمك أو أخيك أو أختك فتلاحظ أن أحدهم يمشي أمامك أو بالتوازي معك أو وراءك وهو يخاطب طرفا آخر عبر الهاتف الجوال بصوت مسموع وواضح جدا كأنه يخاطبك أنت، فيشنف أذنيك بقصائد من إبداعات السب والشتم والكلام الجارح وكأنه يسير بمفرده في الطريق، فتضطر في النهاية إما أن تتوقف عن المشي حتى تمر عاصفة الكلام البذيء وإما أن تسرع في سيرك حتى تهرب بجلدك أو أذنيك وتتفادى هذا التسونامي من الكلام الدوني الذي يدفع سامعه إلى أن يتقيأ... واذهب إلى إحدى المدارس الإعدادية أو أحد المعاهد وانظر جدران قاعات الدروس التي بداخلها واقرأ إنتاجات التلاميذ وإبداعاتهم بمختلف الخطوط والرسوم فسيروعك ما تطالعه وسيحمر وجهك ويتصبب جبينك عرقا في لحظات، وتتساءل كيف لتلاميذ لا تتجاوز أعمارهم أحيانا 13 عاما يكتبون مثل تلك العبارات في المطلق أو في حق زملائهم من الذكور والإناث مع ذكر الاسم واللقب أو في حق أساتذتهم أو أعوان الإدارة مع ذكر الاسم واللقب أيضا .... حقا إن الأمر لمقرف للغاية يؤكد كم صرنا كبارا وصغارا لا نخجل ولا يندى لنا جبين من أن نتلفظ بكلام فيه إساءة إلى الأخلاق الفاضلة وإساءة إلى الآخرين أو أن نكتب مثل ذلك الكلام في أي مكان، وكم صرنا نجاهر بعبارات كانت إلى وقت قريب من المحظورات ولا نستمع إليها إلا نادرا في الأماكن المغلقة....