أبو مازن حفتر ذلك القائد المتقاعد من الجيش الليبي، عاد من الولاياتالمتحدة إبان الثورة الليبية فتبنّى أهدافها و شارك القوم فرحتهم بطرد الفلول في الفيافي و دول الصحراء، وهاهو اليوم يدير ظهره للثوار ويحاول الاستئثار بالحكم. حفتر أصابه ريش الإمارات فأضحى "حفتريش" بعد أن ضمنه جاره السيسي وتوسّم فيه الخير. ذلك الرجل الذي كان بدوره أداة للاستخبارات العالمية تحُركّ كلما تأزّم الوضع و دفعت الأموال لتهتف الحناجر بإسقاط حكم شهم منتخب جعل إسرائيل عدوا لدودا. حفتريش أيضا تلك الحملة الإعلامية الرخيصة لقناة الوليد التي سارعت لموقع الحدث وأحاطت بالانقلابي لتلميع صورته و وصفه بالبطل المنقذ الذي وهبته السماء وبصفات أخرى أطلقت من قبل على السيسي. حفتريش كل من حاول كتابة بعض الأسطر على الويكيبيديا ليذكرنا بمنجزات حفتر في التشاد و تضحياته ضد نظام العقيد البائد. عديدة هي الصور الملمعة التي حاولت القنوات الرخيصة تقديمها لإيهام اللبيبين بجرأة حفتر وعزمه على إنقاذ بلدهم من الفوضى و القضاء على الإرهاب و غيرها من أحلام اليقظة التي يقدمها هؤلاء الحمقى لشعوب الربيع العربي. حفتريش أيضا بعض التونسيين الذين هللوا لانقلاب حفتر لأقل من ساعة من الزمن ثم ارتدوا خائبين متحسرين على فرصة ثانية ضاعت بسرعة البرق. مرّ الانقلاب الفاشل وكأن شيئا لم يقع فعلمنا أن أمن ليبيا يطبخ على نار هادئة فهم لا يعانون أمراض العلمانية المزمنة أو البواسير الحداثية، بل يشكون عصبية العروش والقبائل التي أخذت منهم كلّ مأخذ وأنهكت قوتهم فقسمت المدن و تعالت الأصوات لتأسيس نظام فيديرالي أو اماراتي. مرّ الانقلاب و تدارك السيسي، المصدر لهذه التقنية، الأمر و عجّل بمكالمة السّلط الليبية لتجديد الاعتراف بشرعيتها ونسي أن الجميع يعلم أنّ الانقلابات تنظم دائما مع الجيران فتشترى مباركتهم أو يشترى سكوتهم. كل ذلك يحدث وفي تونس متعطشون للفوضى و لحمى الانقلابات من اليمين و من اليسار همهم فرض الآراء بقوة السلاح والترويع بعد أن جرحتهم الانتخابات الماضية وبترت كبرياء نخبهم التى تلاشى جذبها الإعلامي وصارت محل تندّر وفذلكة في المقاهي والنوادي و السهرات. ولكن عزائنا دراسة التاريخ الذي يطمئننا على ثورتنا و يبيّن لنا وأنّ الارتدادات قد تزعج ولكنها لا تغير واقعا صار ملموسا وأضحى حرية تمشي في الشوارع و الأسواق لا يكاد التونسي يفرط فيها ولو بذل من أجلها الغالي والنفيس.