د.خالد الطراولي [رئيس حركة اللقاء] تنزل النطق بالأحكام الأخيرة نزول الصاعقة على أسر الشهداء والجرحى وعلى كل من له قلب وعقل، ولكنه نزول الغيث على من سواهم... تعالت الأصوات كالعادة منددة مستنكرة من غالبية الأحزاب والأفراد إلا من أبى وهم قليل. لن تعتني هذه الورقة المتواضعة بمن فرح واستبشر وركن إلى زاويته مبتسما مسرورا، فهذه حقيقته التي أخفاها حينا وتجرأ على البوح بها منذ مدة عندما أمسى الحياء بضاعة متروكة في سوق الفضائل والقيم. ما يهمني حقيقة هو هذا "التسونامي" من البكائيات واللعنات والتهجمات والاتهامات والتنديدات والاستنكارات، التي ملأت الأروقة من قبل أحزاب وأفراد، كلهم يبكي على ليلاه والوطن بريء من الجميع... وقد قتل الشهيد في بلدي مرتين، مرة يوم استشهاده ومرة يوم الإعلان عن حكم قاتليه. تصح في أغلبهم قولة أم عبد لله في سقوط الأندلس تأنيبا لابنها وهو يبكي، لا تبكي مثل النساء ملكا لم تحافظ عليه مثل الرجال... الثورة مرت من هنا ومرت معها آمال وأحلام ومطالب، كانت دمائها حناء للوطن الغالي، وجراحاتها تنغيصا يوميا لمن ينسى أو يغفل ودافعا نحو استكمال المسار. أكثر من ثلاث سنوات مرت، كان الأزلام في الجحور وانسحبوا على رؤوس الأقدام وغاب عن المشهد كل من كانت يداه ملطخة بأوساخ الاستبداد، كانت راية الثورة خفاقة وكثير من الآليات والمعطيات متوفرة لاستكمال قلع منظومة الاستبداد والفساد بعد أن سقط رأسها، كانت حكومات الثورة المتتالية تحمل مسؤولية ثورية ووطنية مفصلية في مواصلة المشوار، لكن القراءة الثورية سقطت واجتهادات المصالحة المغشوشة عمت الفضاء... عناق الأحضان ليس دائما سليم فكم من عناق أصبح "شنقة" وكانت نتائجه البوار! وليست المعارضة بأطيب روحا ومسلكا، تقاربت الأبعاد، وسقطت المتناقضات، ورمي بالأيديولوجيات عرض الحائط، والتقى آدم سميث وماركس على نفس المائدة لتجرع بعض اللقيمات على نخبك يا وطن.. من كان يصدق أن يلتقي اليسار واليمين في نفس الإطار وقد كان بعضهم بالأمس القريب ضحية وجلاد، وأصبحت دكتاتورية البروليتاريا تصاهر اعصارات الكمبرادور وقلاع الليبرالية وتحصينات البورصة! جماهير جعلت آمالها في الثريا، فوجدت نفسها ملطخة في الثرى، ثورة كانت، ثورة عند البعض لم تكن.. هل تستغربون يوما أن يحل عليكم ركب الرئيس المخلوع مكرما مبجلا على أرضنا من جديد، ماذا بقي من الحياء لم يدنس؟ ماذا بقي من الجرأة لم يظهر؟ جرءوهم فتجرءوا، سكتوا فتكلموا، تأخروا فتقدموا...لهذا اسمحوا لي أن أقول لن تفيدنا استنكارات البعض ولا تنديداتهم إن لم يكن هناك استرجاع للمسار الثوري بكل جدية وإخلاص، بعيدا عن تلهفات الانتخابات وحساباتها المقيتة، وان لم يفعلوا فليحثوا التراب على الرؤوس ثم لخرجوا في البراري وليصرخوا عاليا ولن يجدوا غير الصدى ليجيبهم، وهذا كثير. سوف يبقى الشعب هو الملاذ، الوطن وطنه، والثورة ثورته، وهو يعرف سكان الحي جيدا ولن يسقط في الامتحان مجددا إن بقيت هناك دورة جديدة. إن الثورة أخلاق ومنظومة قيم، وهذا الذي لم يحصل، ووقع الانحراف والتجاهل، فبقيت منظومة القيم سائدة ولم تتزعزع بل زادت نمو وعمقا وسقطت القراءات الثورية والاجتهادات الخاطئة وورثنا وطنا جديدا على الورق، وطنا قديما على الاسمنت. يروى أن الإمام أحمد بن حنبل كان يلقي في أحد المساجد موعظة وجلت لها القلوب ودمعت لها العيون، وكان قد وضع مصحفه إلى جانبه، فلما انتهى من حديثه افتقد المصحف فلم يجده ورأى الجميع يبكي وينتحب، فقال: "ويحكم كلكم يبكي فمن سرق المصحف!!!"