جسّدت الحملة العدائيّة الاخيرة على دولة قطر ورموزها في الحكم والدولة نموذجا للهجمات الدعائيّة التي تؤكد انخراط جهات حزبيّة وأطراف سياسية واعلاميّة في تشويه الخصوم السياسيين ومحاولة ربح هامش تعاطف لدى الرأي العام. انّ هذه الحملة بما تعنيه من تنسيق وترابط وخطوط عمل وتحرّك واضحة ومنسجمة تصلحُ ان تكون مثالا للدّرس تبيانا لما اصبح يعتري المشهد في تونس من حملات دعائية وعدائية منظمة تجاه هذا الطرف او ذاك. ومن المؤكد ان هذه الحملات العدائية تستبيحُ كل الحدود ونتجاوز لغة المنطق وتقعُ ضرورة في خانة نشر الأكاذيب والترويج للمغالطات وجرّ البلاد الى المزيد من الاحتقان والتوتر ووضع المزيد من الضبابيّة لدى الرأي العام وعموم المواطنين. منطلق الحملة الاخيرة على دولة قطر كان تصريح رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي الذي يبدو انه لم يكن يدر ربّما انّ خصومه وخصوم الترويكا يترصّدون عثراته وزلاته التي باتت تتكاثر مؤخراً ، فالواضح ان لا دخل لدولة قطر في موضوع استعادة الاموال التونسية المهربة الى الخارج من رموز النظام السابق الى من ناحية شخصية المحامي المكلف من الاممالمتحدة والذي يحمل الجنسية القطرية مثلما كان يُمكنُ ان يكون غيره في نفس المنصب لإنجاز المهمة المطلوبة. وكان بإمكان السيد محمد منصف المرزوقي الاكتفاء بذكر صفة النائب العام القطري الاصلية المرتبطة بالموضوع وهو انه محامي مكلف من قبل منظمة الاممالمتحدة بتتبع الاموال المهربة من دول الربيع العربي دون ان يفسح المجال لخصومه لشن تلك الحملة الدعائية العدائية المشينة على دولة صديقة لتونس وساهمت بأدوار مهمة في دعم الثورة التونسية منذ اندلاعها وذلك بشهادة حتى الحكومات التي تولت الحكم في تونس ومنها اساسا حكومتي السيدين الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي. خصوم المرزوقي والترويكا وحركة النهضة لم يفوتوا فرصة جاءتهم على طبق من ذهب في مسعى لهم لا فقط للتشهير بتدخل مزعوم لدولة قطر في الشان الداخلي لتونس بل تحركت الحملة بهدف استراتيجي هو محاولة الأضرار بالعلاقات بين البلدين خاصة في ظل بدء دولة قطر وعدد من المستثمرين القطرين والجمعيات الخيرية والاجتماعية تنفيذ عدد من المشاريع في تونس والتي من ابرزها على الاطلاق مصفاة تكرير النفط بالصخيرة والتي سيكون فيها حجم الاستثمار قياسيا يقارب الخمس مليار دولار امريكي وستمكن تونس من تحقيق اكتفائها الذاتي من البترول ومشتقاته بل وسيجعل منها نقطة للتصدير خاصة بعد ان وافقت الدولة الليبية على إمداد هذه المصفاة بما يلزمها من النفط الخام ، هذا الى جانب ما ستُوفّرهُ من فرص عمل المئات من الشباب والكفاءات التونسيّة. هذا الى جانب عدد اخر من المشاريع الاستثمارية وفرص للتعاون الثنائي بين تونس وقطر سواء عبر الاستثمار المباشر او عبر الية التعاون الفني والتي يستفيد منها حاليا الاف التونسيين في العديد من القطاعات والميادين. الحملة العدائية بلغت حدا قياسيا من التهجم والتهكم وتجاوز الوقائع وابتعد عن دائرة العلاقات الثنائية ليندسّ في تفاصيل سياسات دولة قطر الخارجية وخاصة حيال الموضوع السوري والارتباط بالادارة الامريكية، وقد سارع المسؤولون القطريون الى تأكيد حيادهم في الشؤون الداخلية لدول الربيع العربي ومنها تونس خاصة بعد ان امتدت الحملة العدائية ضدها الى دول اخرى ومنا اساسا مصر التي اعتمدت قوى من المعارضة نفس