شاء رئيس الجمهورية المؤقّت محمّد المنصف المرزوقي أن يصرف الأنظار عن كلّ ما يدور داخل أروقة المجلس التأسيسي وحول مائدة الرباعي الراعي للحوار واختار على غير عادته أنّ يجمع الكلّ حوله وحول كتاب أقلّ ما يقال عنه أنّه يقطر حبرا داكنا ويفيض كرها مبينا وحقدا دفينا ويكرّس لمنظومة الفساد الأخلاقي والعدالة الانتقامية التي تكاد تقسم ظهر هذه البلاد... كتاب أسود ملأ الدنيا وشغل الناس من إعجازه أنّه لم يقرأه أحد لكن كبرى عناوينه تسرّبت طواعية كشظايا البلور المكسور تجرح الكلّ بلا حياء ولا استحياء والغريب أنّه وبعد التمحيص والتدقيق ثبت وهذا أغرب ما في الأمر أنّ الكتاب الحدث جمع قامات مديدة في تاريخ هذا الوطن فاختلطت المشاعر وتباينت المواقف و لم نعرف أيّ الجبهات نختار... هلّ نصطف خلف طابور المطبّلين لديوان الفضائح الذيّ خطّ حروفه رئيسنا المؤّقت أم ننظم لركب المندّدين بما اقترفته يداه المرتعشتان وهي تزّف إلى مسامعنا تورّط أبطالنا في خيانة وطنهم وأيّة خيانة... مناشدة لرئيس مخلوع كان يوما ما قبلة الجميع و خليفة الله على الأرض وصانع ملحمة التغيير... إجماع... لنتفقّ أوّلا على شيء مهمّ وهو أنّ الكتاب الأسود هو بالفعل فعلة سوداء في تونس ما بعد الثورة,كتاب أجمع الكلّ سواء من حاشية الرئيس المؤقّت أو من مواليه قبل منتقديه على أنّه خطأ سياسي بامتياز لا يليق برئيس تدثّر منذ سنين ببرنس الحقوقي و صعدت به حماسة الثورة ولهيبها المتصاعد إلى واجهة الأحداث... كتاب دوّن شطحات وسقطات بعض ممّن كانوا في يوم من الأيّام عبيدا للدينار وتجّار أٌقلام يبيعون ضمائرهم قبل حروفهم بأبخس الأثمان لكن الكتاب ومن مساوئه لم يعط قيمة لحرمات الناس وجاور الحقّ بالباطل ولم يفرّق بين الخونة الحقيقيين والمتكالبين على المزايا والهدايا في بلاط السلطان وبين أبطال قادتهم صولاتهم وجولاتهم غصبا إلى منصّات التكريم فكانت الخطيئة والمصيبة في كتاب ساوى بين النذل والبطل وبين العبد وسجّانه... جانب مشرق... بالنسبة للكتاب الأسود وحكايات ألف وليلة التي دوّنها الرئيس المؤقت بمعيّة ماكينته الإعلامية مترامية الأطراف في قصر قرطاج يمكن اعتباره نزوة عابرة أو خطيئة أخلاقية دافعها المراهقة السياسية لمن يمسك بمقود القيادة خلف أسوار القصر ورغم أننّا نعيب على رئيسنا المؤقت أسلوب المقايضة والتشفّي الذي انتهجه في كتابه المثير للجدل للكشف عن منظومة الفساد السابقة وديوان التطهير الأدبي الذي شيّده بن علي على امتداد 23 سنة فإنّ الكتاب في جانبه المشرق رغم أنّ السواد يغطّي كامل صفحاته يستعرض بعض الحقائق الصادمة التي كانت مخفية عنّا والتي كشفت جشع ودناءة كثيرين من المرتزقة الذين كانوا يتلذّذون بسرقة هذا الوطن ويبيعون ذممهم استنادا إلى قاعدة الأمن مقابل البقاء... رجّات عكسية... ظنّ الرئيس المؤقت أن يكون كتابه شاهد عصر على تاريخ مظلم من تونس العهد القديم لكن ثبت انّ بعض الظنّ إثم وأنّ الكتاب خلّف رجّات عكسية لم يقرأ لها حساب ومن كان بالأمس القريب يخشى الخروج من جحره ويخجل من الحديث عن الثورة وتبعاتها سنحت له الفرصة اليوم للوقوف على خطّ المواجهة بل استدراج خصومه إلى نزال علني وقوده شعب تلظى بنار التهميش والوعود الزائفة الزائلة فاختار الحنين إلى عناوين الماضي... الرئيس المؤقت خطّ حروف كتاب ليوثّق فضائح وممارسات زبانية العهد البائد لكنه فرّق بين الشعب والدولة ولطّخ بحبره المسكوب الكثير من رموزها بل طال أذاه «دولة» داخل الدولة ونعني جمعية الترجي التونسي بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معاني... زجّ بالترجي في عناوين الفساد فجاءه الردّ سريعا وبحجم الرجّات التي خلفها الكتاب الأسود... ردود فعل قويّة زلزلت سماء المرزوقي ووشّحتها سوادا ما بعده سواد... اختلط الحابل بالنابل والكّلّ زيّن نفسه وهواه باللونين الأحمر والأصفر فالأسود بطبعه موجود وتسلّح بتاريخ الترجي الضارب في القدم ودخل حربا نتيجتها معلومة... من يقدر على الوقوف في وجه الدولة...؟ الوقوع في المحظور... للوهلة الأولى ساد الاعتقاد بأن يكون الكتاب الأسود ظلاما دامسا يستضيف رجال الإعلام كونهم مساحيق التجميل التي استعملها النظام السابق وأدوات التطهير التي اعتمدها لمغالطة الشعب على امتداد ربع قرن لكن الرئيس المؤقت اختار أن تكون رقعة المواجهة أشمل وأكمل فأضاف إلى قائمات المفسدين رجال أعمال وفنانين وأبطالا رياضيين وإذا كان «الضرب» في هؤلاء مستباحا لأنّهم تعوّدوا على ذلك ولانّ الأرشيف الرئاسي فوق النقد ومنزه عن التحريف أو هكذا روّج له أصحابه على الاقل فإنّ مجرّد الزّج باسم الترجي في الكتاب «المشؤوم» قلب الأمور رأسا على عقب وجعل المُطَارَدَ مُطَارِدا وبرّأ ساحة كثيرين لانّ المعادلة صارت مغلوطة وشبهة العمالة صارت وساما خاصا احتكره الأبطال دون سواهم... الرئيس المؤقت منح منافسيه صكّ البراءة دون أن يشعر ومن نال منه الكتاب الأسود احتمى بدولة الترجي وجيشّ أنصاره وجمهوره ليصيروا في صفّه لتميل الكفّة لصالحه ومن كان يهمس في سريرته بكلّ خوف وحياء باسم سليم شيبوب أطلق اليوم العنان للسانه ليصدح ببطولات الرجل وينزّهه عن كلّ لغط... بسبب الترجي عادت الثورة إلى النقطة صفر وعاد رموز الماضي للعب دور البطولة من جديد...الذنب ليس ذنبهم بل كانت حماقات الكتاب الأسود... «إلّي ربّي ما ماتش...» بتزامن مريب ومثير للأحداث ومن الدفاع عن الترجي وعن سمعته وتاريخه كجمعية رياضية رفعت الراية التونسية في كثير من المحافل الدولية تحوّل الحديث بقدرة قادر من الحديث عن الترجي إلى الحديث عن سليم شيبوب صهر الرئيس السابق الذي كسر حاجز الصمت هذه المرّة و تحدّى الجميع ليكشف في العلن نظرية المؤامرة التي تلاحقه... المجال لم يكن يسنح لذلك لو لم يجهّز عبدة الشيطان أنفسهم مسبقا لهذا السيناريو المرتقب... وإذا كان الرئيس المؤقت أخطأ العنوان في أكثر من اسم في كتابه وخاصة في ما يتعلّق ب«سقطة» الترجي فإنّ ما ارتكبته بعض البلاتوهات المتكالبة على سبق مزعوم من «جرم» في حقّ الثورة يندى له الجبين... شيبوب أصبح اليوم خطّا أحمر ومن يدري قد تصبح عودته غدا مطلبا شعبيا وباسم الشعب تنتهك المحارم طالما انّ الكلّ يتكلّم باسم الشعب وهو آخر من يعلم وآخر من يتكلم ... حكاية الترجي والكتاب الأسود كشفت حقيقة واحدة وهي أنّ البعض مازال يحنّ إلى تلك الحقبة النوفمبرية الخالدة في أذهانهم والاهمّ من كلّ ذلك أنّ سليم شيبوب يعرف متى ينتصر لنفسه ويدرك جيّدا من أين تؤكل الكتف بدليل كوكبة البيادق التي تمثّله ويحركها هنا في تونس... الترجي كبير... بعيدا عن ضوضاء الكتاب الأسود وعن مغامرات سليم شيبوب يبقى الترجي أحبّ من أحبّ وكره من كره دولة برجالاته و تتويجاته وبجمهوره الكبير... الترجي دولة ليس اليوم فقط والترجي صرح كروي شامخ وقلعة من قلاع النضال في تونس منذ وطأت قدم الاستعمار ومن يسعى للركوب على الأحداث وامتطاء صهوة «الدولة» لتركيع الدولة فهو واهم لانّ شيخ الأندية التونسية لن يستحيل يوما بساط الريح الذي يمتطيه البعض للقفز على الثورات ولا صكّ الغفران الذي يقطر ذنوبا ويستر عيوبا... الترجي دائم وأنتم مؤقتون... أنتم لستم سوى مجرّد عناوين تتلوها عناوين عابرة في دفاتر غابرة بينما الترجي جاثم على صدوركم لا يزول... أبعدوا الترجي عن حساباتكم فللترجي شعب يحميه من كلّ الهزّات والرجّات وكفّوا عن قرع الطبول وعبادة البشر...