بقلم عادل السمعلي إن القراءة الاولية لردود أفعال الاعلاميين والسياسيين والمثقفين الواردة أسماءهم في الكتاب الاسود تشير إلى معطى أساسي ومشترك بين كل الردود التي تم رصدها لحد الآن وهو البعد المزاجي الانفعالي وأعراض التشنج والتوتر الذي يبلغ درجة الهيستيريا الجماعية التي طبعت تفاعلاتهم مع ما جاء من معطيات في هذا الكتاب ومن المعلوم بالضرورة في طبائع الانسان أن حالات الغضب والتوتر الشديد تمكن من اكتشاف الطبائع الحقيقية والسرائر المخفية لكل إنسان وذلك نتيجة الانفعال الشديد وعدم القدرة على التحكم في المشاعر والأحاسيس السلبية عند الغضب الشديد و هذا مما يتيح للمتابع فرصة ثمينة ونادرة لمزيد المعرفة والتعمق في أسرار وخبايا من المشهد الاعلامي والسياسي التونسي ما كنا لنعلمها أو نحيط بخفاياها لولا بركات الكتاب الاسود .... إن ما ارتكبته آلة الدعاية في عهد بن علي هي جرائم إعلامية يأتم معنى الكلمة وأركان الجرائم المرتكبة ثابتة وموثقة و نذكر في هذا الاطار توفر قواعد أساسية معتمدة في علم الاجرام منها أن المجرم لا يغادر مكان الجريمة إلا ويترك خلفه دليلاً يمكن أن يثبت ضده ويدينه مهما حاول إخفاء ذلك ومحوه .. والقاعدة الثانية هي أن المجرم لا بد أن يعود لمكان الجريمة..... فالقاعدة الأولى تحققت في هذا الكتاب باعتبار أنه دليل على أن المتورطين لم يتمكنوا من مسح وإخفاء آثار الجريمة وأما القاعدة الثانية المتمثلة في العودة لمكان الجريمة فان تمجيد المخلوع وأصهاره من طرف لطفي العماري وألفة يوسف وحتى نبيل معلول لا يمكن تفسيرها إلا بنوع من العودة لنفس المكان والمربع الاجرامي للزمن الغابر ورموزه الفاسدة ... إن قاعة العمليات المركزية للإعلام المضاد للثورة حاولت تحويل معركة الكتاب الاسود إلى ملاعب الرياضة والمراهنة على جماهير الكرة لتحقيق ما عجزت عنه ( جماهير) السياسة مما يؤكد ثلاثة حقائق رئيسية أولها العجز عن مجابهة الحقائق وذلك بالالتجاء لملاعب الكرة بدل الالتجاء للقضاء وثانيهما أن ضربة الكتاب موجعة والألم عميق وأما ثالثهما فهو انتهاجهم لسياسة كل الطرق تؤدي الى روما بما في ذلك الطرق القذرة بعد أن انسدت أمام وجوههم كل الطرق الشرعية . إن جرحى الكتاب الأسود الذي ينتقدون الدكتور المنصف المرزوقي بشدة لدرجة البذاءة والفحش في القول لا يعلمون أنهم بهذا السلوك الوضيع يضعون وسام شرف على صدر الرئيس الثالث لم يتمتع به لا الرئيس الاول بورقيبة ولا الرئيس الثاني بن علي وهو التجرؤ على مقام رئيس دولة علنيا و تغليظ القول فيه دون أن يخشى السجن أو الملاحقة أو الترهيب وقطع الارزاق و يمكن له أن يرجع الى بيته سالما معافى وينام قرين العين وهذا الامر لم يتوفر لأي تونسي منذ نصف قرن وقد قلت سابقا أن أعداء المرزوقي وخصومه يبوئونه مكانا رفيعا في تاريخ تونس من حيث يقصدون العكس ومن حيث لا يدرون.... قد يكون الكتاب الاسود غلطة سياسية ولكنه أحلى وأجمل غلطة سياسية ترتكبها رئاسة الجمهورية و( بالأمارة ) أن عدد المتصفحين للكتاب بلغ لحد الآن أكثر من نصف مليون قارئ من مختلف أنحاء العالم مما يؤكد قوة الزخم الشعبي الذي أستقبل به الكتاب ويلقم حجرا للذين يجتهدون بقوة وإصرار غريب ولكن دون جدوى على ضرب مصداقية الكتاب والإيهام أن الشعب مستاء من محتوى الكتاب وهم لا يعلمون أن هذا الكتاب هو أخف الضررين لمنظومة الفساد فإذا تم اعتبار الكتاب الاسود قنبلة مدوية في المشهد الاعلامي بعد الثورة وهو كذلك فبماذا يمكن إذن أن نصف السكوب الذي لا نتمناه لا لعدو ولا لصديق لو أفرجت السلطات عن الفيديوتاك السوداء حيث كان المخلوع يصور بالصورة والصوت أعمال جنسية خسيسة للإعلاميين والسياسيين مقابل تركيعهم وابتزازهم و لذلك أدعو جرحى الكتاب بكل لطف أن يتبنوا مقولة (شد شومكم خير ما يجي ما أشوم ) وفي الختام أورد فقرة معبرة كتبها أخي وصديقي الدكتور المؤرخ محمد ضيف الله الذي قال ( ككل عمل بشري يتضمن الكتاب الأسود بعض الهنات، ولكنها لا تنقص البتة من قيمته المرجعية فضلا عن استجابته لأحد مطالب الثورة، وهو ما يفسر لنا الإقبال عليه بصفة منقطعة النظير ولا أعتقد أن كتابا آخر وجد مثل ما وجده الكتاب الأسود من إقبال الجمهور التونسي، بحيث أصبح محتواه مثار جدل في كل مكان،و بعض المنتقدين للكتاب الأسود، يقولون بأن أرشيف الرئاسة هو ملك للشعب، ولست أدري كيف يصلون بعد ذلك إلى نتيجة أن لا أحد له الحق في استغلاله أو الكشف عنه للشعب، ومن يحق له أن يمنع ذلك الأرشيف من الوصول . فمادام ملكا للشعب لم يصرون على تركه بعيدا عن الشعب؟ إن بعض المنتقدين للكتاب الأسود يقولون إن قانون الأرشيف لا يسمح بالكشف عن أرشيف الرئاسة، هؤلاء نسوا ويكيليكس التي تؤشر على دخول العالم حقبة جديدة، فبعد أن كان الحاكم يحتكر المعلومة، أصبح النفاذ إلى المعلومة من صفات الحكم الرشيد والشفافية) فما رأي جرحى الكتاب في هذا الجواب