أجندة الحملة التي اندلعت في تونس. وأوضح وزير الخارجية القطري من المانيا وفي لقاء صحفي مشترك مع ميركل كيف ان منهج بلاده يعتمد تعزيز التعاون مع الدول لا مع الافراد او الاحزاب. كما جاء بيان وزارة الخارجية دليلا على استقلالية القرار التونسي عندما تمّ تكذيب خبر ضغوطات قطرية على الدولة التونسية لتسليم مقر السفارة السورية في تونس الى المعارضة السورية. الحملة العدائية حرّكت ردود أفعال عديدة نظرا لما انطوت عليه من منهجية في بث الفتنة والأقاويل المغلوطة بل وحتى الكاذبة وتمسّك جزء من المعارضة في تونس - وايضا في مصر وفي نفس التوقيت- بمحاولة الإضرار بصورة قطر لدى الشعبين ومن ثم توتير العلاقات بينها وحكومتي البلدين. من المؤكد وقد مرّت العاصفة الان بسلام ان التجاذبات السياسية والحزبية في تونس بين السلطة والمعارضة قد تجاوزت كل الحدود والخطوط الحمر ناهيك وانه تم افتعال العديد من المعطيات الخاطئة حول الدور القطري في تونس ، ولا تختلف الهجمة على قطر في شيء عن حملات عدائية سابقة نفذها البعض من أنصار الترويكا ضد دول اخرى ومنها اساسا فرنسا المتهمة بالميل الى "قوى معارضة ذات اصول علمانية ويسارية" على الرغم مما صرحت به الخارجية الفرنسية من حياد في الشان التونسي واعتبار موقف وزير الداخلية شاذا ولا يلزم شخصه عندما قال ان على فرنسا التدخل لمساعدة القوى الديمقراطية. هذا التمادي في خلط الاوراق والانجرار الى الاضرار بعلاقات الدولة التونسية مع سائر الدول الصديقة والشقيقة وانفتاح الشعب التونسي على سائر الشعوب والثقافات يُعتبرُ امرا خطيرا ومنزلقا فيه الكثير من العقبات والهواجس ، فمثلما لا يجب ان نحجب عن الأنظار عمق العلاقات التونسية الفرنسية وما فيها من تبادل اقتصادي وامتداد ثقافي واجتماعي فان الواقع يؤكد كذلك ضرورة ان لا تنخرط الأطراف السياسية سواء أكانت في الحكم والمعارضة الى مثل هذه المنزلقات تجاه سائر الدول التي تعبر عن مساندتها ودعمها للثورة التونسية ومسار الانتقال الديمقراطي بها وفي ظل غياب مؤيدات حول تدخل مّا في الشان الداخلي. نعم للوقوف صدا منيعا ضد التدخلات الخارجية في الشان السياسي المحلي ،سواء اكانت شرقية او غربية ، اوروبية او امريكية او عربية ، ونعم أيضاً لتعزيز عرى التعاون والتبادل مع الدول الصديقة والشقيقة ولا لتواصل جرّ البلاد الى المزيد من التضييقات او الصعوبات في تحقيق التواصل مع دول العالم حيثما كانت مصلحة البلاد ومنفعتها. ان العلاقات الخارجية المتميزة لتونس هي احد اهم مكاسب الدولة التونسية منذ الاستقلال وعلى الاحزاب الحاكمة والمعارضة ان تتجنب المساس بتلك المكاسب لحساب أجندة حزبية وانتخابية ضيقة ، فتونس فوق التجاذبات والانحرافات وضرب الخصوم السياسيين وهوس اعتلاء سدة الحكم والوصول الى السلطة. يتناسى الخصوم السياسيون ان تدافعهم وصراعهم وتجاذباتهم بما فيها من أنانية وأطماع ونظرات محدودة وضيقة وبحث عن المغانم الانتخابية يُضرّ الشعب ويسدّ أمامه فرصا للتنمية والتشغيل والاستثمار وتحسين ظروف العيش. ان تونس الثورة التي أبهرت العالم لا يُمكنها ان تنجرّ الى منطق العداء المجاني لأي جهة كانت وعلى الجميع ان يعلم انّ مصلحة الوطن في ان تكون البلاد منفتحة على الجميع تستمدّ منهم عوامل الخير والتبادل الثنائي النافع وان لا تنقطع لا على الشرق ولا على الغرب وبالمنطق والعقل فذلك هو ما يفرضهُ عالم اليوم الذي أضحى بلا حدود .