بقلم الأستاذ بولبابة سالم تحظى برامج قناة التونسية بنسبة مشاهدة عالية حسب آخر استطلاعات الرأي ,و يعود ذلك إلى نوعية برامجها و إلى سامي الفهري الذي يشهد له الجميع بالموهبة و طرافة الأفكار . لكن تبدو بعض برامج هذه القناة مثيرة للجدل و فيها استفزاز عنيف للمشاهدين سواء بتلك الإيحاءات الجنسية أو السقوط في التهريج أحيانا و الرغبة في الإضحاك دون موجب . قد نجد الأعذار للبرامج الترفيهية مثل " لاباس " الذي يقدمه نوفل الورتاني رغم سقوط بعض الممثلين في التجريح الشخصي و التهريج , أو في برنامج " كلام الناس " رغم حدّة النقاش أحيانا لأنه يجمع بين سياسيين و فنانين و مفكرين , لكن ما يقوم به معز بن غربية في برامجه شكّل صدمة للتونسيين و أظهر ضعفا فادحا و نوايا غير بريئة على أكثر من مستوى , فقد تابعنا في " التاسعة سبور " مديحا لرموز الفساد في النظام السابق و تلميعا لصورتهم , و جادت قريحة جماعة البرنامج { عدا مراد الزغيدي } بما عجز عنه الشعراء في التطبيل لسليم شيبوب , و تابعنا في برنامج " التاسعة مساء " ذات ليلة كلام جارح ضدّ بعض رموز النضال ضدّ الإستبداد مثل المناضل عبد الرؤوف العيادي و الشيخ راشد الغنوشي بطريقة انتقائية و محبوكة لا تنطلي على الغافلين فضلا عن العارفين . في الذكرى الثالثة للثورة هيّأ بن غربية المناخ الملائم لتمييع الحدث باستضافة شخص حقّر الفنانين و ميّعهم و جعلهم " كوميك " كما قال الفنان توفيق الجبالي مما أجبر بقية الضيوف على الإنسحاب بسبب المستوى الهابط و الرداءة المقيتة . السيد سليم الرياحي هو مالك قناة التونسية رغم إصرار البعض على مسألة الذبذبات فقط , و قد شعر الرجل بحرج شديد من محتوى بعض البرامج و خاصة تلميع صورة رموز نظام الإستبداد و كتب في صفحته على الفيسبوك وقتها رفضه و غضبه مما حصل و ساند ردّة فعل التونسيين و أكّد أنّه لا يتدخّل في الخط التحريري للقناة لكن من حقه أن يعبّر عن رأيه , لكني أعتقد أن غضب الرجل قد يتجازز التعبير عن الرأي خاصة بعد نبرة التحدي التي يتكلّم بها معز بن غربية و رفضه الإعتذار بل و أصبح يتحدّث باسم إدارة القناة { و تلك مصيبة أخرى } و زاد من العناد إلى التطاول و التحدّي لصاحب القناة سليم الرياحي , فقد تعلّمنا أنّ الإعلامي قد يخطئ لكن الإصرار على الخطأ يتحوّل إلى غرور و نرجسية تفقد صاحبها المصداقية و تجعله يسبح ضدّ التيار خاصة أن منشطنا تعوّد السباحة مع التيار قبل الثورة و كان من أمهر السباحين خاصة ليلة 13 جانفي الشهيرة . المعروف عن سليم الرياحي هو عدم رضاه على برنامج بن غربية " التاسعة مساء " و يرفض قطعيا تلميع صورة نظام الإستبداد لأنّه عاش في المنفى و رفض مساومات الطرابلسية الذين وضعوا له تهمة كيديّة و أصدروا حكما بالسجن في حقّه , و لم يعد الرجل إلا بعد الثورة . و من المعروف أيضا أن الرجل محافظ و لا يرضى بتلك الميوعة و قلّة الحياء , و لمن لا يعلم ذلك فلينظر مواقف نواب حزبه في المجلس الوطني التأسيسي حول مسالة الهوية و توطئة الدستور. البسطاء من التونسيين لا يفرقون بين برامج القناة و مالكها و لا يستوعبوا مسألة عدم التدخل في الخط التحريري , لذلك فقد يحمّلوا جزءا من المسؤولية لسليم الرياحي و يطالبوه بالتدخّل و إيقاف هذه المهازل وإبعاد المتسبّبين فيها . لكن كياسة الرجل وهو شخصية سياسية لعبت دورا مؤثرا في الأزمة التي عاشتها البلاد الصيف الماضي تجعله لا يرد على استفزازت بن غربية الذي يبحث عن الفرصة ليكون بطلا و ضحية " حرية التعبير " التي لم يناضل يوما من أجلها . لعل برنامج " لمن يجوؤ فقط " لسمير الوافي قد سحب البساط من " التاسعة مساء " في انتظار استكمال مشروع قناة التونسية , فالرّدود لا تكون بالسّجالات الفارغة .