احتضن مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة مساء يوم أمس الأحد العرض ما قبل الأول في تونس للفيلم الروائي الطويل "جاد" للمخرج جميل نجار، بعد أن كان قد عُرض سابقا في كل من المغرب والجزائر، حيث حصد إشادة نقدية وجائزة الجمهور في مهرجان عنابة السينمائي في أكتوبر الجاري، وجائزة أفضل ممثل لمحمد مراد في مهرجان الدار البيضاء السينمائي في جوان 2025. واستوحى المخرج فيلمه من واقعة حقيقية لطبيب يعمل في المستشفى الجهوي بجندوبة، تعرّض لحادث سقوط داخل مصعد معطّل وهي حادثة هزت الرأي العام التونسي وفتحت نقاشا حول الخدمات الصحية العمومية في تونس التي يقرّ المطلعون على المجال بصحي أنها تراجعت بعد ثورة 17 ديسمبر 2010. وتدور أحداث الفيلم حول تعرّض مواطن من طبقة ثرية إلى حادث مروري استوجب نقله إلى مستشفى عمومي وفي المقابل يتعرض عامل بناء ينحدر من طبقة فقيرة إلى سقوط من البناية وتم نقله إلى المستشفى نفسه. ومن هذه الأحداث تبدأ مأساة العائلتين في الكشف عن هشاشة المنظومة الصحية وتداعياتها المأساوية على العاملين بها والمرتادين لها على حدّ سواء. ويؤدي الأدوار في الفيلم الممثلون محمد مراد وياسمين الديماسي وسوسن معالج وسهير بن عمارة وعبد الكريم البناني وجمال ساسي ومحمد علي بن جمعة وفتحي مسلماني. هذا الفيلم الذي صُوّر في شهر أوت 2024، يُعدّ التجربة الروائية الطويلة الأولى لجميل النجار، لكنه يقدم نضجا فنيا وإنسانيا يشي بتجربة سينمائية مكتملة الملامح. فهو لا يكتفي بسرد قصة درامية مستوحاة من واقع مأساوي وإنما يتخذ من السينما أداة مساءلة ومواجهة. وفي "جاد"، تتحول الكاميرا إلى شاهد صامت على تدهور منظومة صحية عمومية كاملة لا يوجّه فيها المخرج أصابع الاتهام إلى أفراد بعينهم بقدر ما يعري واقعا متجذرا من اللامبالاة والبيروقراطية والعنف الرمزي الذي يطال الإنسان البسيط حين يجد نفسه أسيرا لمؤسسة فقدت روحها. منذ اللقطة الأولى، يعتمد النجار لغة بصرية متقشفة تحاكي برود الجدران البيضاء للمستشفيات التي تحولت إلى فضاءات للانتظار والوجع. فجاءت الإضاءة الباهتة وأسهمت في بناء توتر داخلي يلازم المتفرج حتى النهاية. ومن الناحية الفنية لا توجد عاطفة زائدة ولا خطاب مباشر بقدر ما كان هناك سرد متدرج يعري الواقع عبر التفاصيل الصغيرة من نظرة ممرضة عاجزة ومريض يستغيث بصمت أو مديرٍ يتحدث عن الخدمات الصحية المتطورة في الإعلام بينما الواقع يروي أحداثا مغايرة تماما. لقد كثّف جميل نجار من توظيف صور مباشرة كما هي دون "روتوش" ليضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع مأساة لا يمكن تجاهلها، كاشفا بذلك عن غياب أبسط مقومات الصحية من تجهيزات وتردي البنية التحتية وتعاظم مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية واللامبالاة، بحسب أحداث الفيلم. وسيكون الفيلم متاحا للعرض التجاري في القاعات التونسية بداية من يوم 22 أكتوبر الجاري، في وقت أعلن فيه فريق العمل أن عائداته ستُخصّص للمستشفيات التونسية في مبادرة رمزية تحمل عمق الرسالة الإنسانية التي يقوم عليها العمل. iframe loading=lazy src="https://www.facebook.com/plugins/video.php?height=314&href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fsevensharp%2Fvideos%2F1535367377467986%2F&show_text=false&width=560" class=divinside scrolling=no frameborder=0 allowfullscreen=true allow=autoplay; clipboard-write; encrypted-media; picture-in-picture; web-share" allowFullScreen=true تابعونا على ڤوڤل للأخبار